رأي حول "الكيل بمكيالين" في الحكم على مبارك !
هذا المقال بقلم شحاتة غريب، وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
من أهم المشكلات التي تواجهنا في حياتنا، هي مشكلة شخصنة الأمور، والكيل بمكيالين، والحكم على الأحداث من منظور غير موضوعي، واستنادا إلى معايير تتعلق بالإنتماء إلى فكر معين، أو إلى حزب، أو إلى حركة معينة، وهنا نجد كل فرد يجعل من نفسه القاضي وهو ليس كذلك، ويجعل من نفسه رجل الدين وهو ليس كذلك، ويجعل من نفسه الوطني والثوري الوحيد، وهو ليس كذلك، وكل ذلك، لا يقصد من ورائه سوى الانتصار لفكره، ورؤيته الشخصية، حتى ولو كانت تتعارض مع رؤى الآخرين.
فمن يكره مبارك ونظامه، لم يُقدر تاريخه البطولي، والنضالي، من أجل مصر، ومن أجل القضايا العربية، بل وللأسف قد حاول البعض الذهاب إلى أكثر من ذلك، ومحاولة طمس تاريخه، ومسحه من ذاكرة الشعوب، وإتهامه بالفساد، والخيانة، والعمالة، طوال فترة حياته، وهذا هو ما يناقض الحقيقة، والمصداقية، وتقييم الأمور بشكل موضوعي، ومَن يحب مبارك ونظامه، لا يعترف بأي خطأ، وكأن شعباً لم يثور لتردي الأوضاع، وسوء الأحوال المعيشية، وانتشار الفساد.
فمبارك كأي بشر، له ما له، وعليه ما عليه، فلا يمكن أن نصفه بالملاك، ولا يمكن أن نصفه بالشيطان، ولا يمكن أن نصفه بالخيانة، وعدم الوطنية، فمن المؤكد أن عصر مبارك، وكما أشارت المحكمة الجنائية التي حاكمته، قد أصابه الوهن في سنوات حكمه الأخيره، وانتشر الفساد في معظم المؤسسات، ولكن التساؤلات التي تطرح نفسها: هل كل سنوات حكم مبارك، قد كانت كذلك؟! وهل قد كان مبارك يدبر، ويخطط، لضياع حقوق شعبه، وتحقيق مآرب خاصة؟! وهل مبارك باع وطنه، وسلمه للغير، كي يعبث بمقدراته؟! وهل مبارك قتل شعبه، كما ادعى البعض؟.
أبادر الإجابة بالنفي، اعتمادا على منظورين واقعي وقانوني، فمن ناحية المنظور الواقعي، قد كانت سنوات مبارك آمنة، وعشنا في حالة من الأمن، والاستقرار، لم نشعر بمعناها، أو نحس بطعمها إلا بعد نشوب ثورة 25 يناير، حيث قد تم استغلالها استغلالا سيئا، والبعد عن تحقيق أهدافها النبيلة، ونشر الفوضى في كل مكان، والخوف من التنقل، وربط الخروج إلى الشوارع بشروق الشمس، وربط العودة إلى المنازل بغروبها.
هذا هو الحال الذي عشناه في مصر بعد تنحي مبارك، حيث فقدان نعمة الأمن، وحرية التنقل، في أي وقت، وأيا كان الطريق، الذي نسلكه، فلم نأمن الخروج في أي وقت، ولم نأمن على أعراضنا، وأموالنا، وسادت حالة العنف، وفقدنا السياحة، والاستثمار، والصناعة، والبورصة، وفقدنا كل شيء، بعد أن كنا نملك كل شيء.
نعم كنا نحتاج إلى إصلاح، ولكن لم نكن أبدا في حاجة إلى إسقاط، لأننا لسنا في حالة مواتية، أو مناخ مناسب، لتكوين نظام جديد، وقد كان الأسهل هو إصلاح النظام القائم، واستئصال العناصر الفاسدة منه، وتقديمهم إلى عدالة القضاء.
ومن ناحية المنظور القانوني، فلم يوجد دليل واحد قطعي على قيام مبارك بالتحريض على قتل المتظاهرين، فنعم يتحمل مبارك مسئولية سياسية كبيرة عما حدث في سنوات حكمه الأخيرة، من غياب شبه كامل عن إدارة شئون البلاد، ولكن هل يُعقل يا سادة أن نحذف من ذاكرة التاريخ، اسم بطل، قد ناضل، وحارب، من أجل مصر، ومن أجل سلامة أراضيها.
فأي عدالة هذه، التي ينادي بها البعض؟! وأي حق هذا، الذي يحاول البعض انتهاكه، وهدره، وضياعه؟! فأين العدل؟! وأين الحق؟! وأين الإنصاف؟! وأين حقوق الإنسان التي تنادون بها؟.
أليس من حقوق الإنسان، إعطاء كل ذي حق حقه؟! وأليس من حقوق الإنسان، أن نعترف، وبموضوعية، بالحقيقة، وألا نكيل بمكيالين، وأن نقول كلمة الحق، مهما كانت، ومهما كانت العاقبة؟.
فهل سيرحمنا التاريخ، عندما نحاول هدر حق مبارك فيما فعله من إنجازات؟! وهل سيرحمنا التاريخ، عندما نحاول تزوير الأحداث، وتضليل الشعوب، وتحريف الآيات، بحثا عن سلطة دنيوية، أو بحثا عن مال ؟! كما أن التاريخ لن يرحمنا أيضا إذا لم نعترف بمسئولية مبارك السياسية عن السنوات الأخيرة من حكمه.