تحليل.. هل ينقسم العراق لثلاثة أجزاء؟
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)—إن العراق يعيش في حالة صعبة، إذ فقدت الحكومة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، فالعنف الداخلي يزداد يوماً بعد يوم، وتنظيم القاعدة في تنام، إن هذا وصف لا ينطبق على عام 2014 بل لعام 2006، وهو وضع ساعد النائب في مجلس الشيوخ الأمريكي حينها ونائب الرئيس الأمريكي الآن، جوزيف بايدن، إلى تقديم اقتراح بتقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، كردي وشيعي وسني.
وقام بايدن وليزلي جيلب الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" باتخاذ البوسنة نموذجاً عصرياً "بتقسيم البلاد إلى أقاليم طائفية، وبالتالي إفساح المجال أمام المسلمين والكروات والصربيين بالحصول على جيوش مستقلة."
كانت تلك معادلة اعتقدوا بأنها يمكنها أن تؤدي لنتيجة مماثلة في العراق، كما تمحور الاقتراح حول "تولي الأكراد والسنة والشيعة مسؤولية تسنين قوانينهم المحلية، والمواضيع الإدارية والأمن الداخلي، أما الحكومة المركزية فيمكنها تولي مسؤولية الدفاع عن أمن الحدود والعلاقات الخارجية، وقطاع النفط."
وقد تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي خطة بايدن/جيلب عام 2007 لكن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تجاهلتها، وبعد سبع سنوات يبدو بأن تقسيم العراق يعتبر خياراً وارداً أكثر من غيره، إذ أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو ما يعرف بـ "داعش" قد احكم سيطرته على معظم المناطق الواقعة شمال العراق وغربه، من بنها مدينة الموصل، والقيادات الكردية تضغط للتقدم في طلب للحصول على إعلان من طرف واحد لاستقلال إقليم كردستان.
ويقول رمزي مارديني، الخبير في شؤون العراق بالمجلس الأطلسي، إن: "المعادلة الأساسية هي كالتالي : ' إن داعش يمكنه استفزاز الشيعة، والشيعة يبالغون برد فعلهم ويعممون تجاوبهم على جميع السنة، وبالتالي فإن المزيد من السنة سيدعمون داعش، إن الوضع بمثل سرداب مدور، كل دائرة يتم تشكيلها يمكنها أن تقوي الانقسام الطائفي."
ولهذا السبب فإن الفرص بوجود مفوضات منفصلة قد تبخرت، إذ أشار مارديني إلى أن "بايدن كان ينظر إلى العراق من عدسة يوغسلافيا السابقة، لكن الحدود لا يمكنها أن ترسم بالحبر على الورق"، مضيفاً بأن "هذا التقسيم يجب عليه أن يتم خارج إطار الحرب الطائفية"، وقال: "إن العراق لطالما كانت دولة خضعت لحكم سلطوي، ومن السذاجة التفكير بأنه يمكن أن تتحول لدولة ذات نظام فدرالي وديمقراطي في يوم وليلة، وليس فقط بسبب ما يكمن في تاريخ العراق وتركيبته، بل أيضاً بسبب طبيعة النظام الفدرالي ذاته، الذي يعتبر تشكيلاً إدارياص معقداً."
ومن بين العقبات الكثيرة التي تواجه أي محاولة للتفاوض، قدرة المناطق السنية على تمويل ذاتها اقتصادياً دون الحصول على حصة من القطاعات النفطية في المناطق الأخرى، فمناطقهم هي الوحيدة التي لا تعد جزءاً من بحيرة النفط التي يعوم عليها العراق.
كما يحوي العراق أيضاً حدوداً طبيعية وبكثرة، خاصة في بغداد ومحافظة ديالى، حيث تعيش مجتمعات مختلفة بشكل ملتصق، وبالتالي فإن السنة لن يرضوا بأن يحكم الأكراد مدينة بطبيعة مختلطة مثل كركوك.
وقال مارديني: "لمدة عقد من الزمن، لم يتمكنوا من التوصل إلى تشريع مفهوم لمشاركة قطاعات النفط وتنظيم سياسات خاصة به"، وأضاف بقوله: "كيف يمكنك أن تقنع شيعة العراق بمشاركة حصصهم مع السنة في البلاد؟ وكيف يمكن للسنة ان يوافقوا على الحدود المرسومة بين الأقسام الثلاثة؟ هذا كله سيتطلب مفواضات سياسية واتفاقاً على المناطق المتازع عليها، وجميعنا على علم بمدى صعوبة تحقيق ذلك وعد إتمامه خلال العقد الماضي."
كما أن إعادة رسم خريطة للعراق، خلال النزاع أو بدونه، يمكنه أن يؤثر بعمق على البلدان المجاورة مثل تركيا وإيران وسوريا، التي تحوي بين فئات مجتمعاتها أقليات كردية، ويمكنها أن تقلق بشأن بروز دولة كردية غنية بالنفط.
ومن المرجح بأن يضم الجزء الكردي من العراق إلى إيران، وبالتالي فتح المجال أمام إيران لاستغلال النفط العراق، وأضاف مارديني بأن "اهتمام الولايات المتحدة بوحدة العراق كان معللاً بأسبابه"، وقال: "بدون وجود للسنة والشيعة كجزء من المجتمع العراقي، فإنه لا يوجد هنالك الكثير لما يمكن فعله لموازنة التأثير الإيراني الواقع على على السياسات النفطية المحلية في البلاد."
ومن جهة أخرى، فإن حصول السنة على إقليم مستقل بهم، بعد التخلص من التمييز الذي واجهوه على يد الحوكة الشيعية في البلاد، يمكنه أن يبعد احتمالية وقوع أفراد الطائفة في أيدي المتشددين، فالسنة لن يحتاجوا إلى سبب للتوجه لجماعات جهادية مثل "داعش" إن لم يشعروا بوجود أعداء لهم في بغداد، كما سيتمكنون من التفاهم مع القبائل السنية في سوريا، حيث تعيش القبائل ذاتها على جانبي الحدود لبن الدولتين.
إن انهيار العراق يمكنه أن يفسح المجال أمام هجرة وعنف مماثلين لما صاحب ولادة الهند وباكستان، ويمكن عنه خطر حقيقي، لكن الوضع الحالي، قد أجبر آلاف الناس على الهجرة من منازلهم، وقتل غيرهم المئات.
وهنالك من المؤرخين من يمكنهم أن بجادلوا في طبيعة كون العراق دولة من عدمها، بل وشبهوها بكونها أشبه بالمستعمرة التي كونتها بريطانيا في الهند، ونحن الآن نشهد على ترتبات هذه الأوضاع.
نبذة تاريخية
في بداية القرن العشرين، جابت القبائل الصحارى العربية الشاسعة، والتقسيم لهذه الدول العربية بدأ في اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، مع فرض فرنسا سيطرته على سوريا ولبنان، وبريطانيا على فلسطين والعراق، وفي عام 1919 أيدت عصبة الأمم الإدارتين الفرنسية والبريطانية على ما كان يسمى بالدولة العثمانية.
والحدود العراقية رسمت في مؤتمر بالقاهرة عام 1921 وبشكر كبير خص لوينستن تشيرتشل وتي إي لورنس، الملقب أيضاً بـ "لورنس العرب"، الذي كان واحداً من بين 40 بريطاني اجتمعوا في قصر سميراميس على ضفاف نهر النيل، وقد اخترعوا مفهوم العراق، وعينوا فيصل بن الحسين ملكاً على لابلد الجديد.
فيصل الحسين كان سنياً وهاشمياً، أي لم يكن من العراق في الأصل، إذ اعتمدت السياسات البريطانية على الترويج لمصالح السنة والأقليات الأخرى لتشكل توازناً معاكساً للأقليات الشيعية، وينتج عنها القيادات الشيعية الدينية، وهي أدوات أجاد صدام حسين استخدامها بعد مضي نصف قرن.
وضد نصيحة عدد من الخبراء، تضمن العراق الجيدد محافظة الموصل التي غلب عليها سيطرة كردية، وذلك ليصبح خط مواجهة أمام تركيا وروسيا، التي تحولت فيما بعد إلى الاتحاد السوفييتي.
كانت غريترود بيل أحد المستشارين الرئيسيين في اجتماع القاهرة حينها، كثيرة السفر والتجوال وكانت على صلة بشيوخ القبائل، حينها قللت بيل، وغيرها الكثيرون حينها، من شأن رجال الدين الشيعيين، كما قللت من شأن قوة الحكم البريطاني، إذ قالت حينها لجعفر العسكري الذي أصبح رئيس الوزراء العراق اليافع إن: "الاستقلال الكلي هو ما نرغب بأن نمنحكم إياه في النهاية."
وأجابها العسكري: "يا سيدتي، إن الاستقلال الكلي ليس شيئاً يمكن منحه، بل يتم أخذه"، كلمات تعود للحياة في عراق اليوم.