تيم ليستر يكتب: "جبل الهيكل" - "الحرم القدسي".. أزمة نتنياهو بين اليمين الإسرائيلي والانتفاضة الثالثة

نشر
7 دقائق قراءة
Credit: afp/getty images

بقلم تيم ليستر

محتوى إعلاني

القدس (CNN) -- رياح عاصفة وأمطار غزيرة ساهمت في الحد من مظاهرات الفلسطينيين بالقدس أكثر من مساهمة الحشود الأمنية الإسرائيلية في ذلك، وخفتت المخاوف من اندلاع انتفاضة ثالثة بعد قرار السلطات الإسرائيلية إغلاق الحرم القدسي، المعروف لدى اليهود بجبل الهيكل مع تزايد رداءة الطقس، إلا أن الأمطار لم تفلح في غسل الأجواء المسمومة التي كانت تعيشها المدينة المقدسة.

محتوى إعلاني

التوتر في القدس قد يكون الأكبر منذ الانتفاضة الثانية قبل عشر سنوات، وما يزيد من تفاقم الأوضاع وقوع جرائم الكراهية والأعمال الإرهابية الأخرى والتكرار اليومي تقريبا للصدامات بين الشبان الفلسطينيين ورجال الأمن الذين يردون على إلقاء الحجارة نحوهم بإطلاق الأعيرة المطاطية والقنابل المسيلة للدموع، حتى أن مئات من الشبان المشاركين في الاحتجاجات تعرضوا للتوقيف.

رئيس بلدية القدس وصف الوضع في المدينة بأنه "لا يحتمل"، وأعلن عن نشر كاميرات مراقبة محمولة على مناطيد تحلق فوق الأحياء المضطربة لمنع أعمال الشغب، في حين يدرس النواب مشروع قانون قد يزيد من عقوبة رمي الحجارة على الشرطة لتصل إلى السجن 20 عاما.

يعتبر حي سلوان أحد الأحياء الأكثر اضطرابا في المدينة، وهو يتمتع بكثافة سكانية عالية ويقع إلى جوار الأماكن المقدسة، وهو يشهد بطالة مرتفعة وحضورا أمنيا مكثفا للشرطة الإسرائيلية، إلى جانب مجموعة من المستوطنين الذين انتقلوا إلى مساكن اشتروها من فلسطينيين.

خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قام فلسطيني من حي سلوان بدهس مجموعة من المشاة الذين كانوا واقفين في محطة للمترو بالقدس، ما أدى إلى مقتل امرأتين وجرح عدد من الأشخاص، وقبل أيام أطلق شاب فلسطيني النار على الحاخام اليميني يهودا غلوك، بعد إلقائه لكلمة خلال اجتماع في القدس طالب فيها بـ"عودة اليهود إلى جبل الهيكل."

غلوك الآن في وضع حرج – لكن مستقر- بأحد المستشفيات، وهو شخصية معروفة بين اليهود، وقد اشتهر لمطالبته بمنح اليهود مكانا للعبادة داخل الحرم المقدس بالمدينة، وهي قضية شائكة جدا بالنسبة للمسلمين الذين يعتقدون بوجود خطة لطردهم من الحرم الذي يضم المسجد الأقصى، بالمقابل تحظى مطالب غلوك بدعم شخصيات سياسية مثل وزير الإسكان، أوري أريال، ونائب رئيس الكنيست، موشيه فيجلين، وهو قيادي في حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.

مطلق النار على غلوك، وهو شاب يدعى معتز حجازي، أمضى عقدا من عمره في السجن بتهمة المشاركة بجريمة عنيفة، وقد أطلقت الشرطة النار عليه وأدرته قتيلا بعد ساعات من العملية التي نفذها. وشارك المئات من الفلسطينيين بجنازة حجازي الذي قال والده إن ابنه – بحال كان هو الذي أطلق النار بالفعل – فإنه قد فعل ذلك بسبب "الاحتلال الذي يتطلب مقاومة."

وردت الشرطة الإسرائيلية على محاولة اغتيال غلوك بإغلاق المسجد الأقصى برمته ليوم كامل، وبعد ذلك سمحت بدخول النساء والرجال الذين تجاوزا الخمسين من العمر، وعززت من نشر عناصرها بالشوارع. ووصفت السلطة الفلسطينية قرار الإغلاق الأول من نوعه منذ سنوات بأنه "إعلان حرب"، كما أصدر الأردن موقفا شديد اللهجة بصفة الجهة المشرفة على الحرم القدسي.

وفي بيئة مماثلة، يمكن أن تؤدي هذه التصرفات إلى إثارة عنف سياسي قد يتسبب بتداعيات لا يمكن التنبه لها. وقد قام فيجلين الأحد بزيارة إلى الحرم القدسي، في خطوة نظر البعض إليها على أنها تمثل رسالة تحد منه لدعوة التهدئة التي وجهها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى أعضاء البرلمان.

ويقع نتنياهو بين ناري دعم مطالب اليمين اليهودي بالحصول على حق زيارة الأماكن المقدسة في مدينة القدس (دون الصلاة فيها) وبين العمل لمنع اليمين اليهودي من إشعال شرارة مواجهة أكبر قد تؤدي إلى عودة العنف، وقد أصدر بيانا ليل الأحد ردا على زيارة فيجلين قال فيها إن المنطقة المقدسة هي "الكيلومتر الأكثر حساسية على وجه الأرض" مؤكدا أن الحكومة "لن تقدم على ما يغيّر الوضع القائم."

ويرى محللون أن نتنياهو حساس جدا حيال هذه القضايا، فاليمين الإسرائيلي، وخاصة حزب "البيت اليهودي" الذي يقوده وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، يزداد قوة وفقا لاستطلاعات الرأي، وقد كان بينيت من أبرز الدعاة لتوسيع الحملة العسكرية في قطاع غزة، وسبق له أن قال لـCNN إنه يدعم حق اليهود في الصلاة بالحرم القدسي، كما قال لفيننشال تايمز إن الاعتقاد بأن العالم سيحب الإسرائيليين إذا تخلوا عن المزيد من الأراضي "لا ينفع."

بالمقابل، يتراجع التأييد الشعبي الإسرائيلي للأحزاب اليسارية أو الوسطية، وكذلك يتراجع التأييد للمفاوضات على حل الدولتين، وأظهر استطلاع جرى مؤخرا أن 75 في المائة من الإسرائيليين يرفضون الانسحاب من غور الأردن وتقسيم القدس ومنح الجزء الشرقي منها للفلسطينيين.

التوتر حول القدس بات النقطة المركزية في العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة في ظل جمود عملية السلام بسبب أزمة الثقة بين الجانبين وتداعيات المعارك في غزة، التي أدت لدمار واسع ومقتل أكثر من ألفي شخص، وقد نددت واشنطن والاتحاد الأوروبي مؤخرا باستمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في القدس الشرقية.

صحيفة هآرتس اليسارية الإسرائيلية نشرت قبل أيام رسما كاريكاتوريا لنتنياهو وهو يقود طائرة إسرائيلية نحو ناطحات السحاب الأمريكية، الرسم أثار الكثير من الجدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الرسام أموس بيدرمان أوضح بأن الرسالة التي يريد إيصالها هي أن نتنياهو "يدمر عن قصد وبكل عنجهية العلاقات التي تربط إسرائيل بأمريكا" في حين ردت ناشطة يمينية بالقول إن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس مسؤول عن إطلاق النار على غلوك، ولكن المسؤولية تقع أيضا على إدارة الرئيس باراك أوباما.

وأظهر استطلاع جديد نشرته صحيفة "جيروزالم بوست" أن 53 في المائة من اليهود في إسرائيل يعتبرون أن أمريكا دولة "مؤيدة للفلسطينيين" في حين لا تزيد نسبة الذين يرون أنها تدعم إسرائيل عن 16 في المائة، ويبدو أن نتنياهو عزف على هذا المنوال عندما رد مؤخرا على إساءة منسوبة لمسؤول أمريكي بالقول إن الهجوم عليه يأتي لأنه "يدافع عن دولة إسرائيل."

ولكن هذه التطورات لن تغير الوضع القائم في الحرم القدسي ولن تتسبب بإراقة المزيد من الدماء في الأيام الأخيرة من هذا العام الذي شهد ما يكفي من الدماء.

نشر
محتوى إعلاني