عامر السبايلة يكتب لـCNN عن الأسباب "الحقيقية" للدخول التركي الى مشهد مكافحة الارهاب في سوريا
هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
منعطف جديد تدخله الأزمة السورية اليوم مع دخول تركيا رسمياً في التحالف الدولي لمكافحة الارهاب.
كثيرة هي الاسئلة التي يمكن طرحها بهذا الخصوص خصوصاً تلك المرتبطة بتوقيت الدخول التركي وأهدافه الحقيقية المعلنة وغير المعلنة.
ضمن معادلة التأزيم في سورية لعبت تركيا الدور الأبرز فيها على مدار الأزمة خصوصاً على الصعيدين السياسي واللوجستي. لهذا من الصعب قراءة التحول التركي بعيداً عن كثير من العوامل أهمها: الضغط الدولي والتشكيك العلني بحقيقة وطبيعة الموقف التركي المنخرط بدعم او التغاضي عن تحركات الجماعات المسلحة المقاتلة في سورية. بالاضافة الى التحول اللافت في تعاطي المجتمع الدولي مؤخراً مع موضوع الازمات في المنطقة وتحول ملف مكافحة الارهاب الذي بات يتصدر أولويات الأجندة الدولية. كذلك بلاشك كان للاتفاق النووي مع ايران دور كبير في دفع كثير من الدول للتحرك باتجاه الانخراط المباشر في مسيرة التحرك السياسي في المنطقة وتجنب خطر الوصول الى العزلة السياسية والتي كان الرئيس التركي قد عبر عنها مباشرة قبل أشهر عندما قال بأنه لا يخشى العزلة الدولية. اما النقطة الاهم والتي دفعت تركيا بلاشك للتحرك بهذا الزخم هو المناخ المتشكل مؤخراً بخصوص الدولة الكردية الأمر الذي استشعرت أنقرة حجم خطورته.
لهذا فان المعركة الحقيقية بالنسبة للاتراك هي معركة انهاء حلم انجاز الدولة الكردية وان كان الطريق لهذا لا يمكن ان يمر اليوم الا عبر بوابة مكافحة الارهاب واجتثاث تنظيم داعش. لهذا تعود تركيا للتناغم مع التحالف الدولي، لكن ضمن رؤية تسعى لتثبيت الاولويات التركية وضمان أكبر قدر من مصالح أنقرة سواء في محاربة حزب العمال الكردستاني أو الانخراط في التأسيس لفكرة المناطق الآمنة والتي يتم استثمارها لاحقاً كورقة ضغط في اطار الحل السياسي المفترض للأزمة السورية. فالحديث عن" منطقة آمنة" بالتحديد يعيد صياغة المفهوم السابق المتعارف عليه "بالمنطقة العازلة".
المنطقة الآمنة هي المنطقة الخالية من وجود تنظيم داعش الذي يشكل السبب الرئيسي نظرياً " للتحرك التركي" من باب تأثير خطر هذا الوجود على الحدود والداخل التركي. أما في الجزء العملي فان تشكل منطقة آمنة يعني الحاجة أيضا لملئ الفراغ المتشكل وهنا يمكن اعادة طرح فكرة زج بعض التركيبات "المعتدلة" و "الأمنية المجتمعية" التي تم تدريبها في تركيا او حتى "الممرات الانسانية لعودة اللاجئين" لتتحول الى ورقة استراتيجية في معادلة الحل السياسي مستقبلاً، خصوصاً ان فكرة المنطقة العازلة في الشمال او الجنوب السوري لم تحظ باي غطاء امريكي وفقاً لمطلعين على المشهد العسكري في المنطقة، وبالتالي تتلاشى فكرة عسكرة المنطقة الأمر الذي يحتم إيجاد بديل سياسي على الأرض.
اما بالنسبة للتبعات الأمنية للتحرك التركي فالتحليل المنطقي يشير ان اعلان تركيا الحرب على حزب العمال الكردستاني وداعش، قد يضاعف من خطر الانعكاسات الأمنية على الداخل التركي الناتج عن حزب العمال الكردستاني في المقام الاول نظراً لتوغل التنظيم وانخراط افراده بطريقة عميقة في الداخل التركي مما يزيد من صعوبة وتعقيدات عملية التعامل مع التهديدات الأمنية القادمة.
أما من وجهة نظر سورية، جاءت الرسائل من دمشق متعددة، رغبة واستعداد دمشق ان تكون جزءاً من تحالف مكافحة الارهاب ظهرت في عدة تعبيرات لمسؤولين سوريين، لكن تبقى الرسالة الأهم هي تلك التي أرسلها الرئيس السوري بشار الاسد في خطابه الأخير، خصوصاً عندما أقر بنقص الكوادر البشرية للجيش السوري في رسالة اعتبرها البعض أنها تبرير للانكفاءات على الارض وخسارة بعض المناطق من الأرض السورية أو عدم القدرة على فرض النفوذ على كافة الأرض السورية، او حتى استباقاً لمشهد قادم ناتج عن التحولات الاخيرة بدخول الطرف التركي الى أرض المعركة وتوجيهه ضربات داخل الأرض السورية. من وجهة نظر أخرى، يمكن النظر الى الرسالة على أنها تبرير للدور الإيراني ودور حزب الله في سورية. لكن من جهة نظر أشمل، الاعتراف المباشر من الرئيس السوري بحجم الخطر الذي بات يواجه المؤسسة العسكرية السورية يمكن اعتباره رسالة الى المجتمع الدولي المنخرط اليوم في مكافحة الارهاب، فهو فعلياً يدق ناقوس الخطر الذي يعتبر كابوساً للمجتمع الدولي والادارة الامريكية، سيناريو انهيار الجيش السوري ضمن سيناريو مشابه لمشهد تفكيك الجيش العراقي وتحوله لميلشيات مقاتلة يصعب ضبطها أو السيطرة على السلاح الذي تملكة. وبالتالي فان الرسالة تحمل قسطاً من التحذير للمجتمع الدولي الذي يستعد لصياغة تفاهمات جديدة في شكل مكافحة الارهاب تشير الى ضرورة ادراك ان حجم الضغط الذي يواجهه الجيش السوري قد يولد نتائج يصعب السيطرة على تداعياتها مستقبلاً لكنها بلاشك ستزيد من صعوبة وسوداوية المشهد الحالي.