رأي.. الحاجة إلى تحالف مدني واسع في مصر

نشر
7 دقائق قراءة
تقرير هدى رؤوف
Credit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم الباحثة السياسية هدى رؤوف ، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN  بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

تأتي استعدادات الأحزاب السياسية المصاحبة لانتخابات برلمان 2014 لتثبت استمرار ضعف وهشاشة الأحزاب المدنية في مصر. تجيء الانتخابات في سياق نتائج ثورة 30 يونيو التي أتت بواقع سياسي مغاير لما كان عليه بعد ثورة 25 يناير من حيث الأطراف والقوى الفاعلة والتفاعلات السياسية فيما بينهم فضلا عن اختلاف المزاج العام هو الأخر.

محتوى إعلاني

 فقد طالبت الأحزاب والقوى المدنية قبل إسقاط ثورة يناير لحكم مبارك بتأجيل الانتخابات البرلمانية لحين إتاحة الفرصة أمامها لتوفيق وترتيب أوضاعها وتعزيز وجودها بالشارع، وإعطاء الفرصة أمام أحزاب جديدة نشأت فى أعقاب الثورة، مبررة ذلك بأن الفرصة مواتية أمام التيار الديني فقط الذي كان المزاج الشعبي مستعد لرؤية تجربته ومتعاطفا معه. وهو ما ترجم فى نتائج برلمان 2011 الذي حاز فيه التيار الديني على 70% من المقاعد وحصل التيار المدني على 30% فقط. أما بعد ثورة 30 يونيو التي أسفرت ليس فقط عن إسقاط حكم الإخوان وانتقالهم من مربع الحكم إنما صاحبها تبدل الفاعلين السياسيين وتغير المزاج العام مرة ثانية، ورفضه التيار الديني وانفتاحه على التيار المدني الليبرالي بعد فشل تجربة الإخوان وممارساتهم الإرهابية التي ساهمت في ضياع رصيدهم أمام المجتمع.

***

استقراء مشاورات التحالفات الانتخابية التى تجري الآن - والتى ليست جديدة على الحياة السياسية المصرية، وكان أخرها التحالفات الانتخابية فى 2011 – يشير إلى استمرار مأزق الأحزاب في مصر وعدم حدوث أي تغيير نوعي في دورها وعجز قدرتها على البناء على متغيرات ما بعد 30 يونيو للعبور نحو تحول ديمقراطي حقيقى وأمن. وقد أعلنت فكرة التحالفات بمبادرة من السيد عمرو موسى بهدف تشكيل تيار مدني واسع يحصل على الأغلبية فى البرلمان وما يسمح له بتشكيل الحكومة المقبلة ويكون أيضا بمثابة ظهير سياسي شعبى أمينا على تقييم أداء الحكومة دون النظر لمصالح حزبية ضيقة.

وعموما تتم التحالفات الانتخابية بين الأحزاب والقوى السياسية قبل الانتخابات بغية تحقيق أهداف لا تستطيع الأحزاب منفردة تحقيقها، فضلا عن نقص الموارد المالية والقدرات التنظيمية والكوادر والقواعد لديها وهو كل ما تعانيه معظم الأحزاب المصرية.

 وقد أعلنت الأحزاب أن تحالفاتها تهدف إلى حصار التيار الديني لمنع تكرار برلمان 2011، وما يمكن أن يقوم به من عرقلة قرارات وتشريعات الحكومة والرئيس ومع ذلك لازالت تتعثر حتى الآن في تشكيل تحالف مدني واحد رغم وحدة الهدف. بل توجد عدة تحالفات تشترك معا فى عدة خصائص منها أن التحالفات القائمة كلها لا تجمع تحت مظلتها أحزاب وقوى سياسية ذات رؤى وبرامج متشابهة، فهناك تحالفات تجمع بين أحزاب يسارية وليبرالية معا ما عدا حزب الجبهة المصرية الذي يضم أحزاب وشخصيات كلها ذات أفكار متشابهة ومعظمهم المنتمون للحزب الوطنى والداعمين للفريق شفيق فى الانتخابات الرئاسية السابقة. كذلك تدور معظم الأسس التى بنيت عليها تلك الأحزاب والتي تتسم بالعمومية حول دعم ثورتي 25 يناير و30 يونيو وضرورة عدم التحالف مع عناصر الإخوان ودعم دولة وطنية مدنية. وأخيرا غياب الأجندة التشريعية التى يتبناها التحالف ومخاطبة احتياجات المواطنين، فالمواطن لا يعرف برامج التحالفات وهو ما ستبدو نتائجه في أن يكون معياره الناخب الوحيد هو هل هذه القوائم مع الرئيس عبد الفتاح السيسي أم ضده، وبالتالي فنظرا لما يتمتع به من ظهير شعبي كما أن معظم التحالفات المدنية ليست ضد السلطة الحالية بل أعلنت معظمها أنها قامت بالأساس لدعم الرئيس، فإن النتيجة ستكون تفتت الأصوات ما بين تلك التحالفات المدنية وتكرار تجربة الانتخابات الرئاسية عام 2012، حينما تزايدت الدعوات لبعض المرشحين للتنسيق فيما بينهم والتنازل لأحدهم من أجل الحصول على كتلة تصويتية عالية في مواجهة المرشحين أحمد شفيق ومحمد مرسي، وبالأخير لم يحصل أي منهم على الأغلبية وتفتت الأصوات وحصر الاختيار ما بين شفيق ومرسي.

***

التخوف الحقيقيهو استمرار حالة المشاورات وتكوين وتفكيك التحالفات حتى قبيل موعد الانتخابات وهنا تظهر تحالفات متماسكة مظهريا لاعتبارات التوقيت وتتفكك بعد انتخاب البرلمان. إلا أن بعض التحالفات مثل تحالف الوفد المصري بصدد تسجيل وثيقة التحالف بالشهر العقاري لمنع خروج أحزاب منه بعد الانتخابات لضمان تماسكه.

ومن هنا الحاجة ماسة لتحالف مدني واسع يلعب دورا فى برلمان ذو خصوصية على المستوى التمثيلي حيث أتاح الفرصة لترشح بعض الفئات المهمشة، كما أن لديه من الصلاحيات وفقا للدستور ما يوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وهو ما يدعمه وجود أحزاب وتحالفات قوية. خاصة أن احتمالات تسلل عناصر الإخوان المسلمين إلى البرلمان من خلال المشاركة فى الانتخابات ودفع قواعدها للتصويت فى الخفاء وعدم إعلان ذلك قائمة بقوة، فقد تتسلل عناصر الإخوان من خلال الدفع بمرشحين مجهولين من كوادر الصف الثانى والثالث عبر الاحزاب الدينية الأخرى أو حتى قوائم الأحزاب التى مازالت تتمسك بسياسة الإمساك بمنتصف العصا أو من خلال التنسيق مع المرشحين على المقاعد الفردية قبل أو بعد الانتخابات.

الضرورة تقتضى أن تعلو تلك الأحزاب فوق مصالحها الحزبية الضيقة والتخلي عما تتسم به من شخصنة وسياسة اللعب مع كل الأطراف نظرا لما تتسم به تلك المرحلة الراهنة من خطورة وأهمية وفرصة أيضا حتى نستطيع بناء دولة مدنية قوية.

نشر
محتوى إعلاني