اتفاق إيران والدول الست فرصة العرب

نشر
7 دقائق قراءة
Credit: MOHAMED EL-SHAHED/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم محمد المنشاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN 

محتوى إعلاني

تتهم دوائر متعددة داخل واشنطن الدول العربية بعدم النضج السياسي نتيجة رد فعلها المضطرب، وبسبب احجام القادة العرب عن البحث عن أي فرصة يمكن اغتنامها من الاتفاق النووي مع إيران. ومع توقع تحول الاتفاق المبدئي لاتفاق نهائي خلال ثلاثة أشهر، ينبغي على قادة العرب البحث بأنفسهم عن طريقة يمكن من خلالها الاستفادة من واقع جديد بدل من صب غضبهم على واشنطن وغيرها. كيف يمكن الاستفادة من عودة إيران للجماعة الدولية وخروجها من قفص الحصار، خاصة بعدما أثبتت خبرة الأعوام الماضية فشل منهج العقوبات.

محتوى إعلاني

صدرت بيانات رسمية من الرياض والقاهرة وعدد من العواصم الخليجية ترحب بحذر بالاتفاق. ويخفي الترحيب الرسمي الحذر حقيقة وجود قلق متزايد معلن يتخطى مخاطر حصول إيران على سلاح نووي. وتعد تطورات الأوضاع الجيو- استراتيجية في الشرق العربي ردة للدول العربية  ولمصالحها الحيوية. ويؤمن العرب أن إيران هي اللاعب الأهم والقوة المهيمنة لكل ما جرى ويجري في سوريا واليمن، ويؤمنون أيضا أن إيران تدير المشهد السياسي في العراق عن طريق تعاون مشبوه يجمعها بواشنطن، ولا يختلف الحال كثيرا فيما يتعلق بلبنان عن طريق الرعاية الإيرانية لحزب الله. وتعتقد القيادة السعودية أن الاتفاق النووي سيؤدي لزيادة القوة الإيرانية بما يهددها، وتستشهد على ذلك بدعم إيران للحوثيين في اليمن رغم إدراكها الكامل أن هذا يمثل تهديدا مباشرا للدولة السعودية. كذلك تتخوف عواصم عربية من احتمال مطالبه مواطنيها الشيعة بالمزيد من الحقوق السياسية عقب توقيع الاتفاق النووي.

تتناسى الدول العربية أن فرض العقوبات على دولة ما هو الاستثناء وليس القاعدة في علاقات الدول. وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ناصبها العرب وواشنطن العداء. ثم  تحولت إيران لنمط مزعج مع سعيها لنشر الثورة خارج حدودها، ثم تورطت طهران في حرب سنوات طويلة مع العراق راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وخسرها الطرفان. ومع تعقد مشهد العلاقات الايرانية الغربية ووصولها لفرض عقوبات غير مسبوقة في التاريخ، وهو ما نال مباركة رسمية عربية، لجأت إيران للعب دور المخرب Spoiler  في قضايا المنطقة، وبررت ذلك بأنه ردا مناسبا على محاولات الغرب والعرب خنق النظام الإيراني. ويرى البعض أن هذا السلوك يمكن تفهمه مع انعدام توافر بدائل أخرى حيث لم يكن لدي طهران ما يمكن أن تكسبه في أي قضية Iran had no stake . من هنا تدرك واشنطن وعواصم  أخرى ضرورة منح إيران وضعا طبيعيا كي تتوقف عن لعب هذا الدور المشبوه وأن يصبح لها مصالح مشروعة كغيرها من الدول، وعليه تصبح جزء من الحل في قضايا المنطقة بدلا من لعبها دورا هداما في العديد منها.  

ومن جانبه يعتقد الرئيس أوباما أن انفتاح بلاده على إيران هو جزء من جهد أوسع لإرساء الاستقرار في المنطقة، ويرى في التراجع الإيراني عن امتلاك سلاحا نوويا ما يعد مكسبا لحلفاء واشنطن من العرب.

مخاوف بعض قادة العرب من إمكانية إقدام واشنطن على بيع مصالحها الإقليمية في الخليج من أجل "صفقة كبرى" مع إيران هي مخاوف لا مبرر لها. تقوم سياسة واشنطن في الخليج أساسا على منع أي قوة أخرى غيرها من الهيمنة، وهو ما يلقى قبولا من الحكام العرب، ولا تبدو واشنطن مستعدة لفتح المجال أمام نفوذ إضافي لإيران. كما يضع الموقف الإسرائيلي المعادي للاتفاق حدودا على مستوى ونوع التطبيع الأمريكي المتوقع مع إيران. من هنا ليس بمفاجأة ما ذكره الرئيس الأمريكي في حواره مع الراديو القومي الأمريكي عقب توقيع الاتفاق من التزام بلاده بالعمل مع شركائها في الشرق الأوسط للتصدي لأنشطة إيران.المزعزعة للاستقرار في المنطقة". من هنا يمكن تفهم دعوة أوباما لقادة دول الخليج الست إلى الاجتماع به في منتج كامب ديفيد خلال أسابيع قادمة.  ويمنح ذلك كله العرب فرصة للتفكير الايجابي في الاتفاق الايراني.

يتم وبخطى متسارعة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ويبدو أن العرب مفعولا به تماما كما كانوا في الحالة الأولى عندما قامت قوى أوروبية بتقسيم المنطقة طبقا لمناطق نفوذها قبل مائة عام. واليوم تقوم القوى الخارجية بدور مدمر مستغلة حالة السيولة التي تشهدها المنطقة العربية. وتساهم الشعوب العربية في تشكيل خريطة المستقبل فقط بدماء الآلاف من أبنائها. وسيؤدي استخدام البعض لنعرات طائفية ودينية ومذهبية ضيقة تعود بنا للقرون الوسطى لتبديد أي آمال في لعب العرب دورا في تشكيل مستقبلهم.

خريطة الشرق الأوسط الجديد التي يتم رسمها الآن تعتمد على وجود شروخ هيكلية في علاقات الدول الإقليمية الكبرى مثل السعودية وتركيا وإيران ومصر. وعلى قادة العرب الاستفادة من نموذج  زيارة الرئيس التركي رجب أردوجان لطهران منذ أيام، وهو الذي تجمعه بطهران خلافات هيكلية سياسية. وجاءت الزيارة بعد توبيخ علني من الرئيس التركي لما وصفه بسعي "إيران للهيمنة على اليمن، وأن إيران تبذل جهودا للهيمنة على المنطقة، وتحركاتها في المنطقة تتجاوز حدود الصبر". إلا أن جلوس قادة الدولتين يمثل تغليب لاتجاه خدمة المصالح المشتركة كأس لعلاقات الدولتين.  

سيؤدي الاتفاق النووي مع إيران إلى ارتفاع نفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربي رغم التراجع الحاد لأسعار النفط. إلا أن تعقيدات وخطورة خرائط الصراع في المنطقة تستدعى أكثر من شراء المزيد من الأسلحة، فهي تتطلب تفكيرا مبتكرا من "خارج صندوق البيروقراطيات السياسية والطائفية".  تستدعى تفكيرا يلزمنا نحن العرب مع جيراننا من الاتراك والإيرانيين والأكراد بالجلوس على مائدة تفاوض تتسع الجميع للبحث في مستقبل أوطان لن تختفي شعوبها، وذلك عوضا عن تكليف الأخرين برسم خرائط المستقبل كما رسموا خرائط الماضي بدماء أبناء شعوب المنطقة.

نشر
محتوى إعلاني