رأي.. تركيا الجديدة!
هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
بعد ساعات قليلة من وصوله إلى منصب رئيس الوزراء قام داوود أوغلو بطرح برنامج حكومته التي تحمل رقم "٦٢" فى تاريخ حكومات تركيا الحديثة والذي حمل إسم "تركيا الجديدة"، وهو نفسه الشعار الذي رفعه رئيس الدولة أردوغان فى حملته الرئاسية مؤخرا.
أعلن أوغلو أمام البرلمان الأسبوع الفائت محاور برنامج حكومته الجديدة توازيا مع حركة تعيينات في كلا من رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية شملت ١٢ مستشارا ومعاونا لكلا الرجلين، عدد كبير منهم كان من تلامذة "داوود أوغلو" أيام عمله الأكاديمي وهو ما ترجمه بعض المحللين على أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة ترجمة أفكار أوغلو وهندسة لفلسفته في ملفات السياسة الداخلية والخارجية، وخاصة أن عددا من هذه الأسماء أتى من مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعروف إعلاميا باسم SETA، وهو يعتبر أحد مراكز التفكير الإستراتيجي التابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد والتي أشرف داوود أوغلو على هندستها. ولعل من أبرز الأسماء التي تم تعيينها في رئاسة الجمهورية هو السيد "لطف الله جوكتاش" كمستشار إعلامي لرئيس الجمهورية وهو نفس المنصب الذي شغله مع أردوغان منذ ٢٠١١ فى رئاسة الوزراء، وقد عمل سابقا لفترة طويلة كرئيس لمكتب وكالة أنباء الأناضول التركية فى مكتبها فى روما والفاتيكان وهو معروف بتخصصه فى اللاهوت المسيحي، وكذلك تعيين السيد "سفر طوران" كمستشار لأردوغان لشئون الشرق الأوسط وهو متحدث جيد للغة العربية أكمل دراسته الجامعية بالقاهرة وعاش بمصر لفترة ليست بالقصيرة وهو صحافي متخصص فى شئون الشرق الأوسط والشأن العربي تحديدا.
استندت خطة داوود أوغلو الجديدة على خمسة محاور رئيسة وهي دعم الديموقراطية والتنمية البشرية وخلق مناطق قابلة للعيش الكريم وصديقة للبيئة والاقتصاد القوي وأخيرا اتباع سياسة خارجية قيمية ( أي لا تنفصل عن الأخلاق والقيم). ويمكن إيضاح أهم الأدوات التفيذية لهذه الخطة على النحو التالي.
• المصالحة مع حزب العمال الكردستاني وما يشمله ذلك من تكثيف المفاوضات مع نشطاء الحزب داخل وخارج السجون من أجل إلقاء السلاح مقابل تخفيف العقوبات والعفو عن المسلحين المتورطين فى أعمال إرهابية كلا حسب درجة تورطه، بالتوازي مع دمج الأكراد فى المجتمع التركي مع احترام هويتهم.
• إدخال مزيد من الإصلاحات البيئية بشكل متواز مع النهضة الصناعية والمعمارية مع التركيز على معالجة قضايا نقص المساحات الخضراء فى مدينة إسطنبول بسبب زيادة المشروعات الإستثمارية بالتوازي مع خلق مدن صديقة للبيئة وقابلة للعيش الكريم.
• محاربة "الكايانات الموازية" والمقصود بذلك محاربة جماعة كولن الهارب إلى بنسلفانيا الأمريكية والذي تتهم الحكومة التركية جماعته بالضلوع فى أعمال تجسس على قادة الحزب وخلق كيانات موازية داخل الشرطة والجيش والقضاء والإعلام، وعدد كبير من أتباع الجماعة ملقى في السجون الآن يواجه تهما متعددة.
• معالجة المسألة العلوية والتي تفاقمت فى السنوات الأخيرة وخاصة مع موقف أردوغان المتشدد من الحكومة السورية برئاسة بشار الأسد ومن أجل ذلك كلف داوود أوغلو إدارة الشئون الدينية في البلاد بالاستجابة لمطالب العلويين الأتراك فى بناء أماكن عبادتهم وحماية حرياتهم وعقيدتهم ودمجهم فى المجتمع بعد سنوات من العزلة والمشاكل.
• إعادة دور إدارة الشئون الدينية " Diyanet" بحيث تتبع مكتب رئيس الوزراء مباشرة وتضطلع بأدوار داخلية تعزز من سلطتها ومكانتها المجتمعية بما فيها التعامل مع ملف الأقليات التركية بالتوازي مع تعزيز دورها الدولي فى القيام بمهمات إنسانية دولية، ويعتقد بعض المعلقين أن أرودغان وأوغلو يسعيان لجعل هذه الإدارة بمثابة أحد أدوات القوة الناعمة التركية دينيا وحضاريا في الداخل والخارج التركي.
• دعم عملية التنمية البشرية عن طريق الاستثمار فى القيمة المضافة من خلال مزيد من دعم عملية التعليم وجذب الطلاب الأجانب من خلال زيادة تقديم المنح الكاملة للطلاب الدوليين للدراسة فى الجامعات التركية وهو برنامج يشمل عاما لدراسة اللغة التركية وأربعة أعوام لدراسة البكالريوس بإحدى اللغتين التركية أو الإنجليزية مع تقديم منح أخرى للدراسات العليا وإكمال برنامج التعليم الإجبارى.
• السعي لوضع دستور جديد للبلاد بعد الانتخابات البرلمانية القادمة وهو ما يستلزم الحصول على ٣٧٠ مقعدا على الأقل في انتخابات ٢٠١٥ من أجل وضع الدستور مباشرة أو ٣٣٠ مقعدا على الأقل من أجل اللجؤ إلى الاستفتاء الشعبي وهو الدستور الذي يعتقد أنه سيغير النظام السياسي فى البلاد من البرلماني إلى الرئاسي.
• تحقيق "قفزة ثانية" في الاقتصاد التركي بعد القفزة الأولى التي حققها أردوغان فى ١١ عاما (٢٠٠٢-٢٠١٣) حيث أصبح الاقتصاد التركي هو سادس أكبر اقتصاد أوروبى ورقم ١٧ عالميا، حيث وعد داوود أوغلو باتباع سياسات إقتصادية لتحقيق قفزات أكبر بحيث يستهدف برنامجه أن تصبح تركيا ضمن أكبر ١٠ أكبر اقتصاديات عالمية بحلول عام ٢٠٢٣ (الذكرى المئوية لتأسيس تركيا الحديثة) مع وضع هدف آخر يتمثل بالانضمام للاتحاد الأوروبي بحلول هذا العام. وتقوم خطة داوود أوغلو على استغلال الموقع الإقليمي لتركيا من خلال أربع مشروعات كبرى، يتمثل الأول فى دعم شركات خطوط الطيران والموانئ التركية بحيث تصبح تركيا هي مركز التقاء وترانزيت للمسافرين من وجهات أفريقيا وأسيا وأوروبا والشرق الأوسط، أما الثاني فيتمثل في استكمال مشروع خطوط الغاز العابرة للأناضول والتي تنقل خطوط الغاز من أذربيجان مرورا بشمال العراق وصولا إلى القوقاز وهو مشروع يعول عليه أوغلو كثيرا في دعم الطاقة وتحقيق عوائد إستثمارية ضخمة، وثالثا إنشاء منطقة صناعية ضخمة لتربط أفريقيا بأوراسيا وهي منطقة تصنيع وتصدير تركيا إلى القارت الثلاث، وأخيرا عمل أكبر حزمة من التسهيلات للاستثمارت الخارجية فى تاريخ تركيا لجذب الاستثمارات فى مجال الطاقة والعقارات والبنية التحتية والتكنولوجيا مع التركيز على القوى الاقتصادية الكبرى والصاعدة وخصوصا من الصين وكوريا والهند وبعض الدول الأوروبية. وبحلول العام القادم ستستضيف تركيا مؤتمر ال G20 لاستمرار دعم مكانتها الاقتصادية والثقافية وتعزيزها بالتنافس مع أكبر اقتصاديات العالم.
***
ورغم هذه الخطة الطموحة والتي إن تحققت ستؤدي إلى القفز بتركيا في خلال ١٠ سنوات من الأن لتكون قوة إقتصادية عظمى بالفعل إلا أنه أثناء وجودي هناك رصدت إنتقادين كبيرين وجها إلى ذلك البرنامج الطموح، كان النقد الأول من أستاذ علم الاجتماع ووزير المواصلات الأسبق السيد "إينيس أوكسوز" والذي رأى أن مستقبل أوغلو على المحك وأن عمره قصير في السلطة واتهمه بعنف أنه فاشل في السياسة الخارجية التركية والتي حملها بمزيد من الأعباء الأيدولوجية والتى سببت خسارة تركيا لأصدقاء وحلفاء مهمين دون أن يسميهم، كذلك فقد رأى أوكسوز أنه لنفس هذا السبب الأيدولوجي فإن البيئة التركية الداخلية أصبحت مستقطبة وأن سياسات المصالحة التي يتبعها مع حزب العمال الكردستاني هي أشبه باللعب بالنار التي ستحرق الجميع.
***
أما النقد الآخر فقد جاء من السيد "محمد يلماز" وهو أحد الصحافيين المهتمين بالشأن السياسي التركي والمحسوب على التيارات المعارضة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية والذي اعتبر أن الحكومة تردد شعارت فارغة من المضامين وتحدى أردوغان ورئيس وزرائه القدرة على كتابة دستور جديد معتبرا أن ذلك سوف يؤدي إلى غضب واسع بين المعارضيين القوميين والعلمانيين، كذلك فقد اتهم أردوغان وحكومته الجديدة بدعم الإرهاب (في إشارة إلى المصالحة مع حزب العمال الكردستاني) وكذلك اتهم أردوغان بخرق القانون بالعمل على بناء قصر رئاسي جديد بالمخالفة للقانون ولقرار المحكمة وذلك في مزرعة غابات أتاتورك على أطراف أنقرة.
ورغم هذه الانتقادات إلا أن أردوغان وداوود أوغلو يظهر عليهم عدم الإكتراث بهذه الانتقادات والمضي قدما فى خططتهم الطموحة فهل ينجحا؟