هل تنتهي حرب الوكالة بسوريا والعراق سريعاً ويبدأ التدخل الدولي البري قبل موعده؟
هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الاسلامية، والآراء الواردة أدناه لا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
على مدى الأسبوع الماضي، عقد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) سلسلة لقاءات مغلقة، شارك فيها رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي وكبار الضباط، وتم تخصيصها للبحث في أسباب فشل برنامجيْ «تدريب وتجهيز» قوات عسكرية للقتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وإنشاء «حرس وطني» في العراق.
كما تنوي واشنطن إعادة هيكلة برنامجها الخاص بتدريب مقاتلي "المعارضة المعتدلة" على قتال "الدولة الإسلامية" في سوريا، حسبما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" الاثنين 7 سبتمبر/أيلول نقلا عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية لم تكشف عن هوياتهم.
ففي سوريا، غالبية المقاتلين ترغب في قتال قوات النظام، ما جعل البرنامج الأميركي المصمم لقتال «داعش» حصراً لا يتناسب مع طموحات المتطوعين، فأحجموا عن الانخراط فيه، أما في العراق فقد وقفت الطائفية مانعا لنجاح هذا المشروع بسبب فقدان الثقة بين قوات العشائر والقوات الحكومية ذات الغالبية الشيعية والمدعومة بأكثر من 100 ألف مقاتل من الحشد الشعبي الذي شُكِّل بعد فتوى أكبر المرجعيات الشيعية في العالم اية الله السيستاني اثر اجتياح الموصل في شهر يونيو 2014.
فقد قال قائد الفرقة السورية المدربة أمريكيا النقيب عمار الواوي في حواره مع صحيفة تلغراف البريطانية في 21 آب/أغسطس الماضي، ناقدا برنامج البنتاغون الذي خرج فقط 54 مقاتلًا سوريا خلال ثمانية شهور بهدف قتال تنظيم الدولة الاسلامية: "بهذه السرعة سنحتاج الى 38 سنة لتخريج الـ 15000 مقاتل".
قائد الفرقة 30 من المعارضة السورية المعتدلة التي دربها البنتاجون، اتهم الولايات المتحدة بأنها فشلت في حمايتهم، مجبرة إياهم على التضرع لجبهة النصرة لرحمتهم وإطلاق سراح مقاتليه اللذين ألقت عليهم القبض بعد قتلها لـ5 منهم.
قتلى وجرحى واتهامات بالخذلان موجهة الى التحالف الدولي بسبب فشله في حمايتهم كانت هذه أبرز النتائج العكسية للبرنامج الأمريكي عندما دخل في التطبيق الفعلي.
فالبرنامج بدأ متعثرا من أوله وكثيرة هي الانتقادات التي وجهت للمسؤولين عنه، فقد قال السيناتور الأمريكي جون ماكين في السابع من شهر يوليو/تموز الماضي "هناك خلل واضح في برنامج تدريب المعارضة السورية المعتدلة" وربما يكون ذلك الخلل حسب المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد بسبب الإدارة الأمريكية التي حاولت تدارك الأزمة وعملت على برنامج تدريب المعارضة السورية ظناً منها أن الشعب السوري سيترك الأسد وسيتفرغ لقتال داعش، لكن المشاركين في التدريب خيبوا ظن الإدارة الأمريكية، وفق ما صرح به لصحيفة القدس العربي في السابع من شهر يوليو الماضي.
هذا البرنامج كان فاشلا من أوله، فصعوبات تحقيق أهدافه بدأت منذ الأشهر الأولى عندما هددت الفصائل المشاركة فيه بالانسحاب بعدما طُلب منهم التوقيع على تعهد بالعمل على محاربة داعش فقط والالتزام بعدم استخدام الأسلحة المقدمة لهم ضد قوات الأسد وهو ما لم تستطع الولايات المتحدة فرضه بإلزام المتدربين بعد التخرج بمقاتلة تنظيم الدولة وعدم توجيه السلاح للنظام لأنهم لا يريدون حلا عسكريا لإزاحة النظام السوري بل يريدون قتال داعش بالوكالة.
لقد نسيت أمريكا أن سياسة المكيالين التي تنتهجها في التعامل مع الملفات الحساسة في المنطقة وخاصة الملف السوري تساهم في تأجيج الطائفية وتشجيع الأنظمة القمعية لمزيد سفك الدماء وتدمير الأحياء السكنية بالبراميل المتفجرة وقتل المدنيين.
وفي هذا السياق قال زعيم جماعة المعارضة السورية مصطفى سيجري لصحيفة ميدل إيست بريفينج: "اذا كانت الولايات المتحدة تريد مساعدتنا، فإنه يمكنها وقف البراميل المتفجرة التي تلقيها قوات الأسد والتي ندّد بها مجلس الأمن الدولي، وذلك بدلًا من أن يقولوا لنا تجنبوا محاولة إطلاق النار على الطائرات التي تقتل شعبنا كل يوم، لدينا خيارات لمحاربة الأسد بخلاف البرنامج الأمريكي وسنقاتل الأسد والدولة الإسلامية بغض النظر عن شروط الولايات المتحدة أو أي شخص آخر."
هذا التمرد والرفض من المعارضة السورية الذي لم تعهده القيادة الأمريكية جعل العديد من المراقبين يتوقعون أن يكون الفشل نتيجة حتمية لهذا الرهان دون انتظار دخول هؤلاء المتطوعين الجدد لساحة المعركة، ما يعني أن 500 مليون دولار كلفة تدريب ما بين 3000 الى 5000 مقاتل سنويا قد تذهب هباء منثورا خاصة أمام الاقبال الضعيف لمقاتلي الجيش الحر وعدم توفر الشروط المطلوبة في أكثرهم، وخوف الجانب الأمريكي من أن ينظم بعض هؤلاء المقاتلين بعد تخرجهم الى التنظيمات الجهادية المنتشرة في كامل أنحاء سوريا وخاصة داعش.
كل هذه التنبؤات من قبل المراقبين كانت مصيبة في أغلبها، فقد بدأت الفصائل المدربة دخول المعارك وقتال تنظيم الدولة، الذي نقلت الصفحات الموالية له على شبكات التواصل الاجتماعي صور قتلى لمن قالت انهم عناصر من الصحوات المدربة أمريكيا وتركيا قتلوا جراء معارك مع التنظيم.
الحرب السورية مازالت تؤججها القوى الكبرى التي تتفاوض فيما بينها لايجاد البديل المثالي للنظام السوري وعن الخطط الأنجع للقضاء على تنظيم الدولة الاسلامية،ويبقى بعد كل هذه المفاوضات والتجارب الجديدة ذلك السوري البسيط يعاني الويلات من بطش بشار ومعارضيه ومن عنصرية الحكومة النمساوية والسلوفاكية التي رفضت استقبال الهاربين من مجازر النظام لأنهم سوريون مسلمون،ويبقى المواطن العراقي يسمع ما يُستقذر ويُكره من عبارات الشتم والسب عند عبوره للحواجز المنتشرة في كامل أنحاء العراق.
من المرجح أن تصريح الرئيس باراك أوباما في خطابه في «اكاديمية وست بوينت العسكرية»، العام الماضي، بأن عقيدته في السياسة الخارجية ترتكز على مكافحة الإرهاب بالاشتراك مع قوات محلية حليفة تقوم واشنطن بتدريبها وتسليحها سيبدأ تعديله فعليا بعد النتائج السلبية للرهان الأمريكي على المقاتلين المحليين، خاصة بعد تأكيد رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديبمسي في نفس تلك الفترة أنه في حال فشل مشروع أوباما سيتم العودة الى «اللوح» لرسم خطة جديدة، والتي يبدو ان الاجتماعات رفيعة المستوى التي عقدها «البنتاغون» الأسبوع الماضي، هي بمثابة العودة الرسمية والفعلية الى هذا اللوح للبحث عن خطة جديدة.
فما هي الخطط البديلة التي ألمح اليها ديمبسي يا ترى؟ وهل تنتهي حرب الوكالة سريعا ويبدأ التدخل الدولي البري قبل موعده المحدد؟