المنشاوي في مقال عن مجلس الأمن بالشأن الفلسطيني.. "نحو قرار يحل محل قرار 242"
هذا المقال بقلم محمد المنشاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN
تشتد الجهود الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة داخل العاصمة الأمريكية لاستغلال لحالة الضعف العربي غير المسبوق من أجل تحسين وضعها التفاوضي في أي عملية سلام مستقبلية مع الفلسطينيين. وتركز هذه الجهود على القضاء على أي مصوغات قانونية دولية دعت في السابق لانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب يونيو 1967.
ورغم أن توازنات القوى والوضع الإقليمي والدولي لم يسمح بترجمة أي من القرارات الدولية المختلفة لواقع على الأرض، ورغم أن إسرائيل اليوم تتمتع بوضع استراتيجي آمن لم يتخيله أي من مؤسسيها، فإن التفكير الدائم في الخطوة القادمة، وما يجب القيام به لتثبيت الأوضاع المعوجة على الأرض، والضغط على الفلسطينيين ليقبلوا بما تقدمه لهم من فتات، يجعل إسرائيل لا تترك فرصة إلا وتحاول أن تضاعف من مكاسبها منها.
ومؤخرا ظهرت إرهاصات لجهود متكررة في شكل موجة من الكلمات والتلميحات والكتابات خلال ندوات ومؤتمرات تصب في خانة جهود مضنية يقوم بها أنصار إسرائيل للمطالبة "بإعادة كتابة قرار مجلس الأمن 242" والذي صدر قبل 47 عاما وتحديدا يوم 22 نوفمبر 1967، وأقره مجلس الأمن بإجماع أصوات أعضائه الخمسة عشر.
وجاء القرار التاريخي في ضوء هزيمة عسكرية نكراء منيت بها جيوش مصر وسوريا والأردن، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء والضفة الغربية وغزة والقدس ومرتفعات الجولان. ولليوم لم تنته تبعات هذه الحرب، فالجولان ومناطق داخل الضفة الغربية والقدس وغزة ما زالت قيد الاحتلال، أو تحت الحصار الإسرائيلي.
ولا تريد إسرائيل إلا أن تواصل استغلال ما وصل له حال العالم العربي، من تردى وضعف واقتتال داخلي غير مسبوق، لسحق أي أمال فلسطينية في "دولة على حدود 4 يونيو 1967"، إلا أن الغريب أن رؤية إسرائيل تلك يوافق عليها قولا وفعلا دول عربية وحكام عرب.
منذ أسابيع قليلة تحدث حاكم عربي في جلسة تعارف مغلقة جمعته بقادة منظمات يهودية أمريكية، إضافة لعدد من كبار المفكرين وخبراء شؤون الشرق الأوسط من عدة مراكز أبحاث أمريكية، نادى خلالها بضرورة استغلال الإدارة الأمريكية لحالة الضعف العربي غير المسبوق، والانقسام والتشتت الفلسطيني من أجل إنهاء قضية فلسطين. وقال ذلك الحاكم إن العرب، حكومات وشعوبا، مشغولون بدرجة كبيرة بشؤونهم الداخلية الضيقة سواء كانت تلك تبعات للربيع العربي، أو تبعات ظهور وتمدد تنظيم "داعش"، وهو ما سمح بتلاشي الاهتمام الشعبي والحكومي الرسمي بالشأن الفلسطيني. وذكر الحاكم العربي الحاضرين بأن الدول العربية المعتدلة ستضغط على الفلسطينيين للقبول بدولة تقدمها وتعرفها وتصمم حدودها إسرائيل. ونصح الحاكم الحاضرين بضرورة استغلال فرصة الوضع العربي الراهن، وبسرعة استغلال هذه الفرصة الفريدة لمنح الفلسطينيين ما يشبه الدولة لأن لا أحد يضمن ما سيأتي به الغد.
من ناحيته يرى اللوبي الإسرائيلي أن انقسام الفلسطينيين وضعف تنظيم حماس الذى ينبع من خسارته الحليف السوري وتوقف التمويل الخليجي وتصاعد العداء المصري يعد من أهم المستجدات التي يجب استغلالها إذ إنها توفر لحظة تبدو أكثر مؤاتاة لصنع سلام طبقا للرؤية والمصلحة الإسرائيلية. وتنادى أصوات عديدة بضرورة الضغط على الرئيس محمود عباس باستخدام الدول الخليجية ومصر من أجل أن يقبل ما يطرحه عليه لاحقا الجانب الأمريكي. إلا أن طموح اللوبي الإسرائيلي لا يقف عند هذا الحد، فقد دعت أصوات منهم بضرورة تعديل مبادرة السلام العربية التي خرجت للنور في اجتماع للقمة العربية عام 2002 على يد ملك السعودية عبدالله بن عبدالعزيز، والتي هدفت لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، مع عودة اللاجئين وانسحاب كامل من هضبة الجولان، مقابل اعتراف وتطبيع عربي بإسرائيل. وتقول هذه الأصوات إن أي حديث عن عودة الجولان الآن تضييع للوقت، وأن القيادة الفلسطينية نفسها منفتحة على أفكار تتعلق بمعضلة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، لذا يجب تعديل المبادرة.
من جانبهم توقف العرب، وبينهم المصريين، عن ذكر أي شيء يتعلق بضرورة وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية أو حق العودة للفلسطينيين أو حتى مستقبل القدس.
عمليا وقانونيا لا يمكن تعديل قرار لمجلس الأمن، إلا أنه يمكن اصدار قرارات جديدة تلغى أو تحجم ما جاء في قرارات سابقة. إلا أن المقصود في حالة قرار 242 هو إعادة كتابة سياسية للقرار المذكور في ضوء المكاسب التي حصلت عليها إسرائيل باستعمال القوة خلال نصف القرن الأخير.
جاء قرار 242 كحل وسط بين عدة مشاريع قرارات طرحت للنقاش بعد الحرب. وورد في المادة الأولى، انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضي التي احتلت في النزاع الأخير. وقد حذفت «أل» من تعريف كلمة «أراضي» فى النص الإنجليزي، وهو ما ترك غموضا كبيرا في تفسير هذا القرار. وإضافة إلى قضية الانسحاب فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنا بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين بتأكيده على «تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين». ويشكل هذا القرار منذ صدوره صلب كل المفاوضات والمساعي الدولية العربية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي.
وتهدف جهود لإسرائيل للقضاء على فكرة حدود ما قبل حرب 1967.
في نفس الوقت تنشغل واشنطن ومن قبلها تل أبيب ومن ورائهم دول عربية في الحديث عن تفاصيل مختلفة تبتعد بالصراع عن أصله، وتستبعد الحديث عن جوهره، ألا وهو "الاحتلال". موافقة الجانب العربي على الانغماس في التفاصيل اليومية للصراع كاد ينسى الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال العرب أصل الصراع، وهو ما يعنى إنجاح استراتيجية إسرائيل في محاولة إقناع العرب أن "الاحتلال ليس هو أصل القضية".