أحمد عبد ربه يكتب لـCNN عن "مغالطات النظام وحلفائه" في مصر

نشر
9 دقائق قراءة
تقرير أحمد عبد ربه
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحضر مؤتمر القمة العالمية لطاقة المستقبل في أبوظبيCredit: KARIM SAHIB/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

أكثر من عام ونصف من المغالطات والإصرار على خلط الأوراق بلا كلل أو ملل ومازالوا مستمرين. رغم كل الشواهد والحقائق مازالوا يمارسون هوايتهم في قلب الحقائق والدفع بأقوال الحق التى يراد بها الباطل. لا تعنينى نية هؤلاء ولا التفتيش في ضمائرهم، فقط أرد عليهم بما أدعيه علما وبحثا، بعيدا عن الكلام المرسل تارة بمخاطبة العواطف، وأخرى باستخدام الدين، وثالثة بالبكاء على الوطن المنهار الذي لا يقدره أبناؤه! فيما يلي أفند أكبر سبع مغالطات تتردد منذ يوليو ٢٠١٣ وحتى الآن بواسطة النظام وحلفائه والمدافعين عنه من مثقفين وفنانين وسياسيين وإعلاميين ومدعى التنوير. لست في خصومة شخصية مع أحد ولكني أدعي أني أدافع عن نفس الوطن الذي يتباكون عليه مستخدمين كل الحيل والألاعيب عمدا أو جهلا أو سذاجة أو انتهازية...العلم عند الله.

محتوى إعلاني

***

أول المغالطات التى يرددها هؤلاء أن المعارضين للنظام هم من الخلايا النائمة الإخوانية أو الطابور الخامس أو العملاء لجهات أجنبية ومخابراتية تسعى لهدم الوطن. تورط في ترديد ذلك مفكرون كنا نحسبهم كبارا وإعلاميون أو هكذا يدعون، فضلا عن سياسيين اعتقدوا بسذاجة أن حرق الخصوم سيوفر لهم مكانا آمنا بجانب النظام. لن أعلق على مصير بعض هؤلاء الآن رغم كل ما قدموه من خدمات جليلة في تشويه معارضي النظام، فلعل غيرهم يتعظ. ولكني أعود للرد على هذه الاتهامات بأنها مجرد ترهات لا دليل عليها، فكثيرون من معارضي النظام الحالي ناصروه في البداية ثم ثبت لهم خطأ حساباتهم، وكلهم خصوم أفكار الإخوان وسياساتهم، كانوا وما زالوا يذكرونهم بانتهازيتهم وشموليتهم التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، لكنهم كانوا ومازالوا يتحفظون على سياسات الإقصاء والشيطنة ليس دفاعا عن خصمهم الذي طالما انتقدوه وثاروا ضده ولكن للحفاظ على مكتسبات ثورة كانوا يعلمون أن انحيازات النظام الحالي مجرد خطوة لتحويلها إلى شعارات خالية من المضامين، وقد كان. أما العمالة للخارج لو كان هناك قانون يحاسب هؤلاء على اتهام الناس بالباطل وبدون دليل لما تجرأ أحد على توزيع الاتهامات جزافا. ولو كانت حقائق لما ترددت أجهزة الدولة في القبض عليهم حتى ولو بشكل تحفظي.

ثاني مغالطاتهم أنه إذا كان الأمن القومي فى خطر فلا حديث عن حقوق الإنسان! وهي العبارة التي نسبوها إلى رئيس الوزراء البريطاني وثبت كذبها ونفتها السفارة البريطانية والسفير البريطاني مرارا. لا يفهم هؤلاء أن حقوق الإنسان ليست موضة غربية أو رفاهية نخبوية كما اجتهدوا لاقناع الناس، ولكنها أحد أهم أعمدة الأمن القومي بمعناه الواسع، فانتهاكات حقوق الناس، بغض النظر عن خلفاياتهم الفكرية أو انتماءاتهم السياسية، تهدر قيم العدل والقانون، ويدفع هؤلاء الضحايا للتطرف الفكري والحركي مشتملا العنف والإرهاب. فأي أمن قومي حفظناه منذ ٢٠١٣ وحتى الآن؟ أي أمن قومي تحقق ومازال الإرهاب يضرب من الداخل ويحصد أرواح الضحايا؟ أي أمن قومي ومازال الشباب يتساقط قتيلا أو جريحا ومن يفلت يجد مصيره السجن؟ أي أمن قومي وكل هذا الشعور بالغضب يملأ النفوس؟

***

أما ثالث المغالطات فهي أن المعارضين للنظام الحالي أو المتحفظين على سياساته لا يبكون لوقوع ضحايا بين رجال الجيش والشرطة، ويبكون فقط إذا ما سقط إخوانيا هنا أو هناك. هذه ليست فقط مغالطة ولكنها انتهازية ومتاجرة بالأرواح أيضا، فالضحايا من جميع الأطراف هم وقود معركة حامية الوطيس يدفع الوطن ثمنها، لا تفرقة إذا بين الضحايا، لكن هناك فرق بين البكاء والشجب والاستنكار وبين تحليل أسباب العنف ودفع مختلف الأطراف إلي تحمل مسئولياتها القانونية والدستورية إزاء دماء هؤلاء، هناك فرق بين أن أتاجر بدم ضحايا رجال الجيش والشرطة وبين أن أبحث عن أسباب تزايد العنف والإرهاب وأحمّل النظام وسياساته القمعية المسئولية عن ذلك.

رابع هذه المغالطات أن المعارضين يدعون للمصالحة مع الإرهابيين، وهذه حيلة أخرى لخلط الأوراق، لا حاجة للتأكيد على أن أي إنسان عاقل يرفض الإرهاب ويشجبه ويستنكره، ولكن مرة أخرى هناك فرق بين أن أدافع عن الإرهاب والإرهابيين وهو قطعا مرفوض، وبين أن أدعو النظام إلى اتباع الوسائل القانونية في ضبط وإحضار هؤلاء المتهمين وفي عدم شيوع الاتهام بالإرهاب وهي السياسة الفاشية الغبية التي تؤدي بالفعل لتزايد أعداد الإرهابيين وتجعل للعنف أسبابا منطقية عند الكثيرين. لا ندعو إلى المصالحة مع الإرهابيين، ندعو إلى تطبيق قواعد القانون والعدالة في الاتهام والضبط والإحضار والمحاكمة، وندعو لدمج الملتزمين بالقانون حتى لو اختلفنا معهم فكريا حتى لا يصبحوا قنابل موقوته تنفجر، وانفجرت بالفعل فى المجتمع.

***

خامس هذه المغالطات أن هناك مؤامرة على مصر تهدف إلى هدم الدولة والايقاع بمؤسسات الجيش والشرطة! وفى الواقع هذا ما نسميه قول الحق الذي يراد به الباطل...هناك مؤامرة. وما الجديد؟ أي دولة محورية لابد وأنها تتعرض للمؤامرات، لكن هنا ثلاث ملاحظات: الأولى أن هناك فرقا بين الإقرار بوجود مؤامرات والبحث عن حلول إصلاحية ديموقراطية لسد الطريق أمامها، وبين الترويج لها وتسويقها بأسماء دعائية كأسطورة حروب الجيل الرابع واستخدامها كمبرر لاتخاذ مزيد من السياسات القمعية الفاشية ضد المخالفين. أما الملاحظة الثانية، فهي أن الداعين لإصلاح الداخلية وإبعاد الجيش عن السياسة لا يهدفون لهدم هذه المؤسسات، بل من يبررون القمع والتنكيل وخلط الحياة المدنية بنظيرتها العسكرية هم من يسهمون في دفع هذه المؤسسات الوطنية إلى الهاوية لا قدر الله. إصلاح الداخلية ومنظومة العدالة ككل، فضلا عن دفع الجيش بعيدا عن حلبة السياسة، هو نداء للحفاظ على الدولة، هو السبيل الوحيد لتحقيق هيبتها، وليس العكس -- أحمد عبد ربه. أما الملاحظة الأخيرة في هذا السياق أن الغالبية العظمى من الدول التي تم اتهامها بالتآمر على مصر هلل لها المغالطون حينما اقترب منها النظام وصالحها أو عقد صفقات سلاح معها. فهل يعقد النظام صفقات سلاح مع متآمرين؟ هل يصالحهم؟

ثم تأتي المغالطة السادسة لتحدثنا عن شباب مصر الذي يهدمه ربما عن عمد أو عن جهل. ونسأل هؤلاء من قتل شيماء الصباغ ومئات غيرها طوال السنوات الأربع الماضية؟ هل مازلتم ترددون أسطورة الطرف الثالث؟ هل تمت تحقيقات نزيهة ومحايدة؟ هل تم محاسبة أحد؟ هل تحمّل النظام مسئوليته؟ من السبب فى قبوع آية حجازي ومئات غيرها، في الحبس الاحتياطي لما يقرب من تسعة أشهر دون محاكمة؟ من السبب في إجبار مواطنين مازالوا في طور الاتهام بنزع اعترافات مسجلة بواسطة الداخلية والتلفزيون المصري وعرضها في نشرات الأخبار؟ هل هذا قانوني؟ وإن كان لا فمن نحاسب إذا؟ لماذا يموت محمد سلطان بالتصوير البطيء في محبسه؟ وما المطلوب من الشباب بعد كل ذلك؟

***

ثم تأتي أكبر المغالطات وأخطرها: عليكم أن تساعدوا السيسي وتمدوا يدكم إليه فلن يفعل شيئا وحده وقد قالها لكم منذ البداية فلا تلوموه!.... حقا؟ بالفعل؟ أسأل: من روج له إذا على أنه أسطورة شعبية مقدسة ومحمية من الإله لانقاذ مصر؟ من ردد أنه لا يحتاج إلى برنامج سياسي بتوقيتات محددة للإنجاز لأنه رجل دولة قوي يعرف خباياها؟ من بذل الغالي والنفيس لتأجيل انتخابات البرلمان بحجة عدم تعطيل الرجل عن القيام بمهامه؟ من يحكم البلاد لشهور بسلطات تنفيذية وتشريعية وبمساندة إعلامية ودعم إقليمي غير مسبوق -- أحمد عبد ربه، من كان ومازال ينصحه بألا يكون له حزب سياسي لأنه لا يحتاج، ما الذي يقيده إذا؟ من الحاكم ومن المحكوم وما هي آليات كل ذلك أيها المغالطون؟

نشر
محتوى إعلاني