مقال حواري عن مسار مصر الديمقراطي.. "المعدات والناس والمؤسسات والديمقراطية"
هذا المقال بقلم عمرو حمزاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
المكان: فندق سيدي عبد الرحمن، الساحل الشمالي، مصر.
الموضوع: حوار مع لواء جيش متقاعد ع.د.، خدم الوطن في القوات الجوية وشارك في حربي 1967 و1973 وحصل على أوسمة للتميز في الأداء العسكري وللتفاني في الخدمة، تجمعه مع عائلتي صداقات متنوعة، أحمل له الكثير من الود والتقدير وأتذكر لطفه حين ساعدني للحصول على أول "تصريح إجازة" من معسكر تدريب سلاح المهندسين الذي أديت به خدمتي العسكرية.
ملاحظة تمهيدية 1: سعدت جدا بلقاء اللواء ع.د. دون سابق ترتيب في المكان المذكور، ودار بيننا الحوار الذي أنقل منه الأجزاء أدناه. شارك في الحوار أيضا البعض من أسرة اللواء الفاضلة، واختلفت المواقف بين تأييد له وبين تعاطف معي دون أن يغيب الود أبدا.
ملاحظة تمهيدية 2: أستميح القراء الكرام عذرا في أن أنقل من الحوار الأجزاء أدناه بالعامية المصرية التي دار بها، وحملت الكثير من المشاعر الإنسانية الهام رصدها بجانب رصد الرؤى والتقديرات والتفضيلات. أترك جانبا، بعيدا عن الأجزاء أدناه، عبارات الترحيب المتبادلة وعبارات الاطمئنان على الأهل وأحوال الصحة وعبارات تذكر من رحلوا كأبي وأمي رحمهما الله.
اللواء: أنا زعلان منك جدا يا عمرو. أنت بتهاجم الجيش عمال على بطال، وبطريقة استفزازية بس. وكأنك مش شايف الكارثة اللي مصر فيها، والإرهاب اللي بينهش فينا، وشهداء الجيش والشرطة اللي بيقعوا كل يوم.
الكاتب: أنا مش بهاجم الجيش حضرتك، وبحترم جدا دوره كمؤسسة وطنية بتدافع عن الحدود والأرض والأمن القومي وعن الدولة كلها. أنا بس ضد تدخل الجيش في الحكم، ومش موافق على رجوعنا تاني لدولة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وللرئيس اللي كان وزير للدفاع. وشايف الإرهاب وشهداء الجيش والشرطة، وبأدين كل ده من اللحظة الأولى. بس شايف كمان أن الحلول الأمنية لوحدها مش كفاية، وأن ظلم الناس بيطول عمر الإرهاب والعنف، وأن مصر تستاهل أحسن من الوضع الحالي اللي فيه إرهاب وفي انتهاكات للحقوق وللحريات.
اللواء: ده كلام جرايد، ما تزعلش مني. ما فيش بديل للجيش دلوقتي ومصر جواها إرهاب وحوليها كوارث في ليبيا وسوريا والعراق وكمان في حوض النيل. ما فيش بديل للحلول الأمنية عشان نحمي الناس وترجع الدنيا تقوم شويه في الاقتصاد والخدمات.
الكاتب: بس حضرتك الجيش والشرطة يقدروا يعملوا أدوار الحماية والتأمين من غير الحكم. ولو حضرتك عايز رأيي كله، وأنا عارف مش هيعجب حضرتك، فاللي بيحصل حولينا سببه أن الدول العربية خربها الاستبداد والظلم، والشعوب وقعت فريسة ومن فترة طويلة للجهل والفقر والتطرف والتعصب وبتدور على أي حل ولو بالعنف والانتحار الجماعي. والحقيقة كمان، لو تسمحلي حضرتك، ما ينفعش نخير الناس في مصر بين مواجهة الإرهاب وبين حقوقهم وحرياتهم، ولا بين الأمن ولقمة العيش وبين الديمقراطية وحكم القانون.
اللواء: برضو كلام. خليك محدد، مين كان ممكن يخلص مصر من حكم محمد مرسي ومكتب الإرشاد؟ مين يقدر ياخد القرارات المهمة اللي مصر محتاجها دلوقتي عشان تواجه الإرهاب وتنجد نفسها من اللي حوالينا؟ فين البديل بعيد عن الجيش وعن وزير الدفاع السابق اللي بقى رئيس الجمهورية؟ يا عمرو، مصر ما حدش بيعرف ياخد قرار في مصر غير العسكريين. شوفت قرارات الدعم والأسعار وقناة السويس الجديدة، ما حدش قدر عليهم غير العسكريين اللي مش عاجبينك.
الكاتب: أنا مختلف مع حضرتك هنا. صندوق الانتخابات جاب الدكتور محمد مرسي وكان لازم هو اللي يمشيه، يعني انتخابات رئاسية مبكرة.
اللواء: ثانية واحدة .. ومين كان هيعملها؟
الكاتب: نفس اللي عمل 3 يوليو2013 وخده في سكة خروج على الديمقراطية ورجعنا لحكم المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية من تاني. والقرارات المهمة حضرتك لازم تأخدها مصر بصورة جماعية فيها مشاركة من كل المؤسسات مش بس الرئاسة ولازم تكون مفهومة للناس ومعروف أسبابها عشان يساندوها. ولو ما فيش غير العسكريين اللي بيعرفوا ياخدوا القرار، ومع تقديري لحضرتك وليكم كلكم في مواقعكم الطبيعية، يبقى احنا مش هنيجي لقدام أبدا ولا هتقوم عندنا قومة لمؤسسات قوية وثابتة.
اللواء: يعني أنت بجد شايف أن شوية الناس اللي بيعملوا سياسة دول هما اللي يقدروا على مواجهة الإرهاب ويحموا مصر من داعش وأشكالها ويحركونا لقدام في الاقتصاد؟
الكاتب: مش شوية الناس، لكن المؤسسات وحكم القانون حضرتك. مصر تقدر تواجه الإرهاب بنجاح بمؤسسات قوية وقانون يحمي الحقوق والحريات ويحاسب الإرهابيين وأجهزة منضبطة تجيبهم للعدالة وصناع قرار يفكروا مع الحلول الأمنية في الحلول السياسية والاقتصادية، ﻷن الظلم والقمع والفقر بيطولوا عمر الإرهاب. وهي برضو مؤسسات اللي تقدر تاخد القرارات المطلوبة في الاقتصاد بصورة شفافة ومدروسة مش عاطفية ومن غير تناقضات زي اللي موجودة في القرارات اللي حضرتك قلت عليها.
اللواء: يعني مين البديل للمشير عبد الفتاح السيسي؟ يوم الانتخابات الرئاسية كان مين البديل؟
الكاتب: البدائل اتخنقت بعد 3 يوليو 2013 بالرأي الواحد والصوت الواحد وبتخوين كل المعارضين واللي دافعوا عن الحقوق والحريات ورفضوا تبرير الانتهاكات أو السكوت على الدم في فض الاعتصامات زي ما رفضوا السكوت على الإرهاب. البدائل اتموتت زي السياسة بالضبط، ومصر بتحكمها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية. والحل دلوقتي هو اننا نرجع شوية سياسة، ونفتح أفق جديد للديمقراطية، وللاعتراف بأن مصر بلد الكل والكل حقه يشارك فيها طالما مسالم وبيحترم المواطنة والمساواة ويبعد عن الخلط بين الدين والسياسة ويقبل المحاسبة بالقانون.
اللواء: شوف يا عمرو، مصر ما استحملتش ولا هتستحمل الكلام النظري بتاعك ده. الناس، وأنا دايما باسميهم المعدات، ما يجيبوش الحرية والمساواة والديمقراطية والشفافية بتوعك. حسن حالتهم الأول وبعدين شوف الديمقراطية، لما يلاقوا يكلوا ويتعالجوا ويتعلموا ويشتغلوا يبقى نتكلم. ومش هايقدر يعمل ده غير العسكريين، ولا هيبني المؤسسات اللي أنت عايزها غيرهم.
الكاتب: بس احنا عشنا كده حضرتك من 1952، ولا الأحوال اتحسنت ولا
المؤسسات اتبنت واستقرت. الناس، المعدات زي ما حضرتك بتقول، الظاهر
محتاجين الحرية المساواة والكلام النظري ده عشان تتحسن أحوالهم
وأحوال الدولة والمجتمع. مصر محتاجة مؤسسات مدنية قوية مع الجيش
والشرطة، ومحتاجة لجيش وشرطة بعيد عن الحكم، ومحتاجة للعلم والعقل وهي
بتواجه الإرهاب والعنف وبتدور على التقدم والعدل. مصر مش محتاجة حالة
الخوف اللي بتتفرض عليها دلوقتي من السلطة، ولا هتتقدم لما نعمل داعش
وغيرها زي الكائنات الأسطورية المرعبة ونجري نستخبى ونسيب كل الأمور
لحكم الفرد ونلغي عقلنا والتنوع في الرأي اللي موجود في مجتمعنا.
اللواء: يعني أنت مش خايف من اللي بيحصل حولينا، وليبيا اهى فركة كعب
وبتنهار؟ ولا عايز تدي فرصة لمصر تشم نفسها وتستقر قبل كلام
الديمقراطية؟
الكاتب: طبعا خايف، بس حماية مصر طريقها الديمقراطية وحكم القانون ووقف الظلم اللي موجود في المعتقلات والسجون وبراهم ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في فض الاعتصامات وغيرها زي ما بنحاسب الإرهابيين بالقانون برضو، محاسبتهم كلهم. ليبيا وسوريا والعراق بينهاروا حضرتك عشان الاستبداد مش عشان المؤامرات الكونية علينا، ومصر هتحمي نفسها لو قاومت زحلقتنا للاستبداد مرة تانية. وهتشم نفسها لو صناع القرار فتحوا باب السلم الأهلي، واعترفوا أن البلد بلد الكل وأن في انتهاكات حصلت ودم سال في فض الاعتصامات وغيرها، وسمحوا بسياسة حقيقية بعيد عن سيرك التأييد والتهليل اللي شغال من اكتر من سنة. أنا عايز مصر تشم نفسها زي كل اللي قاعدين هنا، بس نقط البداية عندي في حتت تانية غير حضرتك.
اللواء: طيب، خير. هافضل زعلان منك، بس هارجع اقرا اللي بتكتبه. خد بالك من نفسك.