ما هي تعقيدات المشهد التركي الأمنية؟ وانعكاساتها على الواقع السياسي؟

نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عامر السبايلة
Credit: Uriel Sinai/Getty Images

هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

لا تزال تداعيات التحرك العسكري التركي في الشمال السوري و الموجه فعلياً ضد حزب العمال الكردستاني تتجلى بصورة يومية و بأشكال متعددة. القراءة المنطقية لطبيعة التحرك التركي كانت تشير إلى استحالة أن يمر استهداف أنقرة للمقاتلين الأكراد دون انعكاسات أمنية حقيقية تشهدها المدن التركية. اللافت في المشهد الحالى هو تضاعف الهجمات على الداخل التركي و تزامنها مع تعقيدات التركيبة السياسية واقتراب الوصول من نقطة استحالة تشكيل الحكومة مما يعني العودة الى صناديق الاقتراع خلال الأسابيع القادمة مع استمرار سيادة الأجواء الأمنية المضطربة.

معادلة الانتخابات التركية

محتوى إعلاني

أظهرت الانتخابات التركية الأخيرة انحساراً جزئياً في شعبية حزب العدالة و التنمية و حرمت الحزب من انجاز حالة الاكتساح و التفرد في صياغة القرار السياسي التركي. لا بل أن النتائج الاخيرة كانت كافية لتضع حداً لحلم أدروغان بتحويل تركيا إلى جمهورية رئاسية وبالتالي توسيع دائرة نفوذه الشخصي و السيطرة التامة على السلطة التنفيذية. و اذا كانت اسباب الانحسار هذه تعزى الى سياسة أردوغان تجاه أزمات المنطقة و انخراطه المباشر في دعم بعض التيارات في البلدان العربية او في دعم و تسهيل مهمة كثير من الجماعات المقاتلة في سوريا الامر الذي كان له أثر سلبي على السياسة التركية و نظرة المجتمع الدولي لها، و حتى على الواقع الامني في تركيا الذي شكل الاستقرار في السنوات الاخيرة نقطة القوى الابرز لاستقطاب الاستثمارات و انتعاش السياحة بصورة مميزة. لهذا فان الخطوة العسكرية التركية الاخيرة المتمثلة باستهداف حزب العمال الكردستاني المنخرط فعلياً في قتال داعش، ستنعكس بلاشك بصورة واضحة على الداخل التركي لا بل انها ستزيد من عوامل التهديد الامني لعوامل الاستقرار في تركيا، الامر الذي قد يؤدي الى تغييرات سياسية كبيرة على خارطة المشهد التركي سواء على الصعيد العام و نظرة الناخبين الى سياسة حزب العدالة و التنمية الاردوغاني، او على الحزب نفسه خصوصاً مع تعمق الشرخ السياسي بين أردوغان و كثير من شركاءه و حلفاءه السابقين.

 إن الفشل في  تشكيل حكومة تركية يعني منطقياً ان الـ 27 يوماً المتبقية قد تشهد ارتفاعاً في منسوب التهديدات الامنية للداخل التركي الامر الذي قد ينعكس بوضوح على نتائج الانتخابات القادمة. خصوصاً ان كثير من الجهات الامنية الاوروبية المطلعة تؤكد استمرار انخراط أنقرة في عملية ادخال المسلحين الى سوريا بالرغم من الاعلان التركي عن خوض الحرب ضد تنظيم داعش مما يعني أن عيون الشك ما زالت تلاحق السياسة الاردوغانية سواء في الادعاء بخوض الحرب ضد داعش او في حقيقة المآرب من استهداف الاكراد. اذاً اذا كانت السياسة التركية الداعمة للفوضى في سوريا و طبيعة خطابات الرئيس التركي على حد تعبير قيادات شابة في حزب العدالة و التنمية هي أحد اسباب انحسار شعبية الحزب، فان رعونة السياسة الاردوغانية الحالية باستهداف الاكراد ونسف عملية السلام معهم قد تشكل العامل الاكبر لحسم الانتخابات القادمة بصورة مختلفة يضطر معها الحزب للتخلي عن وزارات سيادية  والانخراط بشكل متساوي في تشكيل حكومة تركية مع اطراف أخرى، أو كما يرى بعض المختصين في السياسة التركية ان نتائج الانتخابات القادمة قد تدفع بعض الاطراف المتضررة من السياسة الاردوغانية لتشكيل حزب جديد يضم في صفوفه شخصيات مهمة من طراز الرئيس التركي السابق عبدالله غول أو حتى رئيس الوزراء الحالي أحمد داوود أوغلو.

تركيا والعزل الاقليمي

في اطار التحولات في مسألة التعامل مع المعطيات الجديدة للحرب على الارهاب، اقتنصت الولايات المتحدة ما كانت تريده من تركيا، استخدام القواعد الجوية التركية و خصوصاً قاعدة انجرليك. الصفقة السياسية التي تحدثت عن "المناطق الامنة" تعد في جوهرها صفقة غير واضحة المعالم، و لكنها بلا شك لا تحتوي على تصور واضح لشكل و ماهية هذه المنطقة. الحقيقة، ان تصريح حلف شمال الاطلسي"الناتو" بأنه ليس جزء من اي مشروع لمنطقة عازلة أو آمنة، و أن ما تحدثت به أنقرة هو اتفاق ثنائي يجمعها مع واشنطن هي اشارة واضحة بعدم وجود غطاء دولي للعرض التركي بانشاء مثل هذه المنطقة، مما يعني ان الاتفاق مع الولايات المتحدة في النهاية افضى فقط الى استعمال واشنطن للقواعد التركية في الحرب على داعش و لكن يبدو أن  طبيعة التحرك التركي في هذا السياق وضعت أنقرة في مواجهة أمنية مباشرة في الداخل التركي.

على صعيد آخر، يشكل التحول السعودي اللافت في التعاطي مع الازمة السورية و انخراط الرياض المباشر في مفاوضات الحل فرصة لاحداث تحول مهم في مسار ايجاد حل سياسي للازمة السورية. التقارب السعودي الروسي والمبادرة الايرانية و اعادة خطوط التواصل مع النظام في سوريا عبر زيارة وزير الخارجية وليد المعلم الى مسقط كلها تشير الى بداية تشكل بوادر مهمة للحل عبر تقريب وجهات النظر بين خصوم الامس. اللافت في كل هذه المعطيات أيضاً غياب تركيا  –الي الان- عن الحراك الدبلوماسي للازمة الامر الذي يشير ان سياسة أنقرة الحالية مازالت تساهم في وضع تركيا في زاوية العزلة السياسية، الامر الذي قد يتزامن منطقياً مع تصاعد حالة انعدام الامن الداخلي و بالتالي انشغال أنقرة داخلياً على الصعيدين الامني و السياسي. مناخات حل أزمات المنطقة بدأت تتشكل و المطلوب من كافة الاطراف اليوم ان تساهم في تسريع هذه التسويات لا تعطيلها، لهذا قد يدفع البعض الثمن الاكبر لعدم القدرة على التكييف مع المتغيرات القادمة.

نشر
محتوى إعلاني