أحمد عبد ربه يكتب لـ CNN: ثورة يونيو أصبحت من التاريخ ونعيش الآن فى ظل نظام 26 يوليو

نشر
9 دقائق قراءة
تقرير أحمد عبد ربه
طائرات تحلق فوق ميدان التحرير في مصر في 4 يوليو 2013 في القاهرة،Credit: GIANLUIGI GUERCIA/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

محتوى إعلاني

فى مثل هذه الأيام قبل عامين، كان الانقسام السياسى يضرب مصر بشدة وكانت شرعية الرئيس السابق محمد مرسى محل تساؤل فيما كانت الميادين تحتشد ضد مرسى أو معه. كان المطلب الأبرز هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهو المطلب الذى رفعته حركة تمرد ووقع عليه الملايين من المصريين الحالمين بمستقبل أفضل واليائسين من حكم جماعة الإخوان المسلمين.

محتوى إعلاني

لم تكن الميادين فقط قاصرة على من يقف ضد مرسى والجماعة أو معهما، ولكن كان هناك آخرون يتيحون الفرصة لمحاصرة يناير ومطالبها وفاعليها استغلالا لأخطاء الإخوان الفادحة فى الحكم وعجز النخب المدنية على تغيير المعادلة بالصناديق، لعل أبرزهم شبكات المصالح التى ارتبطت بالنظام القديم وحزبه الوطنى، وكذلك أجهزة الدولة التى رأت أن هناك ثأرا لابد أن يحصل من ثوار يناير. فقط بعد أقل من ٢٤ ساعة من التظاهرات أعلن الجيش مهلة ٤٨ ساعة لجميع القوى السياسية للتصالح، كان ذلك في الواقع تحذيرا واضحا لمرسى والجماعة وكان الوقت قد ضاع بالفعل لعقد أى مصالحات وانتهى الأمر بعزل مرسى وحل مجلس الشورى وتعطيل دستور ٢٠١٢ وهى الإجراءات التى انقسم حولها المصريون ومازالت محل جدل توصيفا وتحليلا حتى اللحظة.

***

لا تهدف هذه السطور إلي الاشتباك مع جدلية العلاقة بين يناير ويونيو، ولكنها تهدف إلى تتبع أهم الأحداث المفصلية منذ يونيو وحتى الآن لمعرفة ما الذى تبقى منها؟

كانت اللحظة الأولى لاختطاف يونيو وتحويل مسارها يوم٣ يوليو، ذلك أن المطلب الرئيسى بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة قد تم الالتفاف عليه استغلالا لعناد مرسى وسوء تقدير القيادات الإخوانية، وتحول إلى عزل مباشر للرئيس دون استفتاء، وبغض النظر عما إذا كان هذا العزل على حساب الاستفتاء هو قرار الجيش أو قرار رموز القوى السياسية المجتمعة بوزارة الدفاع فى الثالث من يوليو، فبكل تأكيد إن هذه الطريقة فى العزل كانت التفافا على أهم مطالب يونيو، وكان استعجالا لحسم فى تقديرى كان سيأتى عاجلا أو أجلا!

ثم كانت الخطوة الثانية للقضاء على يونيو وهى التى بدت  ثورة تصحيحية لمسار يناير نادت فى خطاب خارطة الطريق بثلاثة مباديء وهى المصالحة الوطنية وبناء مجتمع مصرى قوى والقضاء على الإقصاء، فى الدعوة التى أطلقها وزير الدفاع آنذاك، الفريق عبد الفتاح السيسى، لتفويض الجيش للقضاء على الإرهاب، وهو ما استجابت له قطاعات شعبية عريضة فى السادس والعشرين من يوليو، لتخلى مسؤولية القيادات من أى مسؤولية سياسية أو جنائية لما تلى التفويض من أحداث عنف. كانت خطورة التفويض من زاويتين، الأولى أن المناداة له جاءت من وزير الدفاع آنذاك متخطيا الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء، أما الخطورة الثانية أنها سمحت بالقمع والقتل دون محاسبة وقضت على أبسط مبادئ الديموقراطية والتعددية.

مع فض الاعتصامات فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة بالقوة لم يكن هناك مجال أبدا للحديث عن يونيو، فالقتل الجماعى والفاشية وإماتة الضمائر والانتهاكات الفجة لحقوق الإنسان أنهت السياسة وفتحت الباب للعنف والإرهاب والدخول فى دوامات لا منتهية من سفك الدماء الذى طال الجميع للأسف. أزهقت أرواح مواطنيين ورجال شرطة وجيش وأصبح كل حيا وشارع أو منطقة بها على الأقل أسرة مكلومة ومفجوعة على فقيدها فى ظل تبريرات فجة من النخب المدنية باستثناءات معدودة على الأصابع.

***

كانت الخطوة اللاحقة هي مناداة وزير الدفاع بالترشح لرئاسة الجمهورية، ورغم أن الرجل أكد بنفسه فى أكثر من مناسبة أنه لن يترشح، إلا أنه فعلها استجابة لما أسماه في حينها "استدعاء الشعب"، كان ترشح وزير الدفاع لرئاسة الجمهورية، بحجة أنه "مرشح الضرورة"، بمثابة تأكيد أنه لا مستقبل للدولة المدنية فى مصر، وأننا مقبلون على حكم عسكرى بالفعل. ورغم مراوغة البعض للتحايل على طبيعة وخلفية المرشح الرئاسى القوى، إلا أنه لايمكن إنكار أبدا أن العقلية العسكرية الأمنية هى التى تتحكم فى مقدرات مصر الآن! كانت الانتخابات الرئاسية خطوة لتأكيد أن السياسة في مصر ماتت. فالرئيس الجديد حسمها بدون أدنى مشكلة أو تحدى من الخصم ليس بسبب ضعف الأخير ولكن ببساطة لأنه لا مجال للحديث عن انتخابات أحد أطرافها بطل ومخلص ووطنى! فالانتخابات بالأساس تتم بين سياسيين لديهم حد أدنى من التكافؤ فى الفرص وهو مالم يتوفر في الحالة المصرية!

بالتوازى مع ذلك كان أى شخص محسوب على التيار الإصلاحى أو الديمقراطى داخل النظام يتعرض لحملة تشويه شرسة لا رحمة فيها. تعرض لها أولا نائب الرئيس محمد البرادعى، ثم رئيس الوزراء حازم الببلاوى ونائبه الدكتور زياد بهاء الدين. طالت الحملة الشرسة أيضا المستشار العلمى للرئاسة الدكتور عصام حجى، كما طالت الحملات أيضا بعض أعضاء لجنة الخمسين لوضع الدستور لإجبارهم على التنازل عن صياغات بعينها فى مسودة الدستور أو فك الارتباط بينهم وبين الحراك فى الشارع (قضية تظاهرات مجلس الشورى). وهكذا لم يشفع لأحد تأييده ليونيو، فالأخيرة كانت بالفعل ماتت واستبدلت بترتيبات ٢٦ يوليو ولم يفطن كثيرون إلي ذلك إلا بعد حين.

صحيح أن خطوة الدستور جاءت قبل انتخابات الرئاسة، لكن تفريغ الدستور من مضمونه لم يتم إلا بعد انتخابات الرئاسة، حيث تم الالتفاف حول مواد الحقوق والحريات وباب نظام الحكم بالكامل لتشهد مصر سبات عميق في المشهد وعجز كامل عن تحرير البيئة السياسية، مع تزايد المعتقلين في السجون والممنوعين من ممارسة السياسة، لتشهد مصر عامين من المظلوميات بشكل ربما غير مسبوق فى تاريخها الحديث!

***

وحتى اللحظة البرلمان لا يزال غائبا بعد تسويفات وتأجيلات متعددة، ولا أحد يعلم على وجه اليقين ما اذا كنا سنشهد سلطة تشريعية منتخبة لتنهى هيمنة السلطة التنفيذية على المشهد السياسى أم لا؟ وحتى لو شهدنا انتخابات برلمانية، ففى ظل القوانين الحالية للانتخابات وفى ظل حالة تأميم السياسة الحالة بمصر، فهل سنشهد برلماننا قويا قادرا على تطوير أجندة تشريعية ورقابية بمفرده أم أنه سيتحول إلى حامل أختام هذه السلطة التنفيدية؟

فى كل هذه الأحداث المتتابعة لابد وأن نذكر أسطورة تمكين الشباب التى ذهبت هباء، لابد وأن نذكر بأن عملية إصلاح قطاعات الأمن والقضاء وما يستتبعه من إصلاح منظومة العدالة بالكامل لم تتخذ فيها ولو خطوة واحدة! ناهيك عن الحديث عن ملفات أخرى كالمصالحة الوطنية أو ميثاق الشرف الإعلامى..الخ
ماذا يعنى هذا إذا؟ يعني ببساطة أن يونيو أصبحت من التاريخ، وأن مناقشة علاقتها الجدلية بيناير له أهمية نظرية وأكاديمية بغرض التحليل والتوثيق لا أكثر ولا أقل، أما على الأرض فقد تخطينا يونيو ودينامياتها بكل تأكيد ونحن الآن نعيش فى ظل نظام ٢٦ يوليو ٢٠١٣ (يوم التفويض)، وهو اليوم الذي لم تتضح معالمه وتأثيره على مجريات الأحداث إلا لاحقا. هذا النظام رهانه الكبير هو الحفاظ على ثقة المفوضين (الشعب) فيمن قاموا بتفويضه (الرئيس/النظام) وهذه الثقة بدورها رهينة انجازات النظام اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا وهى الانجازات التى من شأنها أن تحافظ على مساحة الثقة والاستعداد للتغاضى عن مباديء المحاسبة والمسؤولية والشفافية وغيرها من قواعد اللعبة الديموقراطية، فهل يستطيع النظام إذن تحقيق هذه  الانجازات فى وقت قليل؟ إجابة هذا السؤال ستحدد فرص النظام فى البقاء بنفس شروط وقواعد لعبة ٢٦ يوليو، أو إحداث تغيرات جذرية فى المعادلة!

نشر
محتوى إعلاني