محاكمة "الجزيرة".. المسار المتغيّر لتحديث الإعلام والشرق الأوسط ودور مصر
بقلم كريستينا سلادي
كريستينا سلادي هي نائبة مستشار جامعة باث سبا بعد أن كانت قد عملت في جامعات سيتي لندن وماكواري وأوتريخت ودي مونتيري في المكسيك وكانبيرا في أستراليا. تلقت تدريبا في فلسلفة المنطقة واللغة قبل أن تركّز بحوثها حول الإعلام منذ تسعينيات القرن الماضي. وآخر إصداراتها عام 2014 هو "مشاهدة التلفزيون العربي في أوروبا: من الشتات إلى المواطنين الهجناء." وما يرد في مقالها يعبّر عن رأيها ولا يعكس وجهة نظر CNN
(CNN)-- صدم الحكم الذي سلطته محكمة مصرية على ثلاثة من صحفيي قناة الجزيرة العالم بأسره. فقد حكمت بالسجن على الصحفي السابق في بي بي سي الأسترالي بيتر غريستي والمتعاون السابق مع CNN المصري الكندي محمد فهمي سبع سنوات وعلى المنتج المصري باهر محمد 10 سنوات. وقالت وزيرة الخارجية الأسترالية-وهي قانونية التكوين، إنّ الحكم كان غير قابل للفهم "اعتمادا على الأدلة التي تم عرضها في القضية."
ويبدو أن الخوف من الإخوان المسلمين كان أحد العوامل لاسيما أن محمد مرسي الذي تم انتخابه في 2012 رئيسا كان مدعوما من الإخوان المسلمين وقطر. ومنذ تنحية مرسي في يوليو/تموز 2013، تدهورت العلاقات بين القاهرة والدوحة. وتعتقد الحكومة المصرية وأوساط أخرى من المجتمع أنّ قناة "مباشر مصر" التابعة لقناة الجزيرة مقربة من حركة الإخوان المسلمين.
ويعكس الحكم على صحفيي قناة الجزيرة عدم ثقة النظام المصري الحالي في مالكي قناة الجزيرة القطريين. لقد غيّرت القناة أساليب الإخبار في الشرق الأوسط وتغطية المنطقة خارجها. وكثيرا ما يشاهد شعارها على الصور التي يتم تزويد القوات الإخبارية بها في مختلف أنحاء العالم. وأطلقت القناة من قبل أمير قطر عام 1996 واعتمدت أولا على ثلة من صحفيي القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية بعد قرار إغلاقها قبل ذلك بقليل. وكان أسلوبها متماشيا مع المعايير الغربية فيما يتعلق بالإخبار والنقل والتغطية أكثر منها معايير القنوات الحكومية الشرق الأوسطية في تلك الفترة.
وساهم أسلوب تغطيتها لحرب الخليج في انتشارها وتعزيز أوراق اعتمادها لدى المشاهدين. ورغم حملة تجريح كانت هدفا لها من قبل الإدارة الأمريكية إثر هجمات 11 سبتمبر بسبب إجرائها لقاءات مع زعماء تنظيم القاعدة، إلا أنها نجحت في بناء سمعة رائعة في الشرق الأوسط وخارجه.
وربما لا يمكن تقييم نجاحها إلا عبر محاورة نزيهة لشرائح واسعة من مشاهديها. لقد أشرفت على استطلاع، قابلنا أثناءه ما لا يقل عن 2000 متحدث بالعربية من مشاهدين القنوات العربية في أوروبا، وكشف أنه ينظر على نطاق واسع للجزيرة على أنها تتمتع بشعبية خاصة لدى أولئك الذين لهم خلفية ثقافية شرق أوسطية بجانبها المتمايز عن تراث شمال إفريقيا المغاربي. وتحدث الكثيرون منهم عن فخرهم بالقناة وقال أحدهم في نيقوسيا إنها غيّرت مفهوم معالجة وسائل الإعلام للأخبار."
كما للقناة سمعة في التوازن حيث قال مشاهد إنجليزي إنّ الجزيرة نزيهة إلى حد كبير، في الوقت الذي اعتبر فيه مشاهد ألماني أنها أفضل من القنوات الألمانية من حيث أنها أقل محلية. ونصح الكثير ممن قابلناهم بمشاهدة الجزيرة الإنجليزية من قبل غير المتحدثين بالعربية حيث أنهم سيكتشفون وجهات نظر بديلة في العالم العربي.
وتعيش الجزيرة على وقع الجدل فبرامجها الحوارية صاخبة وبرامجها تقوم على قطعها من أجل بث الأخبار العاجلة والقصص المستعجلة وتبث صورا قد تصدم مشاهدين. وفي الوقت الذي ينظر فيه البعض للجزيرة على أنها مرتبطة بإسلاميين متشددين، يشير متحدث بالعربية من استكهولم إلى القاعدتين الأمريكيتين في قطر معتبرا أنّهما سبب في عدم الثقة بالقناة.
لكن الجزيرة هي جزء من مسار تحديث الإعلام في العالم العربي. وهي تبثّ بلغة عربية حديثة، وهي نفس العربية التي انتشرت في عشرينيات القرن الماضي مع ظهور نخبة من ضمن المتحدثين بها في مختلف أرجاء العالم العربي ترى فيها أسلوبا لتحديث المنطقة التي توجد فيها عدة لكنات ولهجات عربية محلية تجعل من الصعب فهمها بصفة سلسة ومشتركة--كرسيتينا سلادي باحثة في الإعلام .
وكانت مصر، وهي أكبر دول الشرق الأوسط سكانا، في قلب عملية التحديث تلك ولاسيما مع انتشار جريدة الأهرام العريقة وواسعة الانتشار والتي حملت لواء الصحافتة المكتوبة في المنطقة بأسرها، وزاد من التأثير أسلوب الزعيم جمال عبد الناصر عبر محطة "صوت القاهرة" التي كانت تبث برامج معادية للإمبريالية.
هذا المسار ظل مستمرا على مدى عقود وعقود، وساهمت في ذلك قناة "النيل" الدولية التي تعدّ أكثر قناة ترفيهية مشاهدة لدى الناطقين بالعربية في الشرق الأوسط وأوروبا. وخلال الربيع العربي، أطلت أساليب جديدة من الإعلام الحديث تم استخدامها في ميدان التحرير –من ضمنها فيسبوك وتويتر- معلنة عن كونها الوجه الجديد لحرية التعبير. ويظهر مصير صحفيي قناة الجزيرة إلى أي مدى انحدر هذا المسار في مصر الآن.