عامر السبايلة يكتب لـCNN: أبعاد جديدة لحالة التأزيم التي تجتاح الشرق الأوسط
هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
مناخ التسويات الذي بات يلوح بالافق الاقليمي بدأ يلقي بظلاله على كافة تفاصيل المشهد الشرق أوسطي. حالة التأزيم التي تجتاح المنطقة منذ سنوات بدأت تأخذ أبعاداً جديدة خصوصاً مع توسع رقعة الاضطرابات السياسية.
في لبنان تظهر مخاطر الانزلاق في فخ أزمة معمقة، لكن يبقى السؤال الأبرز لماذا لبنان الان؟
مع اسقاط حكم الاخوان المسلمين في مصر بدأت مشاريع الدولة الدينية والطائفية بالانحسار، خصوصاً مع محاولات مصر استعادة حالة التوازن العربي، الأمر الذي انعكس ايجاباً على معادلة البحث عن حل سياسي مدعوم عربياً للازمة السورية. الاقرار بأن الحل السياسي للأزمة السورية هو المخرج الوحيد هو نتاج طبيعي للتغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة في السنتين الاخيرتين، خصوصاً مع ظهور الحدث الأبرز المتمثل بتوقيع الانفاق النووي مع إيران. كل هذه المعطيات كان لابد لها ان تلقي بظلالها على الوضع السياسي في لبنان الذي مثّل النموذج التطبيقي الأول للطائفية السياسية والمرتهن في طبيعته لمواقف الدول الاقليمية. لهذا فان معطيات التغيير الاقليمي والدولي كان لابد ان تظهر انعكاساتها على الداخل اللبناني حتى لو بدأت المسألة تتمحور حول مواضيع خدماتية الا أنها لا بد أن تنتهي باعادة صياغة للصيغة السياسية لادارة الدولة. فالمعادلة السابقة لم تعد صالحة اليوم خصوصاً مع استعداد طرف كبير في المعادلة اللبنانية للدخول الى المشهد السياسي من زاوية جديدة تتوافق مع مناخ التسويات المفروضة في المنطقة وضرورة التكيف مع المعطيات الجديدة.
على الصعيد الآخر، تظهر بوادر الأزمة القادمة على المشهد الفلسطيني برمته، خصوصاً مع تعثر كافة محاولات التسوية المنفردة ووصول المسألة الى طريق مسدود. فالرهانات الاسرائيلية الأخيرة على اعلان "يهودية الدولة" سقطت مع سقوط مناخ التقسيم الطائفي والديني في المنطقة وبالتالي كان لها انعكاس على التركيبة السياسية للسلطة الفلسطينية التي وصلت ضمناً الى طريق مسدود يستدعي تغييرات جذرية لانقاذ ما يمكن انقاذه من اشلاء المشهد الفلسطيني. الرئيس الفلسطيني محمود عباس "المنتهية ولايته منذ العام ٢٠١٠" يبدو انه فقد كافة أوراقة الخارجية، فهو لم يعد خياراً للمجتمع الدولي وبالتالي لم يعد من الممكن الابقاء عليه خارج اطار الشرعية. لهذا تعود خيارات الرئيس الفلسطيني اليوم الى الداخل الفلسطيني في محاولة واضحة للهيمنة على شكل التغييرات المحتملة مع تعاظم احتمالية خروجه من المشهد مرغماً في الوقت القريب القادم.
لكن كثير من التساؤلات لابد من طرحها خصوصاً مع تعثر ايجاد أي صيغة من صيغ الحل وانتهاء ما يسمى بحل الدولتين. مناخ التسوية السياسية في سوريا وتهيئة المناخ الاقليمي يعني منطقياً زوال كل العوائق من طريق عودة الأمور الى خيارات سابقة من طراز "مشروع ريغان ١٩٨٢" الذي بدأ يراه البعض اليوم على أنه الصيغة الأكثر قابلية للتطبيق. فجوهر المشروع الذي طرحه الرئيس الامريكي ريغان آنذاك بني على اعطاء صيغة من الحكم الذاتي للفلسطينيين بشرط ارتباطهم ادارياً بالأردن، لكن المعطيات التي رافقت الطرح الامريكي آنذاك أدت الى تجميد المشروع، لكن يبدو ان مجمل أدوات تجميد المشروع الأمريكي آنذاك تبددت مما يجعل اعادة طرح المشروع بصيغة محدثة واردة جداً.
الأزمة الفلسطينية لا بد ان تقودنا ضمناً الى الاردن والذي بدأت معالم "الجمود السياسي" بالظهور فيه بوضوح. فالمنطقة التي باتت تتحضر لفتح ملف التسويات الشاملة قد تفرض على الأردن دوراً في تحمل نتائج التحولات في بعض الملفات وأهمها الملف الفلسطيني.
المنطقة على أعتاب الدخول في مرحلة التسوية الاقليمية وأخطر ما يميز ملف التسوية هو تداخل وتقاطع اوراق التسويات وتفاصيلها المختلفة. لهذا فان الحديث عن ضرورة ايجاد تسوية سياسية في سوريا يعني ضمناً ان ملفات المنطقة الراكدة والمعطلة باتت على وشك التفعيل، الأمر الذي قد يفرض تغيرات حقيقية في تركيبة ونهج وشكل كثير من اللاعبين في المنطقة وفي الوقت نفسه يفرض تحديات غير مسبوقة على التركيبات الوطنية للدول المنخرطة بترتيبات التسويات القادمة.