كيف نفهم تراجع الإسلاميين السياسي في تونس؟

نشر
9 دقائق قراءة
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
getty images
50/150 صورة لأحداث غيّرت تونس للأبد

17 ديسمبر/كاون الأول 2010: محمد البوعزيزي عاطل عن العمل ويبيع الخضار والغلال بصفة غير نظامية في مدينة سيدي بوزيد، يدخل في جدال مع موظفة بلدية بعد أن طلبت منه عرض بضاعته في مكان بعيد عن السوق النظامية. ينتقل إثر الجدال إلى مقر المحافظة ويسكب البنزين على جسده ثم تندلع النيران ليتم نقله إلى العاصمة أين زاره الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. لكن محاولات إنقاذه لم تنجح وتوفي لاحقا في الأيام الأولى من 2011

بقلم سمية الغنوشي

محتوى إعلاني

(سمية الغنوشي هي كاتبة تونسية بريطانية هي ابنة مؤسس وزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي. حصلت سمية درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة لندن قبل أن تتخصص في شؤون الشرق الأوسط. وتركّز سمية الغنوشي أعمالها حول الإسلام ووضع المرأة والسياسات في الشرق الأوسط ومسارات الانتقال ودمقرطة الدول العربية. وسمية كاتبة رأي وعمود في عدة وسائل إعلام معروفة من ضمنها "ذي أندبندنت" و"غارديان" و"هفنغتون بوست" والجزيرة والقدس. وما يرد في المقال يعبّر حصرا عن رايها ولا يعكس وجهة نظر CNN)

محتوى إعلاني

بمجرد أن تم إعلان نتائج الانتخابات في تونس و تقدم نداء تونس على حركة النهضة  حتى بدأت مظاهر الاحتفاء بـ”الهزيمة”  التي لحقت بإسلاميي تونس مع تكرار للمبشرات القديمة الجديدة حول "فشل الإسلام السياسي"  وانتصار "العلمانيين" على "الأحزاب الدينية" وغيرها. كان من الممكن أن يمر هذا  الحدث الانتخابي بصورة عادية مثلما يتحدث المرء عن صعود أو نزول حزب العمال في بريطانيا أو الديمقراطيين في أمريكا لولا هذا الكم الهائل من السجال والنظريات والمبشرات التي ارتبطت بتراجع حركة النهضة أمام نداء تونس. 

من الواضح أن هناك مقدمات نظرية هي أشبه ما يكون بالمسلمات تقف خلف هذه الاستنتاجات الخاطئة حول ظاهرة الأحزاب السياسية ذات الخلفية أو المرجعية الإسلامية، ومن ذلك تصور أن الإسلاميين كائنات ميتافيزيقية لا تخضع لقانون الاجتماع السياسي، وأن اللغة الدينية لهذه الأحزاب تقدم لها حصانة دائمة ومستمرة لتكون دوما في موقع المنتصر على منافسيها. الحقيقة التي ينبغي أن ندركها هي أن الإسلاميين فاعلون سياسيون يسري عليهم ما يسري على بقية الأحزاب والهيئات السياسية، وهم معرضون للتقدم والتأخر والنجاح والفشل على السواء، ويتأثرون بطبيعة المناخات السياسية الوطنية التي يشتغلون ضمنها.

 في ظل مناخ سياسي منفتح وديمقراطي يختلف الإسلاميون عن نظرائهم ممن يتحركون في مناخات قمع واستبداد، كما أن طبيعة المحيط الاجتماعي العام يطبع الإسلاميين ويحدد إلى حد كبير مواقفهم الفكرية والسياسية، فإسلاميو اليمن مثلا الذين يشتغلون في مناخ قبلي او إسلاميو العراق ولبنان الذين يعملون في مناخ التقسيمات الطائفية يختلفون إلى حد كبير عن إسلاميي تونس أو الجزائر أو المغرب المتواجدين ضمن بيئات اكثر انفتاحا ثقافيا وسياسيا. بل إن ذات المكون الإسلامي تختلف أوضاعه في نفس البلد الواحد بمجرد حصول تحول في الفضاء السياسي العام الذي يعمل فيه، وهذا ما ينطبق على حركة النهضة التونسية نفسها، التي انتقلت من طور المعارضة السياسية الجذرية إلى طور الحزب الحاكم نتيجة المتغيرات التي فرضتها الثورة التونسية--سمية الغنوشي-كاتبة تونسية بريطانية.

ما هو مؤكد أن  قوى الإسلام السياسي هي بدرجة أولى منتج ظاهرتين متلازمتين أولاهما تيار التحديث في المنطقة بكل توتراته ومخلفاته وكذا نجاحاته وإخفاقاته، ومن ذلك التمركز الحضري والتعليم الحديث. أما الثاني فهو الدولة الوطنية أو المحلية فالإسلاميون كلما كانوا أكثر تأثرا واصطباغا بالسياقات المحلية كلما انصب اهتمامهم بدرجة أولى على المشاغل الوطنية وكانوا أكثر عرضة لتأثيراتها وإكراهاتها وأكثر تجذرا في بيئاتهم المحلية وأقدر على التواصل مع مجتمعاتهم والتعبير عن همومها وتطلعاتها. بهذا المعنى تظل أولوياتهم وطنية وإن تحدثوا عن الأمة الإسلامية الجامعة التي تبقى مجرد تضامن شعوري معنوي لا غير. هذا ما يفسر إلى حد كبير اختلاف تيارات الإسلام السياسي باختلاف البيئة الوطنية. 

من هنا نقول إنه يتوجب التخلص من الهالة السحرية التي تضفى على ظواهر الإسلام السياسي الناتجة عن قراءة ما يسمى بـ”الأصولية” منظورا اليها ككتلة من الانفعالات والغضب تحركها النوازع والاهداف الدينية، وموضعتها في ظروف الزمان والمكان حتى نعيد الأمور إلى نصابها ولا يصاب الباحث أو المراقب أو الصحفي بداء التعميم والتبسيط على النحو الغالب اليوم.   

إن نجاح أو فشل حركة النهضة في اختبار الانتخابات يجب أن نجرده من الاعتبارات الدينية أو الأخلاقية وننظر إليه باعتباره ظاهرة عادية وطبيعية  في نظام ديمقراطي حيث تصعد فيه قوى وتنزل أخرى، كما أن مقولة انتصار العلمانيين على الإسلاميين ربما تجد هوى لدى العديد من الكتاب والسياسيين وربما تستجيب لرغبة دفينة  في التشفي لديهم ولكنها لا تستطيع أن تصمد أمام التحليل الموضوعي الدقيق.

الذي حصل في حقيقة الأمر لَا علاقة له بالإيديولوجيا ولا بالدين والعلمانية بقدر ما له علاقة بالتوازنات السياسية المحلية في تونس والأوضاع الجغرافية السياسية المحيطة بها، وإذا كان من الواضح أن الناخب التونسي قد اتجه إلى إعطاء صوته إلى حزبين كبيرين هما النداء والنهضة بما يعكس واقع الاستقطاب السياسي بين هذين الكتلتين. كَمَا أن التقدم النسبي الذي أحرزه نداء تونس يدل على ميل الكفة نسبيا لصالح القوى القديمة التي أعادت رسكلة نفسها  وتجديد خطابها وبعض  وجوهها على حساب القوى الجديدة التي صعدت بعد الثورة، وهذا يعكس واقع الربيع العربي المتعثر وتأثير المحيط السياسي على تونس وقوى التغيير في المنطقة عامة. فقد ارتقت حركة النهضة إلى سدة الحكم في أجواء صعود موجة التغيير في العالم العربي عامة، وهي تتراجع اليوم مع عودة القوى القديمة وأجواء الانقلابات العسكرية في المنطقة. لم يكن بمقدور تونس الصغيرة أو حركة النهضة أن تكسر هذه الموجة وإن قدرت على كبحها نسبيا من خلال استمرار تجربتها الديمقراطية الوليدة .

كما أن ما جرى في تونس يعكس على نحو أو آخر قانونا  عاما يخص تحمل أعباء الحكم بكل تحدياته ومخاطره في مرحلة ما بعد الثورة. إِذ بينت اغلب الثورات السياسية ان القوى التي تتصدر المشهد في اجواء ما بعد الثورات غالبا ما ينتكس حضورها الشعبي بحكم أن الثورات السياسية توقد مشاعر الناس وترتفع بتطلعاتهم الى مستويات عليا بما يجعل من غير الممكن تحقيق هذه الانتظارات. الدليل على ذلك ان الأحزاب العلمانية التي تحالفت مع النهضة  والتي شاركتها عبأ الحكم قد منيت بهزيمة قاسية، اذ لم يتحصل حزب المؤتمر الذي يقوده الرئيس المرزوقي على أكثر من ٤ مقاعد في حين لم يفز حزب التكتل بقيادة بن جعفر بمقعد واحد. يضاف إلى ذلك طبيعة المخاطر والتحديات التي رافقت التجربة التونسية بتأثير المحيط الجغرافي المباشر وغير المباشر من ليبيا جنوبا إلى جنوب الصحراء، وصعود الاٍرهاب نتيجة انتشار السلاح في ليبيا المجاورة واتساع دائرة الفوضى والصراعات والحروب في المنطقة عامة. يجب ألا ننسى أيضا الصعوبات الاقتصادية التي واجهت البلد نتيجة الهزات السياسية ومناخات الاضطراب، ثم تأثير الأزمة الاقتصادية للبلدان الأوروبية التي يرتبط بِها الاقتصاد التونسي أشد الارتباط.

من المؤكد ان نتائج الانتخابات التونسية ستكون لها تأثيرات ملموسة على حركة النهضة وتدفعها نحو مزيد التكيف مع المحيط والتجديد والتطور ضمن مناخ ديمقراطي اكثر انفتاحا. لكن ما هو مهم هو ان يقرأ هذا الحزب -شانه في ذلك شان ما سمي بالإسلام السياسي- باعتبارها ظاهرة سياسية اجتماعية معرضة للتقدم وللتراجع، بدلا عن النظر إليه كظاهرة خارقة للتاريخ. على الخبراء والصحافيين الغربيين  أن يتخلصوا من النزعة الغرائبية والتفسيرات الثقافوية او الأيديولوجية للأحزاب السياسية ذات الخلفية الاسلامية والتي تتجه في مناخ ديمقراطي إلى ان تتحول  لأحزاب ديمقراطية محافظة مثل الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا، و ربما تكون تونس ما بعد الثورة مختبرا لتطور الاسلام السياسي في هذا المنحى المستقبلي. ولكن متى يستطيع هؤلاء التخلص من تحيزاتهم الأيديولوجية ويروا الواقع الإسلامي كما هو، بِكُل تعقيداته وتضاريسه المتنوعة؟ 

نشر
محتوى إعلاني