بعد الاتفاق النووي.. ما الأهداف الفعلية لزيارة كارتر للمنطقة؟ وماذا عن علاقة واشنطن بـ "محورها التاريخي"؟
هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
ما هي التغيرات التي يمكن أن تطرأ على علاقة الولايات المتحدة بحلفائها التاريخيين في المنطقة العربية؟ هذا السؤال يتصدر اليوم مجمل الحوارات العربية منذ لحظة توقيع الاتفاق النووي بين ايران و مجموعة ٥ +١.
الرسالة الأمريكية الأولى التي تلت توقيع الاتفاق النووي تجلت في رمزية زيارة وزير الدفاع الامريكي اشتون كارتر لإسرائيل والأردن والسعودية. الزيارة سعت في جوهرها للتأكيد على بُعد التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وحلفائها، ولكنها أكدت في الوقت نفسه ان الأمر السياسي والدبلوماسي قد حسم تماماً، وعلى حلفاء الولايات المتحدة استيعاب شكل التحولات الأخيرة وتبعاتها القادمة.
بالرغم من ان زيارة وزير الدفاع جاءت فعلياً كرد فعل على الاتفاق النووي، الا ان الزيارة اختلفت في المضمون والأهداف وحتى في طبيعة الرسائل وفقاً لمحطات الزيارة وجدولها من اسرائيل الى الاردن فالسعودية والعودة للاردن مجدداً.
اسرائيل محطة الزيارة الأولى والأبرز لم تحمل لها الزيارة أي جديد، بل ضاعفت من خيبات حكومة نيتنياهو الرافضة للاتفاق النووي أو بشكل أدق لمجمل سياسات ادارة أوباما. من وجهة نظر سياسية، فاقمت هذه الزيارة من واقع البعد الدبلوماسي بين الادارتين من جهة واختزلت العلاقة مع اسرائيل "نتنياهو" بالبعد الأمني، الأمر الذي أظهر عمق الخلاف السياسي وصعوبة تجسير الهوة الحالية بين الحكومتين، الأمر الذي اختزله كارتر بالقول: "إن الخلاف بين الأصدقاء هو أمرٌ وارد".
اما بالنسبة للأردن المحطة الثانية في جولة كارتر، فالقراءة السياسية تشير الى اختلاف مضمون الزيارة ومواضيعها. اختيار قاعدة الأزرق العسكرية لتكون محطة وصول الوزير الأمريكي ولقائه بالقوات الأمريكية الموجودة والطيارين المشاركين في الحرب على الإرهاب أشار الى اقتصار هدف الزيارة على موضوع مواجهة تنظيم داعش، والمستقبل الذي ينتظر هذه المواجهة بالنسبة لقوات التحالف، خصوصاً مع التطورات السياسية الأخيرة التي قد تستدعي تغييراً جذرياً في شكل واسلوب مواجهة التنظيم الارهابي في سورية والعراق.
الزيارة الخاطفة الى السعودية واللقاء بالملك السعودي ووزير الدفاع شكلت محطة الوزير الامريكي الثالثة. الرياض التي فاجأت الإدارة الأمريكية بعدم اتخاذ أي موقف متشدد من الاتفاق النووي، عادت وكررت على مسامع الوزير الأمريكي هذا الموقف مع بعض التحفظات حول صدقية إيران بالالتزام ببنود الاتفاقية. لكن من وجهة نظر أشمل، تدرك واشنطن والرياض بأن العلاقات فيما بينهما تمر في مرحلة متقدمة من "التوجس" و "التشكيك" خصوصاً منذ اندلاع أحداث ما يسمى "الربيع العربي"، الأمر الذي يعني ان نتائج هذا التوجس لا بد ان تظهر في مفاصل أخرى قادمة.
ان يكون وزير الدفاع الأمريكي هو أول مسؤول أمريكي يزور المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران يجعل من المنطقي الاستنتاج بأن واشنطن معنية في هذه المرحلة بضمان ديمومة علاقة التعاون الأمني مع حلفائها، لكن في الوقت نفسه تشير هذه الزيارة الى اتساع فجوة التناغم والتنسيق السياسي بين إدارة أوباما وحلفاء واشنطن التاريخيين.
أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع ايران، فمن الخطأ النظر الى هذا الاتفاق على أنه مجرد اتفاق عابر. الحقيقة ان طريقة صياغة الاتفاق وشكله وحجم مشاركة وتفاعل المجتمع الدولي في هذه الصياغة يشير ان هذا الاتفاق قد يكون اعلانا لتغيير في شكل السياسة الدولية واعادة صياغة لشكل التفاهمات والتحالفات. الأمر الذي قد يُنبئ بعدم اقتصار التفاهمات الدولية على ملف واحد مثل ملف مكافحة الارهاب بل قد يشمل ملفات سياسية وأزمات بات الوصول الى حل سياسي لها أمراً لا مفر منه من سورية الى اليمن.
النظر الى حجم المحظورات التاريخية التي تم تكسيرها من قبل الولايات المتحدة مؤخراً يشير الى حجم وديناميكية التحولات على مسرح السياسة الدولية، بالرغم من أن هذه الملفات مثلت لسنوات طويلة "تابوهات سياسية" أساسية بنيت عليها السياسة الأمريكية مثل مسألة ايران وكوبا. لهذا قد تكون رسالة واشنطن لحلفائها واضحة، على الجميع استيعاب حجم التغييرات القادمة، وهذا لا يمكن ان يتم دون تحرر حلفاء الولايات المتحدة من عقلية "النمط الواحد" واستيعاب اختفاء صورة "اميركا التي لا تتغير". سياسة محور الولايات المتحدة التي بنيت على فكرة العداء لايران تحتاج الى اعادة قراءة معمقة، لكن الأهم أن يتم استيعاب أن التداعيات الرئيسية لكافة التحولات السياسية الحالية تستدعي التحرر من نمطية الفكر الواحد والإيمان ان السياسة تُبنى على معطيات متغيرة.