آمال قرامي تكتب: على هامش انتخابات تونس.. موجة خلع الحجاب
هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
قلّما يهتم المحلّلون والدارسون بالتغييرات المصاحبة للعملية الانتخابية على مستوى السلوك واللغة، والعادات، والملبس، وغيرها من مظاهر الحياة اليومية. ولعلّ احتلال النشاط السياسي مركز الصدارة هو الذي يحجب عنا مختلف التحوّلات التي يعيشها المجتمع التونسي على هامش 'عرس الديمقراطية'.
من المفيد التذكير بما عايناه في انتخابات 2011 من 'هبة' نسائية و'تدافع' محموم نحو لبس الحجاب لأسباب مختلفة لعلّ أهمّها مناخ التحرّر الذي عاشته البلاد بعد سنوات من القمع. فهو الذي سمح لبعضهن بلبس الحجاب بعد أن كنّ لا يجدن الشجاعة اللازمة لمواجهة نظام يحارب النساء وفق معيار مظهرهن الخارجي، ومنها أيضا الرغبة في التماهي مع الحاكم الجديد، والتباهي بأنّ الواحدة تعدّ في زمرة النهضاويات، ومنها البحث عن الاحترام، ومنها البحث عن أيسر السبل لتحقيق المراد،... وبالإضافة إلى الإقبال على لبس الحجاب بطريقة ملفتة للانتباه في جميع المؤسسات، والفضاءات انتبه الناخبون إلى وجود متطوّعين حرصوا على جندرة الفضاءات يوم الانتخاب فإذا برجال انتصبوا للمراقبة يرفعون الأصوات عاليا من أجل الفصل بين الجنسين. فللنساء صفوفهن، وللرجال صفوفهم ولا مجال للاحتكاك والمحادثة والملامسة... ولئن قاومت بعضهن هذه "القوامة الحزبية' فإنّ جماعات أخرى انضبطت مستبشرة أو مستسلمة لواقع جديد.
غير أنّ ما يسترعي الانتباه في الفترة الأخيرة كثرة النساء اللواتي قرّرن خلع الحجاب بل الانقلاب الواضح على مستوى السلوك آمال قرامي. فبعد 'الحجاب الأسود' اصطفت النساء أمام الحلاقين لتغيير تسريحة الشعر وصبغه، وبعد الامتناع عن صبغ الأظافر هاهن يتجمّلن بالأصفر والأخضر والأحمر القاني، ...وبعد الإقلاع عن مصافحة 'الإخوان' هاهن يقبّلن الرجال، وبعد اللباس الشرعي هاهن يقبلن على الفساتين القصيرة، والملابس الشفّافة.... وسبحان مغيّر الأحوال.
***
مقولة "حقي في اختيار لباسي" رُفعت في الماضي، دفاعا عن الحقّ في لبس الحجاب، وها هي اليوم تستعمل لتبرير 'خلع الحجاب' وشتّان بين التبرير الأول والتبرير الثاني آمال قرامي. فلكل حدث خلفيات متنوّعة. إنّ ما يشدّ الانتباه في هذا التحوّل على مستوى زيّ عدد من التونسيات هو أن تتزامن هذه الخيارات مع فترة الاستعداد للانتخابات، وهو أمر له أكثر من دلالة. فلئن ارتبط الحجاب بالعمل السياسي والانتماء الأيديولوجي فإنّه اليوم قد تحوّل إلى علامة فشل حزب 'الأغلبية' وحجة على تورّط 'من يعرفون الله'، ومما لاشكّ فيه أنّ سلسلة الأحداث التي مرّت بها تونس خلال هذه المرحلة الانتقالية قد وّلدت شعورا بالخجل لدى بعضهن، وجعلت بعضهن يحبطن ويصبن بخيبة الأمل في السياسات التي تبّناها حزب النهضة وخاصة سماحه لأزلام النظام السابق بالعودة إلى الظهور والتغني بما أنجزوه طيلة عقود من الفساد والقمع . فهل أنّ خلع الحجاب هو ردّ فعل انفعالي معبّر عن غضب النساء من احتكار الرجال للسياسة وتلويثها؟ ومثلما آزرت النسوان أصحاب السلطة ها هن يعاقبن من خذلهن وخان الأمانة. آمال قرامي
هل يفهم خلع الحجاب على أساس أنّه فعل تصحيح للمسار بعد انتبهت بعضهن إلى البعد التوظيفي للحجاب، واقترانه بالإسلام السياسي، وهيمنة المصالح السياسية على المنظومة الأخلاقية الدينية فإذا بهن يردن أن لا يقع الحكم عليهن مرة أخرى من خلال الهيئة؟
هل يفهم خلع الحجاب على أساس أنّه "استفاقة "النساء من غيبوبة أو وهم لم يدم طويلا فها هن يعدن إلى "رشدهن'؟
هل يفهم خلع الحجاب على أساس أنّه عدول عن التجربة وبرء من حالة 'العدوى' التي استشرت فبعد تجربة تغطية الشعر وتغيير السلوك، وتبنّي طقوس جديدة وما يستتبعها من تحولات على مستوى الوعي بالذات والمصالحة مع الجسد... تسعى بعضهن قطع التجربة لعدم اقتناعهن بضرورة الاستمرار؟
هل يفهم خلع الحجاب على أساس أنّه بحث عن الهوية بأبعادها المختلفة عبر واسطة تمثّلت في الحجاب... بحث لم يشبع "حيرة مسلمة"؟
***
تتعدّد أسباب الخلع ولكن ما يهمّنا هو أنّ المنطقة تعيش حركة بطيئة، تململا، تغييرا ففي الجزائر والمغرب وتونس وإيران... تسعى النساء إلى التعبير عن خياراتهن وآمالهن وتصوراتهن لذواتهن وأحلامهن، ومواقعهن من خلالها أجسادهن ... وبعد النقاب والعبايات السود... تُطل الفساتين القصيرة، والجوارب، والكعب العالي والزينة... فهل يفهم سياسيونا الرسالة وهل هم مؤهلون لفك الشفرة؟