عامر السبايلة يكتب لـCNN عن لقاء الدوحة: السعودية بين قطبي المرجعية الدولية الجديدة

نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عامر السبايلة
Credit: AFP/GETTYIMAGES

هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

 

محتوى إعلاني

رمزية مؤتمر الدوحة

لا يمكن النظر إلى لقاء الدوحة الأخير بين وزراء خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف والسعودية عادل الجبير على أنه لقاء عابر. الحقيقة أن حيثيات هذا اللقاء وطبيعته تشير بوضوح إلى إعلان ولادة مرجعية دولية جديدة تظهر فيها موسكو وواشنطن جنباً إلى جنب وهم يخوضان في تفاصيل قضايا المنطقة.

اللقاء الذي مهدت له فعلياً مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتشكيل تحالف في مواجهة الإرهاب بدء يأخذ بعداً جديداً. فاللقاء من الجانب النظري يأتي في سياق التطمينات الدولية لدول الخليج العربي لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي مع إيران.  لكنه فعلياِ لا يقتصر على موضوع الاتفاق النووي بل يأتي في سياق التحولات السياسية الأخيرة ووقوف المنطقة على أعتاب مرحلة التسويات السياسية. اللقاء الجوهري الذي جمع وزير الخارجية السعودي مع نظيريه الأمريكي والروسي قد يمثل حجر الأساس الذي بني عليه لقاء الدوحة.  السعودية الحليف التاريخي للولايات المتحدة والتي كانت قد طلبت ضمانات فعلية بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، تجد نفسها اليوم في نقطة قريبة من موسكو التي يبدو أنها استطاعت عبر امتناعها عن استخدام حق الفيتو في المسألة اليمنية "قص شريط البداية" في العلاقة الاستراتيجية مع الرياض. لهدا فمن المنطقي أن تسعى روسيا لطمأنة السعودية بعد الاتفاق مقابل مواقف فعلية تخدم سياسة موسكو في مناطق أخرى وأهمها سوريا.

لقاء المرجعية الدولية الجديدة مجتمعين (موسكو – واشنطن) بالمنظومة الخليجية هو لقاء تطميني لكنه من جهة أخرى لقاء يشير إلى رغبة دولية حقيقية في موضوع إنهاء أزمات المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية. أما رسائل التصعيد الأمريكي المتزامنة مع عقد هذا اللقاء والمتعلقة بموضوع تقديم غطاء جوي للمعارضة السورية المعتدلة التي دربتها واشنطن، فلا يمكن النظر إليها إلا من باب ملء الفراغ لحين تشكل صورة أوضح لشكل التفاهمات التي تسعى واشنطن لصياغتها. فالأغلبية تجمع أن مسألة تدريب ما يسمى المعارضة المعتدلة هو أمر تجاوزه الزمن وحتى الاستثمار الكلامي لمثل هذا الطرح لم يعد مجدياً.

 

مصر السعودية -  إيران تركيا

بالعودة إلى موضوع المرجعية الدولية الجديدة وطبيعة التعامل مع قضايا المنطقة، لا شك أن الاتفاق مع إيران وتحولها إلى قوة شريكة في المنطقة كان يستدعي إفراز قوة موازية في إطار السعي لخلق حالة من التوازن الاقليمي الأمر الذي دفع بمصر إلى الواجهة. ضمن هذا السياق، شهدت الأحداث مؤخراً تغيراً لافتاً في موقف الولايات المتحدة من مصر ومن قبله كان تقارب موسكو مع القاهرة بالإضافة إلى طبيعة العلاقة الخليجية المصرية الأمر الذي صنع عوامل متعددة أعادت القاهرة لتشغل نقطة التوازن الأساسي في المنطقة وجزء رئيسي من أي صياغة مستقبلية لشكل التسويات القادمة. المشهد الاقليمي اليوم يبرز أربعة دول قد يتم التعامل معها دولياً لصياغة التفاهمات الجديدة لمجمل القضايا في المنطقة: إيران، مصر، السعودية وتركيا. فبينما تجد السعودية نفسها في حلف إجباري لا اختياري مع القاهرة تسعى أنقرة لإعادة تموضعها بعد جولات من الرهانات الخاسرة والانخراط المفرط في مجمل ملفات التأزيم في المنطقة الأمر الذي قد يدفعها أكثر باتجاه طهران. لكن إن كانت أنقرة مضطرة للبحث عن وسائل للنأي بنفسها عن تهم الانخراط في دعم الإرهاب والإرهابيين في المنطقة، فالسعودية مضطرة أيضاً للبحث عن طريقة لإنهاء حرب اليمن والخروج من الازمة بأسرع وقت حتى لو كان ذلك عبر وساطات دولية.

خطر العزلة السياسية

اما الدول التي تجد نفسها خارج هذه المعادلة الجديدة فبعضها قد يواجه فعلياً خطر العزلة السياسية. الأردن على سبيل المثال على تماس مباشر مع ملفات الأزمة السورية والفلسطينية من جهة ومن جهة أخرى منخرط كلياً في ملف مكافحة الإرهاب. بالرغم من ذلك تشير القراءة المنطقية لمسار الأمور اليوم إلى خطورة تشكل حالة من العزلة الأردنية والمرشحة للتفاقم ضمن معادلة (ع ع) "عجز وعزلة". قراءة المشهد الدولي ضمن صورة التحولات الأخيرة واستيعاب تداعيات ولادة مرجعية دولية جديدة هي بلا شك إحدى المتطلبات الرئيسية لكسر طوق العزلة المتشكل.

كثير من المراقبين اعتبروا أن السياسية الأردنية في السنوات الاخيرة أظهرت أزمة حقيقة في التعاطي مع مجمل الملفات الاقليمية وأن كثيراً من الأخطاء التي ارتكبت قد يتعذر إصلاحها. فالعلاقة مع الخليج على سبيل المثال، بدءً من طرح موضوع الانتساب لمجلس التعاون الخليجي وصولاً إلى حالة انعدام الشراكة الاستراتيجية، كذلك التخبط في قراءة الاتفاق النووي الايراني وحالة التردد السائدة وعدم استباق التعامل مع تداعياته. يضاف إلى ذلك الأخطاء في التعامل مع ملف الأزمة السورية وفوضى التصريحات العشوائية المتعددة والسيناريوهات الافتراضية عداك عن الخروج الكامل من ملف التسوية الفلسطينية.

المطلوب حكومة أردنية نوعية تستطيع التعاطي مع التحولات على الصعيد الدولي وتداعياتها الاقليمية. مطلوب تبني نمطية جديدة في العمل الدبلوماسي وخلق نوع جديد من الحكومات السياسية القادرة على الدخول إلى ملعب السياسية الاقليمية الحالي بصورة تبدد خطر السقوط في فخ العزلة. لهذا لا بد من خطوات نوعية تكسر جمود السياسة الأردنية المفرغة من أي رؤية استباقية وتقدم قراءة نوعية لمواجهة شكل وديناميات التغير غير التقليدي الحالي والقادم.

في النهاية، ما ينطبق على الأردن قد ينطبق على دول أخرى، فالاستحقاقات القادمة ضمن مناخ تشكل المرجعية الدولية الجديدة كثيرة ومتعددة، والتفاهمات الحالية لا بد أنها تسعى لوضع قطار التسويات على سكته قريباً الأمر الذي يستدعي تبني سياسات قادرة على مواكبة التحولات القادمة.

نشر
محتوى إعلاني