ثالوث الموت السوري في فرانكفورت

نشر
4 دقائق قراءة
تقرير جابر بكر
Credit: jaber bakr

هذا المقال بقلم جابر بكر، كتبه أثناء قيامه باجراء تحقيق في أوروبا عن الجهاديين الذين ذهبوا للقتال في سوريا، وهو يعبر عن رأيه ، ولا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

فاتتني مسيرة ذكرى الراهب الهولندي – السوري فرانسيس فاندرلخت في فرانكفورت يوم السبت المنصرم. وصلت المدينة ليل اليوم السابق ولكني كإبن ريف بسيط، تهت في شوارعها وخطوط نقلها وجمالها بآن. قادتني خطاي بعد مجموعة أخطاء في وسائل النقل العام إلى النقطة الأخيرة للمسيرة في كنيسة أغناطيوس للأباء اليسوعيين. تناول السائرون هنا طعام الغداء البسيط وتحدثوا عن كل شيء عدا السياسة. أصرت ريتا باريش صديقة راهب حمص الذي قضى برصاص مجهولين أن يكون النشاط انسانياً كأقرانه السابقين في باريس ومونتريال. روحياً ثقافياً بين المسلمين والمسيحين، فكانت الانطلاقة من جامع أبي بكر وصولا إلى الكنيسة.

محتوى إعلاني

انتهى نشاط "لنسر معاً على خطى فرانس، من أجل السلام في سوريا"، والذي بني على كلماته "إني لا أرى الناس إسلاماً أو مسيحيين، ما أراه أولاً هو الإنسان". تودع المشاركون بأمنيات اليوم الطيب. سقطت الأمنيات جميعاً بمشهد فصامي شديد القسوة والشراسة. جوقتا رقص تشغلان تقاطع طريق في وسط مدينة فرانكفورت التجاري -- جابر بكر . على اليسار علم سوريا ذو النجمتين يرافقه علم حزب الله اللبناني. على اليمن علم الاستقلال الأخضر. المجموعة الخضراء ترمي العلم الأحمر وعليه صورة الأسد تحت قدميها لتدوسه أثناء الرقص والاحتفال. الجماعة الأولى أي الموالون فرحون بنتائج الانتخابات وفوز بشار الأسد. ما دفع المعارضة لتنظيم مظاهرة مضادة قبالتها تماماً.

كانت جوقات الفرح الدموية هذه تلفت نظر المارة وتستوقفهم لالتقاط الصور التذكارية لمشهد سريالي غريب. فالموالون يهتفون لبشار الأسد وجيشه ويحيون شهداءه. المعارضون يهتفون للجيش السوري الحر ويحيون شهداءه. الجميع ينعي موتاه على طريقته. قاسمهم المشترك الدبكة -- جابر بكر. الموالون يدبكون على موسيقى الساحل السوري. والمعارضة على أغاني الثورة السورية. رافق الموالين نشطاء حزب الله ومؤيدوه. رافق المعارضة نشطاء الاخوان المسلمين المصريين ومؤيدوهم.

فصام جماعي. هكذا كان رد فعل العائدين من مسيرة السلام. فالسائرون يحيون ذكرى شهيدهم الأب فرانس وسوريا الحوار والسلام بالثقافة والرياضة. المعارضون ينعون ما يزيد عن 150 ألف قتيل خلال السنوات الثلاث المنصرمة. الموالون يحتفولن بنصرهم على المعارضة وانتخاب الأسد لدورة رئاسية جديدة. الجميع يحتفل ببحر الدماء السورية ولكن كل على طريقته.

هنا في فرانكفورت يرقصون وهناك في سوريا يموت الناس بصمت. وثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان بالأسماء والتواريخ مقتل 124927 مواطناً سورياً 88% منهم مدنيون. بينهم 14 ألف طفل و13 ألف امرأة وبالطبع عدا قتلى قوات النظام. أي أن قوات النظام السوري تقتل 6 سوريين كل ساعة وكل ساعتين يقتل طفل وكل ثلاث ساعات تقتل امرأة. كما قتلت القاعدة 1037 سورياً ثلثهم مدنيون بينهم 41 طفلاً و32 امرأة. وقتلت المجموعات المسلحة الأخرى 174 مدنياً بينهم 24 طفلاً و28 امرأة.

.سعادتي الكبرى تتمثل بإيصال الإنسان إلى موته الكامل" عبارة فرانس هذه يوم قالها في حواري معه عام 2010 لم يقصد بها هذا الموت العشوائي طبعاً. ربما قصد فرانس فيها موته الكامل كخادم للإنسانية التي بدأت تفقد مع مرور الزمن في سوريا، وفي قلوب الكثير من السوريين جميع نضارتها وخيرها وقدسيتها. يسيرون ويرقصون ويهتفون ويبكون وينشدون جميعاً لتخليد ذكرى موتاهم، وأمامهم قاتلهم يرقص وينشد ويبكي قتلاه مثلهم، فهل سألنا أنفسنا؟ "وماذا بعد ثالوث الموت هذا؟" هو سؤال لا يقلل من خسائر السوريين أرواحاً وحياة، ولكنه رغبة باستشراف مستقبل شعب يموت كل يوم راقصاً من شدة الألم.

نشر
محتوى إعلاني