رأي حول علاقة مصر بالخارج.. كيف نكسب الرأي العام الغربي؟
هذا المقال بقلم مصطفى كامل السيد، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
انشغلت العديد من صحفنا الأسبوع الماضي بالتعليق على مقال كتبه مجلس تحرير صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، واستدعت بعض قادة الأحزاب السياسية لإبداء آرائهم فيما جاء في هذا المقال، وكانت كل ردود الأفعال هذه غاضبة ومستنكرة لما جاء فيه من دعوة الإدارة الأمريكية إلى عدم اعتبار المعونة العسكرية الأمريكية حقا مطلقا لحكومة الرئيس السيسي تحصل عليه أيا كانت ممارساتها في مصر، وخصوصا نحو ما تعتبره الصحيفة قضايا حقوق إنسان.
وذكرني هذا الموقف من إعلامنا بما قوبل به تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان حول فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة من استنكار بالغ لما جاء في هذا التقرير. ومن المألوف أن تقابل مواقف القادة الأوروبيين، وخصوصا البرلمان الأوروبي، حول نفس القضايا بهذا الإزدراء والرفض. بل وصل الأمر إلى حد قيام رئيسة المجلس القومي للمرأة وهي سفيرة مرموقة ووزيرة سابقة بطرد ممثل لبعثة من الإتحاد الأوروبي من مؤتمر كانت ترأسه رفضا لملاحظات أبداها حول الإنتخابات الرئاسية الأخيرة.
كل هذه المواقف تشير إلى أن هناك أزمة في علاقتنا على الأقل بالرأي العام الغربي. أبسط التعبيرات عن هذه الأزمة الإعتقاد بأن الغربيين لا يفهموننا، ولكن تعبيرات أخرى منها القول بأن الغرب كله أو في معظمه يتآمر علينا ولا يريد لنا خيرا. ولكن الذين يتخذون هذه المواقف لا يشرحون لنا كيف يمكن أن نعالج هذه المواقف؟ وربما كان أفضل ما خرج منهم هو دعوة الشخصيات المصرية، التي تحظى بالإحترام في الغرب مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل والدكتور أحمد زويل والدكتور مصطفي السيد (عالم الكيمياء الشهير) للكتابة في الصحف الأمريكية تحديدا لتوضيح واقع الأحوال في مصر.
وبطبيعة الحال لا أعرف ما إذا كانت هذه الشخصيات قبلت هذه الفكرة، كما لا أقلل من براعتها في عرض الحجج، ولكن مثل هذه الإقتراحات تفترض أن الإعلام والمسئولين الغربيين لا يفهمون واقعنا. وأظن أن الخلاف في الرؤى لا يعكس في هذه الحالة نقصا في المعلومات، في عصر نسميه بعصر المعلومات، ولكنه انعكاس لبنيات فكرية متناقضة ولأطر من القيم تختلف ليس بيننا والعالم الغربي في الوقت الحاضر ولكنه يكاد يعكس خلافا بيننا والعالم بأسره مصطفى كامل السيد مع استثناءات محدودة في بعض الدول العربية ودول أخرى لم تزحف الديمقراطية بعد على نظمها السياسية البالية. طبعا يمكن أن نقول أن المختلفين معنا في الرأي لا يهموننا، ونحن سنمضي في حياتنا كما اخترناها قبلوا ذلك أو أبوا. لا أعرف ما إذا كان يمكننا ذلك، وأظن أنه مستحيل لأننا نعتمد على هذا العالم الخارجي في الحصول على غذائنا وتكنولوجياتنا ودوائنا وأسلحتنا، ولذلك يجب أن نسعى على الأقل لفهم هذا الخلاف في البنى الفكرية بيننا وبينه.
***
لا أظن أن هناك نقص في المعلومات لدى الجانب الآخر، فلديه ما يفوق ما نملكه نحن من أدوات جمع المعلومات سواء كانت علنية أو محفوفة بالكتمان، هم يعرفون بما جرى في مصر منذ 3 يوليو 2013، ويعرفون بما جرى في رابعة وميدان النهضة، ويعرفون بخارطة المستقبل والإنتخابات الرئاسية، ويعرفون بالمواجهة بين من يقولون إنهم إسلاميون وقوات الأمن من شرطة وجيش، ويعرفون أيضا بمن هم في غياهب السجون من نشطاء وصحفيين وطلاب. نحن أيضا نعرف كل ذلك. الخلاف هو في تفسير المعلومات وليس في امتلاك طرف للمعلومات وغيابها عند الطرف الآخر. فهل تفسيرهم مغلوط لأنهم موتورون وحاقدون أو مضللون، أو لأننا بسلوكنا ساعدناهم على أن يتبنوا التفسير الذي لا يروق لنا؟ مصطفى كامل السيد
فلنأخذ عدة أمثلة توضح كيف ساعدنا على وجود هذه التفسيرات المتناقضة. هم يقولون أن مصر تعيش في ظل نظام عسكري. ونحن نرد عليهم بأن الرئيس السيسي قد انتخبته أغلبية ساحقة من المصريين، وهو ما أوافق عليه. ولكن لماذا جعلنا الإنتخابات الرئاسية تجري كشأنها في النظم الديكتاتورية. هل سمحنا بتعدد المرشحين للرئاسة على نحو يعزز من مصداقيتها؟ لماذا مورست ضغوط من أنصار المرشح السيسي على بعض من كانوا يريدون الترشح حتى انسحبوا. ولعلنا نذكر تلك الصورة لواحد ممن يدعون في الصحافة والقنوات التليفزيونية أنه يناصر الرئيس السيسي وكيف وقف إلى جانب شخصية عسكرية سابقة وهو يعلن انسحابه من الإنتخابات الرئاسية؟ وهل تركنا لمن كانوا لا يريدون انتخاب السيسي من حزب مصر القوية الفرصة لوضع ملصقات تعبر عن وجهة نظرهم؟ أم قامت الشرطة بسجنهم بتهمة التآمر على نظام حكم لم يكن قد تشكل بعد. ثم لماذا يصر من بيدهم الأمر في بلدنا على المماطلة في الموافقة على تقسيم الدوائر الإنتخابية وتحديد موعد للإنتخابات ويتركون الحكومة تمارس السلطة التشريعية إلى جانب السلطة التنفيذية وبمخالفة الدستور في حالات عديدة؟ هل بعد هذا كله نلوم كتاب الصحف في الغرب وشخصيات حزبية في أوروبا والولايات المتحدة تصف نظامنا السياسي في الوقت الحاضر بأنه غير ديمقراطي. وهل واجهناهم ببناء حقائق على الأرض تنقض هذا الإدعاء؟
خذ مثلا آخر وهو قضية حقوق الإنسان في بلادنا. أعرف أن البعض يستفزهم الحديث عن حقوق الإنسان، وقال كاتب أحترمه إن حقوق الإنسان هى أداة الدول الكبرى في السيطرة على الدول الضعيفة، قد يكون ذلك صحيحا ولكن لا يمكن اختزال حقوق الإنسان في ذلك. في محافل أخرى نتفاخر بأننا عرفنا حقوق الإنسان قبل الغرب بقرون. ويجب أن ندرك أن أعظم منجزات الإنسانية منذ ستينات القرن العشرين هي الإقرار بأن حقوق الإنسان هي ميراث مشترك لكل البشر، وأن حكوماتنا حتى في أحلك الظروف قد صدقت على مواثيق حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والتزمت بتطبيقها. ولكن ماذا فعلنا أمام الإتهامات المتكررة بأن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر؟ هل صدر بيان واحد من وزارة الداخلية يقول لنا ما هو عدد من في السجون في مصر لأسباب سياسية؟ بل وأمام شهادات عديدة بأن كثيرين في السجون لم توجه لهم اتهامات ومع ذلك هم ما زالوا مسجونين ولا نعرف أعدادهم. وقد دعا ذلك الرئيس المؤقت إلى أن يأمر بزيادة عدد الدوائر القضائية لتصفية حالاتهم. هل حدث ذلك؟ وما هي الأعداد المتبقية في السجون؟ وتشمل حقوق الإنسان وفقا ليس لمواثيق حقوق الإنسان وحدها ولكن حتى وفقا للدستور المعدل في 2014 بأن التجمع السلمي حق أساسي للمواطنين يمارس بموجب الإخطار ومع ذلك هناك هذه الحالات المعروفة وغيرها وبعضها مضرب عن الطعام لشهور حكم عليهم بفترات تتراوح من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة لانتهاكهم قانونا غير دستوري حول تنظيم التظاهر. ماذا فعلنا لتغيير هذا القانون؟ ولماذا نتجاهل هؤلاء الشباب الذي ضرب أمام العالم مثلا يجب أن نفخر به في التظاهر السلمي لإسقاط حاكم مستبد؟
***
كما يسهب هؤلاء المعلقون الأجانب في الحديث عن غياب محاكمات عادلة في مصر. لن أفصل كثيرا في هذا الموضوع لأسباب معروفة لا أظن أن لها مثيل في الدول الديمقراطية. ولكن لماذا لا يتمتع رؤساؤنا السابقون بنفس المعاملة أمام القضاء حتى نوقف مثل هذه الإدعاءات. ولمن لا يعرفني من القراء لم أكن لا من أنصار محمد حسني مبارك أو محمد مرسي أيا منهما رئيسا لمصر، ولكن أظن أن قواعد المحاكمة العادلة تنطبق على الجميع رؤساء وغير رؤساء، مواطنين عاديين أو نشطاء سياسيين. والتصوير الشائع للعدالة أنها معصوبة العينين، لا تعرف كيف تميز بين من يقف في محرابها.
هذه مجرد أمثلة بسيطة توضح كيف يمكن أن نرد على ما نعتبره إدعاءات مغرضة وذلك بانتهاج السلوك الذي يدحض على أرض الواقع هذه الإدعاءات. وهو أمر سهل لو خلصت النوايا.