كيف يرى الخليجيون الإعلام المصري؟
هذا المقال بقلم مصطفى النجار، عضو مجلس الشعب السابق، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN
لم يكن رد فعل الكاتب السعودي الشهير جمال خاشقجي على أحد الإعلاميين المصريين مؤخرا هو بداية الاستياء السعودي والخليجي من أداء الإعلام المصري خلال الفترة الماضية، حيث كتب الرجل محتدا عقب سخرية وهجوم الاعلامي المصري على السعودية (تجاوزات الإعلامي المصري على المملكة تستلزم تدخلا، لو كان الإعلام هناك حرا لما قلت ذلك ولكنه إعلام النظام) ، كلام خاشقجي القاسي هو امتداد لحالة غضب متزايد بين كثير من الأشقاء العرب بسبب ما يرونه فى عدد من الوسائل الإعلامية المصرية من تجاوز وعدم مهنية وإساءةإذا نظرنا لمثل هذه التعليقات قد تأخذنا الحمية الوطنية وقد نندمج فى وصلة هجوم ودفاع عن الإعلام المصرى وقد نهيء لأنفسنا خيالات من نوعية (محدش يقول على إعلامنا كدا) و (إعلامنا يمثل الريادة في المنطقة العربية) ، ولكن إذا كذبنا على أنفسنا هل سيصدقنا الآخرون؟ ساءني للغاية كاريكتير تم تداوله بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية والخليج لمذيع يمسك ميكروفونا ويقف أمامه شخص برأس حمار وكان التعليق المكتوب (هكذا يحول الإعلام المصري الناس)، شعرت بإهانة شديدة لكل المصريين مع هذه التعليقات ولكن عدت لأسأل نفسي: أليس إعلامنا هو الذي أوصلنا لهذا البؤس؟ أليس إعلامنا هو الذى جعلنا أضحوكة العالم؟
ماذا عن إعلام خرج فيه من يقول لقد قمنا بأسر قائد الأسطول الأمريكي السادس، وهددنا أوباما إذا لم ينسحب الأسطول بعيدا عن مصر؟ ماذا عن إعلام ظل يروج ويطبل لجهاز خرافي يعالج كل الأمراض وجعلوا معيار الوطنية هو إيمانك بوجود مثل الجهاز الوهمي وإذا رفضت هذا الخبل جعلوك خائنا وكارها لبلدك وحين تفككت الخديعة لاذوا بالصمت؟ ماذا عن إعلام يفتخر فيه بعضهم بأنهم أمنجية ومخبرون يتلقون الأوامر؟ ماذا عن إعلام أدمن التحريض على القتل وبث خطابات الكراهية وتقسيم المصريين؟ ماذا عن إعلام يخرج فيه من يصف شعبا شقيقا بأنه يعيش على العهر وبيع الأعراض ولا يختفى من قال ذلك من الشاشات بل يتنقل لقناة أخرى مكافأة له على إبداعه؟ ماذا عن إعلام جعل دولة عربية شقيقة محل تخوينه الدائم وظل يصورها للناس على أنها الشيطان الأكبر الذي تأتي كل مصائبنا منه رغم أن هذه الدولة مع احترامنا لها ولشعبها الشقيق لا يزيد عدد سكانها عن سكان حي من أحياء القاهرة؟ ماذا عن إعلام مارس شتم أمهات رؤساء وملوك مختلفين معنا سياسيا ومازال بعض رموزه يكملون مسلسل البذاءة الرخيص؟ ماذا عن إعلام يصر على تعاطي الكذب والخبل حتى فى وقت الحرب الحقيقية الدائرة الآن في اليمن فيفبرك أخبار خيالية من نوعية أن الأسطول المصري احتل باب المندب بعد أن دمر الاسطول الايراني وأرغمه على الانسحاب! وكأن معركة بحرية كبرى بهذا الحجم لن يصورها قمر صناعي واحد ولن يكتشفها صحفي واحد، سوى هؤلاء الجهابذة الذين يلعقون أحذية السلطة نفاقا عبر فبركة مثل هذه الأخبار؟
هل نعلم أن العنوان الموحد بالإعلام المصري والذي أعقب بدء الحرب في اليمن (اليمن تسقط والخليج يستنجد بمصر لإنقاذه من السقوط) مثّل قمة الإهانة لأشقاءنا الذين صاروا يمقتون هذه العنجهية والنرجسية التى لا تستند لمنطق ولا حتى ذوق؟ هل علمنا لماذا قال خاشقجى أن هذا إعلام السلطة؟ هل فهمنا إلى ما كان يشير اليه؟
نستغرب حين نعرف أن عددا من الفضائيات المصرية تدار بتمويل خليجي واجهته رجال أعمال مصريين، ونستغرب أكثر حين نرى التقلبات الحادة التي تبدو على عدد من الاعلاميين الذين تجاوزوا مرحلة التلون إلى مرحلة الطفرات الجينية التي يمسحون معها كل ما قالوه قبل ذلك ويتبنون خطابا جديدا لا علاقة له بما سبق وفي النهاية يطلبون منك أن تصدق أنهم أصحاب رأي حر ومنحازون للحقيقة والمهنية !
لن نتحدث عن الإعلام العالمي الذي صار إعلامنا يمثل له مصدر التسلية والسخرية من كثرة الأكاذيب فيه، ولكننا يجب أن نغضب لهذا الأداء الذي يسيء لكل مصري حين يصبح هؤلاء هم المتحدثون بإسمه، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد لأن هناك لجان إلكترونية منظمة تقوم بنفس الأدوار التي ينفذها الإعلام في الهجوم والتشويه والابتزاز والضرب تحت الحزام في كل من ليس على هوانا.
ربما يأتي يوم نلتمس فيه العذر لمذيع الستينات الذي كان يتحدث عن إسقاط مصر لعشرات الطائرات للعدو الصهيوني وعن وصولنا لتل أبيب بينما كان جنودنا يموتون تائهين فى سيناء، في أكبر نكسة عسكرية في تاريخ مصر، ربما نقول أن هذا الرجل كان يحفز الناس ويلهب حماس الجنود ولكن كيف سنبرر وصلات الشتم والسب والإهانة والتجريح التي تمارسها جوقة تسلطت علينا، وتم تمكينها من منابر الإعلام وتوجيه الرأى العام؟ قبل أن نلوم الناس وتأخذنا العزة بالإثم فلننظر لأنفسنا ولنتذكر المثل الشعبي المصري (الولد الضال بيجيب لأهله الشتيمة).