سليمان عبد المنعم يكتب لـCNN عن قضايا للحوار الوطني المرتقب في مصر
هذا المقال بقلم سليمان عبد المنعم، أستاذ بكلية حقوق الاسكندرية، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
اليوم لنا حديث عن القضايا التي يُتصوّر أن يناقشها مؤتمر الحوار الوطني المرتقب وإطاره الإجرائي. وليست المشكلة هنا في عناوين القضايا ذاتها، فهي مَعروفة للجميع لكن المشكلة تكمن فيما تطرحه هذه القضايا من تساؤلات.
ربما يوجد في مصر اليوم مائة قضية كل واحدة منها جديرة بالحوار. وقد يكون لدى الأحزاب والقوى السياسية مطالبها المتّسقة مع أفكارها وأيديولوجيتها. لكن المؤكد أنه لا بد من (معيار ما) لتحديد قائمة الموضوعات محل الحوار. والمتابع للكتابات الأخيرة حول قضايا الحوار يلحظ قدراً من الاختلاف والتباين. ودون مصادرة على المطلوب يمكن مبدئياً بلورة خمس قضايا تمثل خمسة محاور للمؤتمر المرتقب. معيار الانتقاء هو ما تمثله هذه القضايا من عنصر إلحاح تفرضه معطيات وتعقيدات اللحظة الراهنة. والإلحاح درجة متقدمة من درجات الأهمية. كما أن معيار الانتقاء يستند الى مدى مساهمة هذه الأجندة في صنع التوافق الوطني كهدف جامع لمؤتمر الحوار. ولعلّ هذه القضايا/ الأولويات تتمثل فيما يلي.
• مواجهة المخاطر والتحديات الإقليمية
إذا كانت القوة العسكرية والأمنية للدولة هي المنوط بها مواجهة الإرهاب ودحره فكيف يمكن لنا- للمجتمع- محاصرة الإرهاب وكشف زيفه على الصُعُد الدينية والفكرية والاجتماعية والتعليمية؟ ماذا عن دور الأزهر ومؤسساتنا الدينية ومساجدنا ومدارسنا في تجفيف منابع الإرهاب بخلاف خطابها الوعظي النمطي؟ وماذا أيضاً عن دور الدولة في القضاء على الجذور الاقتصادية والسياسية للإرهاب؟ ما المطلوب من الدولة لاستيعاب أهلنا في سيناء على الصُعُد التنموية والديموغرافية والثقافية والحقوقية والتعليمية؟ كيف يمكن للمجتمع أن يساعد الدولة في سحب البساط من تحت أقدام الذين يسعون للوقيعة بين أهل سيناء والوطن الأم؟ ما المطلوب لتقوية مناعة الدولة والمجتمع معاً في مواجهة مخاطر التفتت والانقسام وواقع الحروب الأهلية العربية؟
• دور الأحزاب والقوى السياسية
هل يناقش مؤتمر الحوار قضايا الأحزاب والقوى السياسية أم يبحث فقط مستقبل هذه الأحزاب والقوى؟ هناك من يدعو الى قصر الحوار على (مستقبل) الأحزاب والقوى السياسية. لكن هل يمكن حقاً بحث مستقبل هذه القوى بدون الحديث عن أوضاع وقضايا حاضرها؟ ما المطلوب من الدولة لدعم الحياة الحزبية والسياسية وما المطلوب من الأحزاب والقوى السياسية لتكون أكثر حضوراً وتأثيراً في الشارع المصري؟ كيف نعالج تشريعياً مسألة عدم التناسب في تشكيل البرلمان المقبل في ظل قانون الانتخاب بين نسبة التمثيل الفردي (٨٠٪) ونسبة التمثيل الحزبي (٢٠٪ فقط)؟ كيف يمكن إعادة التوازن المفقود بين المستقلين والأحزاب وما هي النسبة الواقعية والمثلى لتحقيق التناسب بين تمثيل كل منهما؟ هل ستُجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة على نحو ما توجبه الاعتبارات الدستورية أم سيتم إرجاؤها مؤقتاً استناداً لاعتبارات الملاءمة السياسية؟ وفي الفرض الأخير هل يبدو ذلك حلاً ناجعاً أم أنه سيزيد الوضع الراهن تعقيداً؟
• مواءمة التشريعات المصرية لأحكام الدستور الجديد
ثمة فجوة مقلقة بين أحكام الدستور المُعدّل في عام ٢٠١٤ وبين واقع التشريعات المصرية. تزداد هذه الفجوة اتساعاً منذ فترة بصدور قوانين تكاد تمثل ارتداداً على ما كفله الدستور الجديد من حقوق وحريات وضمانات. خطورة هذه الفجوة أنها لا تمثل فقط تراجعاً حقوقياً أو ديمقراطياً بل إنها تهدد الوجود القانوني لهذه التشريعات وتجعلها عرضةً للإلغاء إذا ما طُعِن فيها أمام المحكمة الدستورية العليا، وهو ما ينذر بمناخ من القلق القانوني ويدخلنا في متاهات نحن في غنى عنها. ثمة أسئلة يتعين مواجهتها مثل كيف يمكن معالجة قانون تنظيم حق التظاهر بما يتوافق مع أحكام الدستور؟ وماذا عن التشريعات التي تُخل بمبدأ التناسب بين الجرم والجزاء وهو المبدأ الذي كرّسته مراراً المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها؟ كيف السبيل إلى قانون جديد متوازن للعمل الأهلي يوفّق بين الاعتبارات والمصالح المتعارضة؟ وما هو المطلوب من منظمات المجتمع الأهلي لا سيّما في شق التمويل والتزام الشفافية وما هو المطلوب من الحكومة لا سيّما في شق كفالة حقوق وحريات العمل الأهلي؟ هذا بخلاف تساؤلات أخرى تثيرها التشريعات التي صدرت في الآونة الأخيرة والتي جعلت عرس الفرح بالدستور الجديد تنطفئ أنواره سريعاً.
• مشاركة الشباب
منذ صبيحة اليوم التالي لثورة ٢٥ يناير والحديث يدور حول ضرورة مشاركة الشباب وتوظيف طاقته وإدماجه في الحياة السياسية، لكن ظل الحديث دائماً عن الشباب في إطار التمنيات والتوظيف السياسي المرحلي دون أن يُترجم إلى سياسات وتنفيذ فعلي على أرض الواقع. اليوم تتكرر الدعوة نفسها فماذا يريد شبابنا وماذا يُراد منه ؟ كيف ندعم المشاركة السياسية للشباب في ظل برلمان مستقبلي لا تتجاوز نسبة تمثيل الأحزاب فيه ٢٠٪ ؟ وهل يمكن رفع التمثيل الحزبي في البرلمان الجديد بما يوجب على الأحزاب تخصيص عدد من المقاعد في قوائمها للشباب تحت سن معينة؟ والامر نفسه ينطبق على تمثيل المرأة. كيف يمكن دمج شبابنا البعيد عن عملية صنع القرار في مؤسسات الدولة وإصدار تشريعات تنظم إشراك الشباب في المواقع القيادية للدولة وفي المجالس القومية المتخصصة مثل القومي لحقوق الإنسان- القومي للمرأة.. الخ؟
• التوفيق بين ضرورات حماية الأمن ومكافحة الارهاب وبين مقتضيات كفالة حقوق وحريات الإنسان
حماية الأمن (الداخلي والقومي) وما يتطلبه ذلك من مكافحة الإرهاب حقيقة بل ضرورة تعلو على الخلاف أو الجدل. وبدون مجتمع آمن ومستقر سيكون صعباً على الدولة نفسها أن تكفل حقوق وحريات الأفراد. لكن كيف يمكن في دولة القانون إزالة التناقض الذي يصطنعه البعض بين ضرورات حماية الأمن ومقتضيات حقوق وحريات الإنسان؟ وما هي ركائز دولة القانون التي يمكن التوافق عليها؟ كيف نحمي دولة القانون من عنف الإرهابيين ومن إرهاب النخب الجديدة التي تحاول تفريغ الدولة من مكوّن العدالة في وظيفتها؟ كيف نقضي على أخطر الممارسات غير القانونية وغير المجدية حتى بالمفهوم الأمني ذاته مثل التعذيب؟ كيف نزيل أو حتى نخفف من مناخ الاحتقان المتصاعد في المجتمع بمعالجة ملف المعتقلين والإفراج عن كل من لم يثبت بحقه ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون ووضع حد لممارسات القبض العشوائي، واحتجاز الأشخاص بدون توجيه تهمة محددة أو إحالة إلى المحاكمة، وفصل الطلاب من جامعاتهم بدون أدلة كافية على جرم ارتكبوه وعلى خلفية مبررات متهافتة؟ كيف نترجم مبدأ المواطنة وحظر التمييز المنصوص عليه دستورياً ليس فقط إلى حزمة من التشريعات واللوائح والقرارات بل أيضاً إلى مجموعة من الممارسات وآليات التطبيق وسبل الإنصاف؟ وماذا عن الشهداء - كل الشهداء- من الشعب أو الجيش أو الشرطة.. أليست هناك عدالة انتقالية تضمن تكريم تضحياتهم وإنصافهم في قبورهم وتعويض ذويهم؟
هذه عينة من أسئلة صريحة ومباشرة جديرة بالانشغال والقلق إذا كنا نسعى حقاً إلى حالة توافق وطني. والطريق الى التوافق يبدأ من دولة القانون. وحاجتنا إلى دولة القانون ليست فقط حاجة حقوقية أو ديمقراطية، بل هي أيضاً حاجة وجودية وسياسية. فكل محاولات التربص بمصر تسعى الى مغازلة المجتمع بقدر ما تسعى الى ابتزاز الدولة. وحدها (العدالة) تحصِّن المجتمع من المغازلة وتقوّي الدولة في مواجهة الابتزاز.