رأي عن المصلحة الاسرائيلية في سوريا (الجزء الثاني)
هذا المقال بقلم علي شهاب وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN. لقراءة الجزء الأول منه، اضغط هنا.
في السابعِ من أيار/ مايو من العامِ الفينِ وثلاثةَ عشر، كتبَ العميدُ المتقاعدُ في الجيشِ الاسرائيلي والمديرُ السابقُ لمكتبِ وزيرِ الدفاعِ مايكل هرتسوغ في الغارديان البريطانية انَ الهدفَ الحقيقيَ لاسرائيل ليس سوريا وانما حزبُ الله، مشيراً الى تراجعِ التهديدِ العسكري السوري بفعلِ الأزمةِ الداخلية.
تقاطعَ تقرير هرتسوغ مع تقرير للاستخباراتِ الاسرائيليةِ في ضرورةِ تطبيقِ ما سُمِّيَ بقانونِ "التَّبِعاتِ غيرِ المقصودة": أي منعِ نقلِ أسلحةٍ نوعيةٍ الى حزبِ اللهِ ولو عبرَ شنِّ غاراتٍ داخلَ الاراضي السورية. هذا القانونُ حظيَ بضوءٍ اخضرَ اميركي؛ حتى اِنَ واشنطن أعلنت مرتينِ عن غارتينِ اسرائيليتينِ على سوريا قبلَ ان يَصدُرَ أيُ موقفٍ من تل أبيب.
كررت اسرائيل غاراتها عدة مرات خلال السنوات الماضية، بدعوى مهاجمة قوافل سلاح لحزب الله.
التزم الحزب الصمت على هذه الغارات حتى التاسع من أيار 2013 حين أعلن أمينه العام حسن نصر الله أن "رد سوريا على الهجمات هو تعهدها بحصول حزب الله على سلاح نوعي لم يحصل عليه"، وأطلق على هذا السلاح اسم "كاسر التوازن" مع إسرائيل. وقال إن حزب الله "مستعد لاستلام أي سلاح نوعي والحفاظ عليه".
بعدَ كلمةٍ نصر الله، هدأت وتيرةُ الغاراتِ الاسرائيليةِ لمدةِ خمسةِ أشهر، قبلَ ان يعودَ سلاحُ الجوِّ الاسرائيلي ليستهدفَ في الحادي والثلاثينَ من تشرينَ الاول \ اكتوبر، مَخزناً لصواريخِ "ياخونوت" في اللاذقية بحسَبِ تقاريرَ غربية، في حين تحدثت القناةُ الثانيةُ في التلفزيون الاسرائيلي عن مستودعٍ لمنظوماتِ دفاعٍ جويٍ كانَ يَجري نقلُها لحزبِ الله.
في هذه المرحلة، اتخذَ حزبُ الله قرارَه المثير للجدل بالدفاعِ عن خطوطِ امداداتِه من السلاحِ في الاراضي السورية، بعدَ الغارةِ الاسرائيليةِ الثانية؛ مدفوعاً بضغطٍ شعبيٍ من قرى لبنانيةٍ حدوديةٍ باتت ترزحُ تحتَ خطرِ الجماعاتِ المسلحةِ في الجانبِ السوري.
وسرعانَ ما ظهرَ تباعاً حجمُ تأثيرِ قرارِ حزبِ اللهِ بالدخولِ في معركةِ سوريا، ليسَ في مدينة القصير الاستراتيجية وحسب، بل بتأثيرِه المعنوي على الجيشِ السوري الذي واصلَ تقدمَه على مختلِفِ المحاور.
لاحقاً، تراجعت الاستخباراتُ الاميركيةُ عن تقديرِها السابقِ بشأنِ قربِ رحيلِ الأسد بعدَ ان وَصفت أخيراً تدخلَ حزبِ اللهِ في المعاركِ بنقطةِ التحولِ التي مَنعت سقوطَ النظامِ السوري.
لم تنجح ورقة الغارات فانتقلت اللعبة الى السلاح الكيميائي.
ففي الحادي والعشرينَ من آبَ \ اغسطس وَقعت مجزرةٌ نتيجةَ هجومٍ بغازِ الأعصابِ في الغوطةِ شرقَ دمشقَ راحَ ضحيتَها المئات.
ووسْطَ تبادلِ الاتهاماتِ بالمسؤوليةِ عن المجزرةِ بينَ النظامِ والمعارضة، وعدمِ قدرةِ الاممِ المتحدةِ على حسمِ هُويةِ الجهةِ المسؤولةِ ورغبةِ الولاياتِ المتحدةِ في استثمارِ الحدث، وجدَت اسرائيلُ انَ الوقتَ قد حانَ لقطعِ الرأسِ الكيميائي من رؤوسِ الهيدرا السورية.
حركت الولاياتُ المتحدةُ اسطولَها باتجاهِ المتوسط، فأطلقَ حلفاءُ سوريا اشاراتٍ قويةً بأنَ الحربَ ستكونُ شاملةً وأنَ اسرائيلَ لن تكونَ بمنأىً عن الرد.
كانت تقديراتُ شُعبةِ الاستخباراتِ العسكريةِ الاسرائيليةِ تشيرُ منذُ اندلاعِ الأزمةِ السوريةِ الى انَ 200 الفِ صاروخٍ من أربعِ جبهاتٍ موجهةٍ نحوَ اسرائيل.
لكنَ عاملَ القلقِ الرئيسي في تل أبيب كانَ في صمتِ حزبِ اللهِ التامِّ اِزاءَ التهديدِ العسكري الأميركي ضدَ حليفِه في دمشق.
ومعَ تصاعدِ نبرة التهديداتِ في طهرانَ بأنَ اسرائيلَ ستكونُ الهدفَ الأولَ في حالِ ضربِ سوريا، تلقفت موسكو الفرصةَ بعدما وصلت الامورُ الى حافةِ الهاوية، فشكلت قمةُ العشرينَ المنعقدةُ في بطرسبرغ فرصةً للقاءاتٍ أميركيةٍ – روسيةٍ بهدفِ تجنيبِ المنطقةِ حرباً مدمرة بالنسبة للجميع.
بعدَ تراجعِ اسهمِ الضربة العسكريةِ المباشرة لدمشقَ والتقدمِ الميداني للجيشِ النظامي وصمودِ الأسد، وبعد دخول ورقة الغارات الاسرائيلية في لعبة الردع المتبادل (تلحظ التقديرات الاسرائيلية جرأة لدى حزب الله هذا العام في شن هجمات على اسرائيل بعد سنوات الهدوء النسبي التي تلت حرب تموز 2006)، بعد اجتماع هذه العناصر جميعها، انتقلت الازمة السورية الى حالة المراوحة.
تشيرُ تقديراتُ الاستخباراتِ الأميركيةِ الأخيرةُ الى أنَ الازمةَ قد تطولُ لعشرِ سنواتٍ وأنَ الأسدَ باقٍ في الحكم.
امامَ هذا الواقع، رسمَ مؤتمرُ هرتسيليا الأخيرُ معالمَ المصلحةِ الاسرائيليةِ في سوريا المستقبل.
تقاطعت كلماتُ الشخصياتِ الاسرائيليةِ المشاركةِ في المؤتمرِ في الدعوةِ لمقاربةٍ مختلفةٍ للتهديداتِ الاستراتيجيةِ المحيطة. تَفاقمُ ظاهرةِ "الجهادِ العالمي" نتيجةَ الوضعِ السوري على رأسِ قائمةِ هذه التهديدات، في حينٍ تضمنت التوصياتُ النهائيةُ تطويرَ علاقاتِ اسرائيلَ معَ دولٍ اقليميةٍ معارضةٍ للإرتقاءِ الايراني تحسباً لاتساعِ الصراعِ المذهبي في الشرقِ الأوسط.
انتقل النقاش في هذه المرحلة حول المصلحة الاسرائيلية من الازمة السورية الى تفاصيل تقنية كمتطلبات السيطرة على المناطق المحيطة بالجولان بهدف ازالة اي تهديد مستقبلي.
الواقع حاليا يفرض نفسه على اسرائيل.
- لم يسقط نظام بشار الأسد.
- للوهلة الاولى بدا ان حزب الله قد غرق في الوحل السوري، لكن من زاوية اسرائيلية فهذا التدخل جعله يزيد من قدراته النارية البعيدة المدى وخبراته الميدانية لناحية تنفيذ هجوم ابتدائي.
-محور ايران وحزب الله وسوريا لا يزال حيًا وهو يزداد ارتباطا، وبالتالي لم تنجح اسرائيل في قطع رؤوس الهيدرا.