رأي.. "السلم والشراكة".. اتفاقية تسلم أخرى في اليمن

نشر
10 دقائق قراءة
عنصر من الحوثيين في قاعدة للجيش اليمني التي استولوا عليها دون مقاومة قبل ساعات فقط من التوقيع على اتفاق سلامCredit: MOHAMMED HUWAIS/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم وسام أبو بكر باسندوه، باحثة يمنية، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

الاتفاقيات لا تسقط فقط بتمزيقها وإعلان نهايتها، فقد علمتنا التجربة اليمنية لاسيما الأخيرة أن الاتفاقيات يمكن تأبينها بمجرد الصمت عن بعض الخروقات، التي قد نراها طفيفة في حينه، أو قد نتجاهلها بغرض العبور وتجاوز أزمة، ثم ما تلبث هذه الخروقات أن تزداد لتبقى الاتفاقية انتقائية يأخذ منها الطرف الأقوى ما يناسبه، في حين تخضع باقي الأطراف للضغط والابتزاز بشكل أو بآخر. الجميع يتحمل مسؤولية ما آل إليه الأمر، الجميع مشارك إما بتعمد نسف الاتفاقية أو بالخروج عليها أو بالصمت على كل ذلك، تختلف النسب فقط.

محتوى إعلاني

بدا منذ بداية المرحلة الانتقالية أن عقد التكتل الممثل لقوى المعارضة السابقة قد بدأ ينفرط، خاصة وأن هذه الاحزاب لم يكن يجمعها شيئا مشتركا سوى سعيها لإسقاط نظام صالح، ثم ما لبث أن انقضى الهدف وطفت التناقضات والمنافسة على السطح، وبالمقابل كانت هناك محاولات لانفراد الرئاسة المدعومة داخليا ودوليا بالقرار، مستغلة هذا التشرذم في صف الضفة الأخرى، وفي كل مرة كان يجري التغاضي عن الانفراد بالسلطة على اعتبار أنه قد يكون مرحليا فقط حتى تتجاوز البلاد كبوتها.

 الأمر الذي انعكس على شكل احتقان صامت طوال المرحلة بين دولة رئيس الوزراء من جهة، وبين الرئاسة من جهة أخرى، عبر عنه رئيس الحكومة ضمنيا أكثر من مرة من خلال تعمد التصريح بجهله بأمور من صميم سلطاته فيما يتعلق بالجيش والأمن والموازنة، تعاطى البعض مع مثل هذه التصريحات بسطحية وسخرية، وإن كان الرجل يشير إلى أن هناك انفراد بسلطة القرار وتعمد لتهميش دوره، وبالتالي هو لا يتحمل مسئولية النتائج المترتبة على قرارات لم يستشر أو ينسق معه بصددها.

***

ملمح آخر لهذا الاحتجاج تجلى بوضوح مع مقاطعة رئيس الحكومة لحفل افتتاح ومن ثم ختام مؤتمر الحوار الوطني، رغم كونه كان أحد أهم المتحمسين والمروجين له، بسبب عدم تشاور وتنسيق الرئاسة معه  في الإعداد للمؤتمر وفق ما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، ثم سرت أكثر من شائعة عن استقالة رئيس الوزراء، شائعات كان سرعان ما يتم نفيها، لكنها في كل الأحوال كانت حقيقية كما أقرأ الآن، كنوع من التعبير عن الاحتجاج.

 لم يرد أحد الإعلان عن جدية هذه الاستقالات التي كانت تقابل بالرفض، لأن استقالة مسببة لرئيس الحكومة في ذلك التوقيت، يعني إحراج موقف الرئاسة وربما نسف الاتفاقية التي اقترن فيها منصب الرئاسة بمنصب رئاسة الحكومة، وقد يقود ذلك للفوضى من جديد، وهو ما بدا لاحقا أنه لم يكن موفقا بل زاد الأمر سوء، فلربما كان الإعلان عن الأمر في الوقت المناسب، وتوسيع الحوار بشفافية حول نقاط الخلاف وتحديد الصلاحيات، كان قد أسهم في تعديل المسار في الوقت المناسب.

جاء القرار القاصم للاتفاقية والآلية المزمنة بالتجديد للرئيس بعد انتهاء مدته التي كانت مقررة بعامين، وبرغم الاعتراضات والاحتجاجات تم التمديد تحت مبرر أن ما كان مقررا إنجازه خلال العامين لم يقض بعد، وبالتالي فإن التمديد سيكون مهما لإتمام باقي الملفات، ومبررات أخرى لا مجال للخوض فيها الآن، وقد تم.

 ثم جاء  القرار الفصل برفع الدعم عن المشتقات النفطية، وهو ما فجر كل ما كان يبدو ساكنا تحت السطح وحرك حالة الجمود السياسي، حراكا ليس بالضرورة أن يكون إيجابيا، فقد حُمِلت مسؤولية القرار لرئيس الحكومة، بينما الحكومة في واقع الأمر هي حكومة محاصصة ممثلة فيها جميع الأحزاب ولو كان أي منها قد اعترض على القرار من الداخل لكان قد عرقل صدوره، وجرى تحييد الرئيس من أي تحميل للمسئولية عن هذا القرار، وكأننا عدنا لزمن ظننا أننا قد تجاوزناه حين كان الرئيس منزه من كل تبعة أو مسؤولية، بينما يستعرض كل من كان شجاعته في مواجهة رئيس حكومة، فما بالك لو كانت حكومة توافقية لا تسمن ولا تغني من جوع.

التقط أنصار الله هذا القرار للقفز إلى صدارة المشهد، لاسيما بعد أن سبق ذلك تحقيق تقدم عسكري في مواجهاتهم في بعض المواقع التي خاضوها خارج العاصمة، وأصبح موقعهم السياسي أكبر بكثير من أن يقبلوا باتفاقية لم يكونوا طرفا فيها، وإن ضمتهم فيما بعد في طاولة الحوار الوطني، لكن لو كان بالإمكان الحصول الآن على المزيد بالأمر الواقع، والانفراد بقيادة العملية السياسية لم لا؟

كانت الخطوة الأولى بإعلان رفض قرار الجرعة وهو القرار الذي كان من شأنه بالطبع أن يقابل بالتأييد الشعبي، وكذلك بعض المطالب الأخرى منها تغيير الحكومة، واعلنوا عن الاعتصام في العاصمة حتى تحقيق مطالبهم وتقدم أنصار الجماعة من معقلهم الرئيس في محافظة صعدة إلى العاصمة، وبالرغم من إعلان الرئيس أن " صنعاء خط أحمر"،  دخلت جحافل الجماعة مسلحة تحت مرأى ومسمع الدولة، ولم تكن الاعتصامات سلمية، وهو أمر الجدال والتكذيب فيه الآن أصبح مثيرا للسخرية بعد السيطرة على كامل العاصمة بالقوة.

***

ولأنني اتوجه بهذه الرسالة للقارئ العربي، والذي ليس بالضرورة أن يكون غير المختص منهم على دراية بالتفاصيل، لكنه استيقظ ليجد أن مسلحين تابعين لفصيل سياسي ما يقتحمون العاصمة صنعاء ويستولون على مقراتها، فيما مبعوث الأمم المتحدة بالداخل لازال يفاوض من أجل اتفاق سلام في مشهد عبثي غير مفهوم، لذا آثرت توضيح أبعاد الأزمة، وإن كانت ستبقى تفاصيلا مملة للقارئ اليمني الذي عايشها ولايزال.

أخيرا كيف يمكن تلخيص المشهد اليمني الحالي.

•       على الصعيد الأمني.

   صنعاء العاصمة اليوم تخضع بالكامل لسلطة أنصار الله بعد انهيار المؤسسة الأمنية والعسكرية، هم يقدمون أنفسهم باعتبارهم لجانا شعبية تحل محل الدولة مؤقتا لحفظ الأمن، في حين أن التعريف الأنسب للوضع سيطرة ميليشيا مسلحة على العاصمة وتمددها، ومهما كانت المبررات المقدمة في وصف هذا المشهد فهي غير مقبولة، ناهيك عن ما صاحب هذا الانتشار من عمليات سلب ونهب وثأر وانتهاك حرمات البيوت كما انُتهِكت حرمة العاصمة وأريق شرف الدولة.

•       على الصعيد السياسي.

جرت جولة من المفاوضات برعاية مبعوث الأمين العام لليمن السيد جمال بن عمر، بل إن المفارقة أن يتم الإعلان في الليلة التي سبقت إسقاط العاصمة عن التوصل لاتفاق، أرجىء التوقيع عليه إلى اليوم التالي، وهو اليوم الذي كانت تتساقط فيه المؤسسات أمام تقدم "أنصار الله" لاقتحامها، وفي الوقت ذاته كان يعلن عن حفل توقيع الاتفاقية مساء، اتفاق السلم والشراكة هكذا سمي الاتفاق الجديد، وقعت عليه جميع الأحزاب بما فيها حزب الإصلاح أشد المناوئين لأنصار الله.

وهنا يمكن القول بوضوح إن المبادرة الخليجية باتت من الماضي، رغم كل ما يكرره الرئيس والمبعوث الأممي من أن هذه الاتفاقية هي مكملة، أو أنها لا تتناقض معها. فالاتفاقية الأخيرة جرى التفاوض عليها بين الرئاسة والحوثيين، وكان دور الأطراف الأخرى ديكوريا لتجميل المشهد بخلاف المبادرة، وحتى وإن وقعت مؤخرا، فهو توقيع يخلو من تكافؤ الفرص وسام أبو بكر باسندوه، هو قبول وتوقيع لأطراف مهزومة لا تملك شيئا مقابل جماعة أو طرف سياسي بيده كل أوراق القوة ويقوم مقام الدولة، فأمامك هنا إما الانجرار للقتال وتحمل تبعاته على البلد ومواطنيه أو الاستسلام، وهذا يعني أن توقع دون حتى أن تكون مضطرا لتقرأ بنودا ستبقى حبرا على ورق، فماذا بإمكانك أن تفعل تبقى خارج الاتفاقية بكرامة، وحينها ربما تخرج من كامل اللعبة والمشهد السياسي إن حسن الحظ وسارت للأمام، أو تحاول فلربما ولعل، وربما الخيار الثاني كان الأنسب للموقعين.

ومع ذلك لم تقبل الجماعة بتوقيع الملحق الأمني والعسكري للاتفاقية، وإن عادوا ووقعوا عليه بعد عدة أيام بعد أن جرى كما ظهر الاستيلاء على المعدات والاسلحة بالمعسكرات، لاسيما مقر الفرقة الأولى مدرع، في تجاوز سافر حتى للنص الأصلي للاتفاقية بمعزل عن الاتفاق الأمني.

 يبقى التوقيع من عدمه مجرد تحصيل حاصل لا يقدم ولا يؤخر في غياب قوة الدولة وهيبتها وسقوط رمزيتها بامتياز، وهي أي "الدولة" ما كنا نعول عليها بعيدا عن أدوار القوى التقليدية والرجعية، لكنها خذلتنا، خُذِل اليمنيون جميعا.

نشر
محتوى إعلاني