في مصر.. عائلات تبيع أطفالها للمهربين بوهم الهجرة وحلم الثراء
تقول أم إبراهيم إن ابنها غادر في السادس من سبتمبر.. وبعد سبعة أيام قالوا لها إن السفينة التي كان على متنها قد غرقت
ابنها كان في السابعة عشر من عمره حينها، وتقول أم إبراهيم إن المهربين قالوا لها في وقت لاحق بأنه كان على متن سفينة متجهة إلى إيطاليا. مضيفة أن ابنها لم يكن ليذهب طواعية.
هي ليست وحيدة في ذلك، فبينما كنا نتحدث مع أم إبراهيم كانت أم أخرى تجلس وهي تبكي بصمت، منتظرة لتخبرنا قصتها.
أكدت أم كرم إن ابنها لم يسرق سابقا ولم يعمل في التهريب، قالوا له بأنه سيعمل في الصيد لعشرة أيام ثم سيعود إلى المنزل، مضيفة إنها تشعر بالحرقة منذ سبتمبر وحتى هذه اللحظة بسبب ما حدث، فالعائلة عاجزة عن تناول الطعام والشراب أو الحصول على الراحة.
العديد من الأهالي لا يريدون إظهار هويتهم، لكنهم يريدون عرض صور أبنائهم، وهذا هو كرم.. والدته لا تعرف مكانه حتى الآن، وتقول إنه كان من بين ستة شبان من هذه القرية كانوا على متن القارب. كما أن العائلات تبحث عن أبنائها منذ 9 أشهر دون أدنى فكرة عن مكان وجودهم.
وتأمل كلا الوالدتين من خلال رواية قصصهما، أن يتمكن أحد ما من التعرف على ابنيهما.
حققنا في قضية تهريب الشبان من مصر إلى إيطاليا لعدة أشهر الآن، إذ يتم إجبارهم على العمل على متن السفن للتهريب ثم يتم إلقاؤهم في الساحل الإيطالي.
مع انتهائنا من هذه المقابلات، انتشر الخبر بأن محطتنا القادمة في رحلتنا ستكون صقلية، ليزدحم الشارع بالأمهات اللواتي يحملن صور ووثائق أبنائهم.
يبدو أن هذه القرية بأكملها مستعبدة من قبل المهربين، فالأمر أصبح مثل تجارة مربحة ولذا تجمعت الأمهات من حولي، مشيرات إلى أن أبنائهن أجبروا على ركوب هذه السفن والعمل فيها وحراستها، والآن هم مسجونون في صقلية.
التذبذب السياسي في السنوات الأخيرة جر مصر إلى اضطراب اقتصادي.
لذا فإن كل من يستطيع، حتى وإن كان لا يتجاوز عمره العشرة أعوام في بعض الأحيان، يخاطر بحياته محاولا عبور البحر إلى الجانب الآخر، مع احتمالية اعتقالهم أيضا، عبر مداخل تهريب مثل برج مغيزل التي تملأ هذا الساحل
الكابتن محمود وزملاؤه في السفينة نجحوا عدة مرات في رحلاتهم إلى إيطاليا مهربين أعدادا من الأطفال
ويقول إن اللوم يقع على الآباء بقدر ما يقع على المهربين، إذ أن الآباء يبيعون أبناءهم، لأنهم يفكرون في كيفية تحسن حالتهم المعيشية مع انخفاض أعداد أبنائهم أو اعتقالهم بحسب ما يصف.
وإذا تمكن الأطفال المهربون من الوصول إلى إيطاليا فإن ذلك قد يغير مصير عائلاتهم بالكامل.
خرجنا من برج مغيزل، وهناك العديد الآباء الذين يريدون رواية قصصهم في هذه القرى على طول الساحل، لكن قبل وصولنا إلى المحطة الجديدة تلقينا مكالمة هاتفية.
العائلة قالت إنه لم يعد مرحب بنا هناك.. وهذا دليل آخر على تأثير المهربين
هناك قوانين لحماية الأطفال .. لكننا سألنا جهات حكومية، هل هي كافية حقاً؟
الدكتور ناصر أحمد من المجلس القومي للطفولة والأمومة قال "هناك عائلات تفقد طفلا أو اثنين في رحلة العبور إلى إيطاليا ولا تزال ترسل أطفالها، هل يعقل ذلك؟ لا يجب التسامح مطلقا بموجب القانون لمثل هؤلاء المهربين، فهم يغرون الآباء بـ “جنة منتظرة”
وبالنظر عبر البحر المتوسط من هنا، لا بد أنهم يشعرون بوجود أرض الميعاد في الأفق، في متناول اليد، ولكن بالنسبة للكثيرين الذين لا يتمكنون من عبور الرحلة فإن كل ما يجدونه هو المشقة والعناء.