هل حقا تتعرض مصر لمؤامرة تقسيم؟ ومن وراءها؟

نشر
10 دقائق قراءة
تقرير أحمد عبد ربه
Credit: GIANLUIGI GUERCIA/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

هل حقا تتعرض مصر لمؤامرة لتقسيم أراضيها وتقطيع أوصالها؟ لا أملك إجابة يقينية، لكني أملك إجابة ظنية وأقول قد يكون هذا صحيحا. قد يكون هذا صحيحا لأنه في التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط حدثت محاولات التقسيم والتفتيت بالفعل، انقسم العراق وتفتت سوريا وراحت لييبا وانفصل الشطر الجنوبي من السودان، ومازالت دول أخرى مثل لبنان واليمن على المحك فضلا عن فلسطين المحتلة بالقطع.

محتوى إعلاني

قد يكون هذا صحيحا لأنه فى تاريخ العلاقات الدولية كان ولايزال صحيحا سواء قبل أو أثناء أو حتى بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقد يكون هذا صحيحا أيضا لأن مصر بالفعل مضغوطة ومستنزفة على عدة جبهات للصراع أو الفوضى أو كلاهما معا. فعلى الحدود الشرقية تأتي سيناء الحبيبة التي أصبحت تدمي قلوبنا بالأعمال الإرهابية المحترفة التي تستهدف الجيش تحديدا. وفي الجنوب تعاني مصر من جار ضعفت حكومته المركزية وأصبح مصدر تهديد للأمن القومي على أطر متباينة. أما في الغرب فحدّث ولا حرج، فليبيا المنهارة تحولت إلى مسرح مفتوح للإرهابين وتهريب السلاح إلى مصر فضلا عن أن التقارير الحديثة تشير إلى أنها أصبحت معقل تدريب وتوريد مقاتلي داعش، هذا قطعا فضلا عن انتشار وتوسع الأخيرة والتهديد الرهيب الذي أضحت تشكله في المنطقة.

هناك أيضا مؤشرات داخلية لهذا التهديد فالصراعات الاجتماعية والاستقطابات السياسية تضغط بشدة على الدولة، وأنا هنا أعني الدولة وليس النظام، فكمية الانقسامات والتهديدات والاحترابات الأهلية أصبحت في مستويات عالية مصحوبة بمساحات متزايدة من عدم الثقة بين قطاعات شعبية تتزايد، وبين النظام السياسي الذي يحكم البلد. هذا قطعا فضلا عن تحولات ثقافية واجتماعية وخاصة لدى جمهور الشباب بفعل أربع سنوات من الحراك الثوري والعنف السياسي المستمر.

***

هذا إذا معناه أن مصر الدولة تواجه مؤشرات حقيقية تنذر بكوارث أمنية ومجتمعية قد يكون من ضمنها أن تتتعرض للانقسام، صحيح أن هذا السيناريو يظل بعيدا، أو هكذا نتمنى، ولكنه ليس أبدا بمستحيل طالما استمرت المعطيات الحالية للمعادلة السياسية بلا تغيير. هنا نكون أمام سؤالين، الأول من وراء هذه المؤامرة حال وجودها؟ والثاني كيف يمكن المواجهة المبكرة لهذه الاحتمالات دون أن نغرق في الكلام التقليدي عن اللحمة الوطنية والنسيج الوطني والوحدة الوطنية؟ ذلك أن الناظر لأحوال مصر في الثمانينات مثلا لم يكن أبدا ليتخيل هذا السيناريو الكابوس الذي نعيش فيه الآن، فمن يدري ماذا يحدث غدا؟

هناك طريقتان للإجابة على السؤال الأول، الأولى يتبعها بعض الإعلامين والجهابذة من المحللين السياسين والاستراتيجين وذلك عن طريق "رص" مجموعة من الدول الأعداء واعتبارهم وراء المؤامرة دون توافر دليل واحد على ذلك، والثانية اجابة علمية منهجية تقارب وتقارن وتبحث عن أصل المعلومات وهي تقودنا باختصار إلى نتيجة واحدة وهي أنه رغم المؤشرات الجلية على وضع مصر المأزوم، ورغم حقيقة استنزاف الجيش المصري على أصعدة عدة داخلية وإقليمية، إلا أنه لا يتوافر دليل واحد يجعلنا نوجه الاتهام إلى دولة بعينها فكل الدول التي تم اتهامها تقيم مصر معها علاقات مكتملة بل وزار أحداها الرئيس المصري الحالي مبرما صفقة سلاح معها ولا أعتقد أنه لو كان يشك للحظة فيها كان قد أقدم على هذه الخطوة.

هنا نتحول إلى السؤال الثاني وهو الأهم: طالما أننا لسنا على يقين من هوية الفاعلين السياسيين، سواء من الدول أو من غير الدول، الذين يقفون وراء ذلك الاستنزاف والاستهداف، فيكون السؤال إذا ماذا عسانا أن نفعل؟

هناك إجابات متعددة تم رصدها خلال الفترة الماضية قدمها كثيرون وخصوصا من المحسوبين على النظام من المفكرين والكتاب، منها إجابة تقول إن الحل يكمن في إعلان حالة الحرب، فعلى الرئيس أن يخلع بذلته المدنية ويعود إلى العسكرية لأنه لا مجال للدلع والشياكة والمدنية في الأوضاع الحالية. وهناك إجابة ثانية تريد ضرب عصفورين بحجر واحد، فتحاول تصفية الحسابات الداخلية مع جماعات الإسلام السياسي على هامش محاربة الإرهاب. وهكذا تحت غطاء الحرب على الإرهاب نتخلص من أعدائنا الإسلاميين دفعة واحدة بغض النظر عن تورطهم في تلك الأحداث أو حتى درجة هذا التورط. ثم قطعا هناك إجابة "كن فاشيا يا ريس" التي تحرض السيسي على التخلص من كل معارض إسلامي أو غير إسلامي. وغيرها من الإجابات التي تريدها حربا مستعرة دون تقدير أنهم يحرقون بأيديهم وبأقلامهم وبأفكارهم مصر التي يدّعون دوما البكاء عليها.

لماذا لم يفكر أحد من هؤلاء في أن الإجابة هي على العكس تماما تتمثل في سياسات الإصلاح والتهدئة والاستيعاب والدمج؟ لماذا لم يفكر أحد في أن الإجابة هي إرساء منظومة العدالة والديمقراطية والحرية وإيقاف الظلم البيّن الذي تتعرض له قطاعات واسعة من المواطنين؟ لماذا لا يفكر أحد أن إعادة بناء وتماسك الجبهة الداخلية هي السبيل الوحيد لإيقاف هذا النزيف الذي قد يتحول لا قدر الله إلى ما يشبه التقسيم؟

***

فى تقديري هناك خمسة إجراءات عاجلة تحتاجها مصر فورا لمنع هذا النزيف وذلك الاستنزاف بغض النظر عن طبيعة الفاعلين الواقفين وراءها والداعمين لها.

أولها يتمثل في إصلاح فوري لمنظومة العدالة وانقاذ القضاء من الفخ المنصوب له حتى لا يتحول إلى خصم سياسي للشارع وهو خطر داهم لمن يفهم ويعي. إصلاح يحاسب مؤسسات العدالة ويصحح مسارها ويجوِد أدائها. إصلاح يبحث في إجراءات غير اعتيادية للإفراج عن آلاف الشباب المحبوس ظلما وفتح صفحة جديدة معه والتوقف عن استعدائه وتصفية الحسابات معه. يشمل هذا الإصلاح، وفورا، تصحيح مسار وأداء الجهاز الشرطي والأهم قطعا تفعيل دور وزارة العدالة الانتقالية التي أظن أن وزيرها لم يعد يتذكر المهمة الرئيسية التي جاء من أجلها.

ثانيا: لابد وفورا من التأكيد على دعم الجيش في كل مهامه الوطنية للدفاع عن الوطن في مقابل ضرورة إعادة المؤسسة العسكرية لتقييم خططها في سيناء والبحث عن سبل حقيقية لاحتواء الأهالي هناك. الخوف كل الخوف هو أن يكون مع كل عملية إرهابية تنفذ رد فعل لا يواجه فقط الإرهابين ولكنه يعرض الأهالي هناك لأذى يحولهم لاحقا إلى داعمين لهذا الإرهاب، وهنا تكون الكارثة مجسدة أمام الأعين.

ثالثا: لابد وفورا من إيقاف تلك الأصوات الفاشية الموجودة في الأبواق الإعلامية أو على الأقل محاسبتها على ما تكتب. هؤلاء يحرقون الوطن، هؤلاء يشعلون النار ويبثون الكراهية ويورطون الجيش في مواجهات مع الشعب، يدعون للفاشية والنازية، لايعرفون سوى دعاوى بث الكراهية والعداء بين الناس فمن يوقفهم؟

رابعا: من الضروري وفورا إيقاف شيطنة الإسلاميين في مصر والتعامل معهم كمواطنين مكتلمي الأهلية طالما لم يتورطوا في أعمال غير قانونية. ومن يرتكب منهم ما يستوجب عقابه، فلابد أن يكون العقاب هو ما يتعرض له أي مواطن في موقف مشابه، تطبيق إجراءات العدالة في الاتهام والضبط والإحضار والتحقيق بدلا من سياسة العقاب الجماعي العشوائي التي تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية وهي السياسة التي تحولهم بالفعل إلى مشاريع إرهابية جاهزة للانفجار في وجه البلاد والعباد.

وأخيرا: لابد فورا من تصحيح كل القوانين التى تحمل شبهة عدم الدستورية، مع إعادة فتح وقراءة ما ورد في الدستور الذي تم تحنيطه لمدة عام كامل. لابد من تفعيل أبواب الحريات والحقوق، لابد من تأكيد قيم المواطنة، لابد من إبعاد المؤسسات الدينية عن لعبة السياسة، فضلا، قطعا، عن دفع الجيش وجنرالته بعيدا عن حلبة الصراعات السياسية حتى يحافظون على وحدتهم وتماسكهم ويتفرغوا لأدوارهم الهامة في حماية الوطن.

نعم هناك موشرات على استنزاف مصر على طريق سوريا والعراق، ولكن حتى لا نكون مثلهما ونتجنب مصيرهما، فلابد من تجنب إعادة انتاج سياسات صدام وبشار، والغريب إننا نستنسخ سياسات كل منهما ومازلنا نعتقد أن مصيرا مختلفا سيكون في انتظارنا. نحن لا نعلم أعداءنا المحتملين في الخارج، لكننا حتما نعلم من هم في الداخل بكل أسف.

نشر
محتوى إعلاني