رأي.. الارهاب نتيجة القمع والفساد!
عشت كغيري من الحالمين بعالم ديمقراطي وانساني لحظات من النشوة والتفاؤل بعد وثبة الشباب التونسي والمصري وتحولها إلى ثورة تسحق سلميتها جبروت الطغاة، وبدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل في ذهني ووجداني وتفاعلت وانخرطت في هبتنا الموريتانية، الهادفة إلى دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية، وكانت أيام الربيع العربي الأولى فرصة لنقاشات من قبيل أن الشباب وجد في المقاومة المدنية السلمية والعصيان مخرجاً لأزمات بلاده وأن ذلك الأمر سيقوض مشاريع الحركات المتطرفة، مثل القاعدة، التي تعتمد في الأساس على تجنيد الشباب، والتي تستغل حالة الظلم المعشعش والفساد وانعدام الأفق المعشعة في العالم العربي مما يجعل الشاب بين خياري التطرف أو الانتحار أو إطلاق العنان للعلاقة مع المخدرات.
وكان لتلك الفرضية ما يدعمها وهو تساقط الطغاة المتتالي وانحسار الغول الديكتاتوري، لكن اللحظات الجميلة قصيرة وسرعان ما بدأت تلك الموجة الحالمة في التقهقر -- أحمد ولد جدو، فبعد النجاحات في تونس ومصر وليبيا واليمن بنسب أقل، جاء الديكتاتور بشار بدمويته ليفرض الخيار المسلح على الحالمين بالتغيير في بلده ويسحق كل من يتوق ويتوثب نحو الأفق الديمقراطي، ليتحول الربيع المزهر إلى غابات من الأشواك تتسبب في أنهار الدماء والدموع.
ولم تطل الفترة حتى استعادت الثورة المضادة زمام المبادرة في مصر، لتتحول الحالة إلى عودة للظلم والطغيان لتنعكس على بقية البلدان. فاليوم في مصر، يسجن الأسطورة علاء عبد الفتاح، المقاوم والمناضل حد التصوف، المؤمن بدين المقاومة المدنية السلمية، فعليه حكم بالسجن لمدة 15 سنة ويعيش الاَن معركة الأمعاء الخاوية في السجن والسبب هو رفضه لخنق الحريات، وهو نفس ما ثار ضده رفقة رفاقه قبل أعوام وبما أن أسرته انعكاس حقيقي لمصر الثائرة فاخته مسجونة أيضا لذات السبب، وعلاء وأخته مجرد حلقات لسلسلة طويلة من المعتقلين الأحرار، فيرافقه أحمد دومة الثائرة المشاغب الحر، وأحمد ماهر وبعض ثوار حركة السادس من إبريل، بالاضافة إلى اَلاف سجناء الرأي وفقدان الاَلاف أرواحهم بعد رفضهم الانصياع للجور العسكري، واليوم بدأت فطريات نظام مبارك تخرج كالأفاعي من الجحور العفنة وتتشفى بمن ثار لأجل الحرية في مصر، ويتفاخرون بذكرياتهم الساحقة للشعب.
وحتى في بعض البلدان التي لم تحدث فيها حالة اسقاط النظام وحاول من يتحكم مصائر الشعب فيها بأن يتظاهر بالاصلاح كالمغرب مثلا، حدثت انتكاسات وتضييق على الحريات -- أحمد ولد جدو، مثل حجب المواقع واعتقال الصحفيين، مثل قصة الصحفي على أنزولا، ومضايقة النشطاء والفنانين وسجنهم وتلفيق التهم لهم، مثل ماحدث مع صديقي معاذ الحاقد، المسجون الاَن باتهامه بالتعدي على الشرطة، رغم أن هو من تعرض للاعتداء من طرفهم حسب الفيديوهات المنشورة ولكن الأمن رفض سماع الشهود أو أن يقدمه لمحاكمة عادلة ولم تكن هي المرة الأولى التي يتم الزج به في السجن، رغم سلمية الفنان وانسانيته، فكلما تذكرت ماحدث له، تسير بي الذكريات إلى لقاء نقاش جمعني به بالعاصمة الأردنية عمان، أيام ملتقى المدونين العرب، قال فيه إنه ضد حكم الاعدام، والسبب هو ماذا سيفيد أهل الجاني من قتل نفس أخرى وزيادة كمية الدم المسكوب، وذلك حين قال له أحد المشاركين في النقاش إن الاعدام ضروري من أجل الانتقام للقتيل.
وفي بلدي مازال العسكر يواصلون قتل أي توق للديمقراطية ويصرون على تسيير دفة الدولة حسب مزاجهم ورؤيتهم الأحادية وتمييع أي مفهوم للحقوق والعدالة الاجتاعية، ويدينون بدين الفساد وافقار الشعب ونهب خيرات الدولة، تماماً كالجزائر وغيرها. أما في كنتونات الخليج فحدث ولا حرج عن القمع والتنكيل بالشعب وضيق الأفق فعدد سجناء الرأي في تلك البقعة "بين ثلاثين وأربعين ألف سجين"حسب رئيس منتدى الخليج للمجتمعات المدنية.
وتم التحالف فيه على ثورة الشعب البحريني وضربها بالحديد والنار في محاولة لاخمادها حتى لا تصل حممها لبقية البلدان.
هذه الحالة المقلقة هي السبب في رجوع الخطاب المتشدد، وهي التي أفرزت داعش واختها القاعدة فيما سبق -- أحمد ولد جدو، فالقمع وانحسار الديمقراطية وقتل الطموح في تغيير مدني سلمي سيقوى طرح أصحاب التغيير العنيف، وهو مايفتح الباب على مصراعيه أمام القوى الظلامية التي لاتؤمن بالديمقراطية ولا بقيم المواطنة ولا الدولة، فحين يقضى على سلمية ومدنية علاء وشباب 6 إبريل ومعاذ الحاقد والرفاق المناضلين في بلدي، سيجد تنظير وجنون البغدادي الوسط الملائم للطفو على السطح، وحين تستمر الأنظمة الفاشلة في تقويض دولة المؤسسات وترسيخ المافيوية كنظام حكم ستنحسر قيم المواطنة وتفشل الدول وتتفكك وتكون سهلة على الحركات المتطرفة مثل ماحدث في العراق. فالارهاب هو محصلة للفساد والارهاب وخنق الأفق.
هذا المقال بقلم أحمد ولد جدو وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .