منتج أشهر فيلم عن التنظيم يشرح كيف حقق "داعش" تقدمه العسكري
بقلم مدين ديرية-منتج وثائقي "الدولة الإسلامية"
(ملاحظة المحرر: قضّى الصحفي مدين ديرية أسابيع وهو يعمل لموقع "فايس نيوز" في مدينة الرقة معقل تنظيم "داعش" في سوريا وأنتج فيلما وثائقيا مثيرا للجدل تحت عنوان "الدولة الإسلامية." (تابع هنا حوارا أجرته CNNبالعربية مع مدين ديرية) مدين هو بريطاني-فلسطيني عرف بعمله في أخطر مناطق النزاعات الحربية حيث بثت تقاريره المصورة من قلب المعارك وتمكن من الوصول إلى أخطر المناطق في إفريقيا والشرق الأوسط ونجح في ربط الصلة بأخطر الحركات المتمردة والمنظمات الجهادية من جبال أفغانستان حتى سيراليون في غرب إفريقيا. وصوّر الشريط الحياة اليومية في الرقة تحت حكم تنظيم داعش، وتنقل بين "مؤسسات الدولة الإسلامية" وكيف تطبّق أسلوبها بدءا من الصلاة والتدريب و"الحسبة" و"القضاء" وانتهاء بالسجون التي تديرها والتي زارها مدين ديرية. ورغم الخسائر التي يعلنها التحالف الدولي ضد التنظيم، إلا أن دخول العمليات ضده شهرها الخامس، واستمراره في التحصن بمواقع داخل سوريا والعراق، يطرح أسئلة حول قوته العسكرية. وعلى جزأين، يشرح مدين ديرية لـCNNبالعربية، الأساليب العسكرية التي استخدمها التنظيم، وفقا لما عاينه مع مقاتليه وحواراته مع قيادييه. وفي الجزء الأول، يستعرض مدين كيفية نشأة التنظيم واستفادته من الاستراتيجية الأمريكية، ثمّ يستعرض في الجزء الثاني توقعاته لسيناريو المعركة الحاسمة بين التنظيم والتحالف الدولي والتي يرجح أن تقع في الربيع. وما يرد في مقالته بجزئيها يعبّر حصرا عن رأيه ولا يعكس بأي حال من الأحوال وجهة نظر CNN)
يتذكر العالم اليوم تحرك أمريكا الكبير لحشد تحالف دولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ضد طالبان وتنظيم القاعدة ومازال العالم يذكر التحالف الدولي في الحرب ضد صدام حسين. وتمكنت أمريكا من حشد عدد كبير من دول العالم إلى جانب جيوش جرّارة وأسلحة حديثة متطورة وقادت الحرب ضد الإرهاب التي مازالت مستعرة حتى يومنا هذا، وواصلت نزال تنظيم القاعدة أيضا في الصومال واليمن في حروب استهدفت تنظيم القاعدة.
إن الحرب التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب كبدتها وحلفاءها خسائر بشرية ومادية هائلة دون أن تحقق أي نتيجة ملموسة غير أنها استطاعت قتل بن لادن وليس القضاء على تنظيم القاعدة ودفعت هذه الحرب أمريكا وبريطانيا على الجلوس مع حركة طالبان كما تمكنت من اعتقال صدام حسين والتخلص منه في المقابل غادرت العراق تاركة أخطر التنظيمات المسلحة في العالم تنمو وتنشط في العراق.
خلال انشغال أمريكا بحشد التحالف ضد طالبان والقاعدة كانت طالبان مشغولة باستبدال مواقعها والانسحاب إلى الجبال بعد تغير تكتيكها من المحافظة على المواقع والانتقال لحرب المواقع المتحركة التي حققت نقلة نوعية في المواجهة وكانت طريقة غير مكلفة لاستنزاف قوات التحالف. ومعها أكثر من مائة ألف جندي ساعدت أمريكا على بناء جيش أفغاني غير قادر على المواجهة وتحمل مسؤوليته في الحفاظ على وحدة البلاد وحماية البلاد من طالبان التي مازالت تهاجم مواقعه وتسيطر عليها وتغنم الأسلحة الأمريكية التي زودته بها أمريكا نفسها.
وتماما هذا ما حصل في العراق
منذ نشأته، اعتمد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق على أسلوب حرب الغوار واستخدم أسلوب حركة طالبان وتنظيم القاعدة حيث أدارت الدولة الإسلامية المعركة ضد القوات الأمريكية معتمدة على تقسيم المناطق جغرافيا وتقسيم قواتها لمجموعات يقود كل مجموعة أمير في حين قامت بتقسيم المجموعات الصغيرة إلى خلايا مقاتلة بينما وزعت الأسلحة والمتفجرات على كل المناطق معتمدة على مخزون في الصحراء وتشرف مجموعات خاصة على إيصال الأسلحة للمجموعات التي كانت تعتمد على قيادة ذاتية في أغلب الاحيان واجتهادات شخصية في قيادة المعركة إذا تعذر التنسيق--مدين ديرية - منتج وثائقي "الدولة الإسلامية" .
كانت تلك المجموعات المقسمة بشكل متقن وموزعة بطريقة حرفية اعتمدت على السيارات الانتحارية والعبوات الناسفة الجانبية التي دمرت المدرعات الأمريكية واتخذت الصحراء ملاذا آمنا حيث يصعب تعقب المجموعات في عمق الصحراء. وهذا يعود لأمرين هما انسحاب المجموعات لإعاقة ملاحقتها من خلال الطيران والسماح لمجموعات صغيرة بمهاجمة القوات الأمريكية وحلفائها بالعبوات الجانبية والاختفاء في المدن.
حاولت الدولة الاسلامية من خلال هذا التكتيك توسيع جبهة القتال جغرافيا لإنهاك الدعم الجوي مستخدمة بذلك القذائف والصواريخ قصيرة المدى الذي ساعد ضباطا في الجيش العراقي السابق على نصب منصات متحركة مصنوعه يدويا وغير مكلفة.
في خضم ذلك مهدت "الدولة الإسلامية" لمجموعات أكبر باقتحام مواقع الجيش العراقي وتطهيرها من أجل الحصول على غنائم حيث كانت الدولة تعتمد كثيرا على الغنائم في التسليح والتموين.
كما اعتمدت التكتيك الذي استخدمته طالبان والذي عمل الزرقاوي على إنعاشه وهو مهاجمة العدو لتحقيق ثلاثة أهداف هي ضرب العدو لإرباكه وإنهاكه والإكثار من خسائره حتى إضعافه وثانيا الحصول على غنائم وتشمل أسلحة وأموالا ومواد تموينية، وثالثا تحقيق نصر إعلامي من أجل زيادة القاعدة الشعبية للتنظيم.
تعامل "براغماتي" مع النصرة والجبهة الإسلامية
ومنذ بداية الصراع بسوريا قرر أبو بكر البغدادي إرسال ابو محمد الجولاني لسوريا لتنظيم عمليات الجهاد ضد النظام السوري وتم تأسيس جبهة النصرة. وعملت النصرة بأسلوب القاعدة العسكري في العراق مستخدمة السيارات التي يقودها انتحاريون وحققت نقلة نوعية في طبيعة الصراع.
ذاع نجم جبهة النصرة ونجحت في تكوين قاعدة شعبية كبيرة من خلال الأنشطة الاجتماعية والجماهيرية وبرامج مساعدة الأسر الفقيرة لكنها رفضت إعلان البغدادي الدولة الإسلامية في العراق والشام وردت بمبايعتها لتنظيم القاعدة لتنضم لاحقا مع فصائل الثورة السورية بحرب مع الدولة الإسلامية.
لم يكن هجوم الجيش الحر بعد تشكيل "الجبهة الإسلامية" التي تدعمها عدة دول على رأسها السعودية على الدولة "الاسلامية" مفاجئا لها بل كان التوقيت مفاجئا للدولة الاسلامية التي حاولت في البداية تفادي الهجمات وعدم الدخول في حرب كبيرة مع الجيش الحر تفقد خلالها سيطرتها على مناطق في سوريا وبدأت بالتعامل فورا مع المستجدات حيث انسحبت من مناطق وأعادت الانتشار في مناطق أخرى وظلت تناور بعمليات الانسحاب والانتشار حتى استقرت بمواقع استراتيجية ظلت تدافع عنها بقوة
تمكنت الدولة من المحافظة على مواقعها الاستراتيجية المهمة بل تقدمت حتى الحدود مع تركيا وسيطرت على نقاط العبور الحدودية وآبار النفط المهمة لتفتح الحدود مع العراق وتسقط ثاني أكبر مدينة في العراق.
حققت الدولة الإسلامية نصرا كبيرا على الأرض وبنت بلمح البصر دولة كبيرة بحجم الأردن وسيطرت على كميات كبيرة من الاسلحة بينها أسلحة ثقيلة وكميات كبيرة من الأموال من البنوك وأجهزة ومعدات متطورة مختلفة التعددات وبذلك تكون "الدولة الإسلامية" قد كسرت اتفاقية سايس بيكو وعمرها مائة عام وفتحت الحدود وهو ما بعث للشباب المتحمس رسالة مفادها أنها هي من تتزعم الجهاد العالمي-- مدين ديرية-منتج وثائقي "الدولة الإسلامية" .
وخلال لقائي مع أبو ليث الجزراوي وهو متحدث باسم الدولة الإسلامية في العراق على الحدود العراقية السورية قال إن "الدولة الإسلامية" تعرف أن أمريكا لا يمكن ان تبقى في موقف المتفرجة على انتصارات الدولة التي سارعت إلى إعلان الخلافة وظهر الخليفة أبو بكر البغدادي أمام العالم.
إلى الآن لا يعرف حجم القوات البرية وتوزيعها وقوة تسليحها غير ان التقارير تشير إلى أن البنتاغون سيضع 1.24 مليار دولار لتجهيز تسعة ألوية من الجيش العراقي، والتي تم تخفيضها إلى 10 فرقٍ بعد ذوبان ما لا يقل عن أربعة فرق عندما هاجمت "الدولة الإسلامية " شمال العراق خلال ربيع هذا العام.
تدرك المؤسسة العسكرية لقوات التحالف أنه لا يمكن حسم أي معركة من الجو دون أن تكون قوة موازية بالقوة الجوية على الأرض تشاركها الدبابات والمدفعية الثقيلة وهناك تحديات كبيرة تواجه الجنرالات حول عملية تقدم قوات مشاة لمساحات كبيرة تسيطر عليها الدولة "الإسلامية" التي أتوقع أن تستخدم تكتيك طالبان بالانسحاب التكتيكي ومن ثم الهجوم لدى تمركز القوات المعادية في أي نقطة تمركز.
كل التوقعات تؤكد أن قوات التحالف سوف تدعم هجوما شاملا في الربيع القادم وهذا يعود لعدم جاهزية القوات المهاجمة على الأرض وإعادة تسليحها وتدريبها وأيضا لاستقرار الحالة الجوية لتكثيف الهجمات الجوية الضاربة-- مدين ديرية- منتج وثائقي "الدولة الإسلامية" . وفي الجزء الثاني سأشرح تصوري لسيناريو ذلك الهجوم الحاسم. كيف ستتصرف "الدولة الإسلامية" وما هو احتمال صمودها؟