الشايع يكتب لـCNN عن لاجئي سوريا والتهاون الدولي مع الأسد: موقف السعودية مشرّف وعلى العالم وأغنياء المسلمين التحرك

نشر
9 دقائق قراءة
Credit: afp/getty images

مقال للداعية السعودي، خالد الشايع، الباحث الإسلامي المتخصص. المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.

محتوى إعلاني

الرياض، المملكة العربية السعودية (CNN) -- لا يخفى ما يكابده إخوتُنا أهل سوريا من بطشٍ وإجرامٍ وعدوانٍ على يد طاغية الشام بشار الأسد وعصاباته، ومَنْ تواطأ معه في ذلك البغي وبخاصة إيران وروسيا. وهذا ما اضطر كثيراً من إخوتنا للنُّزوح عن ديارهم واللجوء إلى الدول المجاورة، والهجرة إلى ما يمكنهم الوصول إليه من الدول.

محتوى إعلاني

وكانت الدول الأوربية وجهةً لكثير من السوريين، فركبوا للوصول إليها البحر بقوارب متواضعة وشاهدنا بكل ألم وحسرة غرق العشرات منهم.

غير أن أكثر الحكومات الأوروبية وجد لديها التردد في استقبالهم، ونصبت الأسلاك الشائكة لمنع تنقلهم، إلى غير ذلك من الإجراءات التي صاحبها الإذلال والإخلال بالكرامة الإنسانية، مما لا تتفق مع ما تعلنه أوروبا من رعاية حقوق الإنسان. ولم يشفع لأولئك المهاجرين من معهم من أطفال ونساء، ولا الحال البئيسة التي يعلمونها في سوريا.

وفي خضم ما تنقله وسائل الإعلام من صور محزنة لأحوال إخوتنا السوريين الذي فروا من طغيان الأسد ليواجهوا مصيراً مؤسفاً، إما غرقاً في البحر، أو إذلالاً على حدود الدول، فهنا أربع وقفات مهمة:

أولاً: لا شك أن سبب النزوح واللجوء هو تهاون المجتمع الدولي مع الطاغية بشار، حيث ترك له المجال لقتل المدنيين مستخدماً سلاح الطيران والصواريخ والبراميل المتفجرة، ولم تقف الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا المجتمع الدولي ضد هذه الممارسات الإجرامية المحرمة في كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية، بل إن مكر السياسة الدولية أوجد من يبرر هذه الأعمال الوحشية، فلم يجد المدنيون بداً من الابتعاد والنُّزوح للإبقاء على أرواحهم وأرواح أطفالهم ونسائهم.

ثانياً: إن من المتعين على حكومات الدول جميعاً أن تكون لها وقفة الرحمة والبر والإحسان مع هذا الشعب السوري المغلوب على أمره، فإذا كان المجتمع الدولي قد خذلهم في استنقاذهم من طغيان رئيسهم بشار، فلا يصح أن يتكرر خذلانهم عند لجوئهم وهجرتهم بحثاً عن النجاة والحياة. فالإيواء والإغاثة حقٌّ لجميع بني الإنسان، دون تمييز بينهم بلون أو ملةٍ أو جنسٍ أو غير ذلك، قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة/2] وقال سبحانه: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة/32].

وأول من يتوجب عليه بذل المساعي في هذا الشأن الجليل: الدول الإسلامية، وبخاصة هيئاتها ومنظماتها الإسلامية والعربية، وبخاصة أيضاً "منظمة التعاون الإسلامي" و "جامعة الدول العربية"، فالواجب تكوين خلية عمل لإدارة هذه الأزمة، وتنسيق جهود الإيواء والنُّصرة والإغاثة. وتقديم أنواع الدعم.

ويتعين أيضاً على أغنياء المسلمين والموسرين منهم أن يقدموا لإخوتهم المهاجرين السوريين والنازحين من أموالهم التي آتاهم الله، فيبادروا لهيئات الإغاثة المتخصصة والمعتمدة لدعمها، حتى تبرأ بذلك ذممهم ويجيبون سؤال الله لهم، كما في الحديث القدسي: "أما علمتَ أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي " رواه مسلم.

وقد وعد الله على ذلك الأجر الجزيل فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال/74] ففي الآية مدحٌ من الله لأهل هذه الصفات ، ومنها الإيواء والنُّصرة: وهذا ما كان الأنصار من أهل المدينة الذين فتحوا للمهاجرين قلوبهم ، واستقبلوهم أحسن استقبال ، حيث أسكنوهم منازلهم ، وبذلوا لهم أموالهم ، وآثروهم على أنفسهم ، ونصروهم على أعدائهم ، وما أحوجنا اليوم لاقتفاء آثارهم مع كثرة مصائب المسلمين.

ثالثاً: نسجل التقدير لبعض المسؤولين في بعض الدول الأوروبية الذي كانت لهم مواقف إنسانية مشرفة نحو اللاجئين السوريين، إلا أن هذه الأزمة كشفت عن عنصرية بغيضة لدى بعض الجهات والأشخاص في أوروبا، وافتقادهم لأبسط المبادئ الإنسانية في الكوارث والحروب، فتعرض إخوتنا المهاجرون السوريون للإذلال على الحدود وفي بعض الدول الأوروبية كما وثقته عدسات الإعلام، وكذلك التعامل معهم على أساس عنصري وديني، وهذا ما حذرت منه منظمات حقوقية عدة ، حيث تقول منظمة هيومن رايتس ووتش: "إن حالة معسكرات اللاجئين في المجر مرعبة وإن السلطات تعاملهم كالحيوانات."

وحذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الدول الأوروبية من التعامل مع المهاجرين السوريين على أساس ديني أو عنصري. وسبب ذلك ما تم رصده من بعض الدول في هذا المزلق المصادم لمبادئ حقوق الإنسان.

رابعاً: لقد كان من مجافاة الحقيقة والمزايدات الرخيصة أن يحاول البعض اتهام المملكة العربية السعودية بالتقصير نحو إخوتنا السوريين، وهذه الدعوى ظاهر عوارُها، فالمملكة لم تزل أياديها البيضاء متوالية بلا منٍّ ولا أذى نحو المسلمين وعموم المشردين، بالعون والمساعدة والإيواء على أراضيها وفي بلدان المشردين، فخدمة المملكة للإسلام والمسلمين في جميع أقطار العالم في أعلى درجات سلم أولوياتها، فقدمت بسخاء جميع أنواع الدعم، الذي استفادت منه معظم الدول العربية والإسلامية.

فبحسب البنك الدولي: المملكة الأكثر سخاءً في تقديم المساعدات طوال العقود الأربعة الماضية.

وتفيد إحصائيات الأمم المتحدة: أن نسبة عطاء ومساعدات المملكة تجاوزت 6% من إجمالي دخلها القومي متبوأةً بذلك المركز الأول في العالم في مجال المساعدات غير المستردَّة.

وفي ملف القضية السورية: تعاملت المملكة مع الأشقاء السوريين منذ اللحظات الأولى لمحنتهم التعامل الذي تقتضيه الأخلاق الإسلامية، سياسياً وإغاثياً.

استقبلت المملكة منذ اندلاع الأزمة في سوريا، ما يقارب المليونين ونصف المليون مواطن سوري، إخوةً وافدين وليسوا لاجئين، ومنحت لمن أراد البقاء منهم في المملكة الذين يبلغون مئات الألوف، الإقامة النظامية، وصرفت تأشيرات عمل مؤقتة لطالبيها، وكذلك الرعاية الصحية لكثير منهم، وكذلك قبول أولادهم في التعليم المجاني في مدارس المملكة للبنين والبنات 100 ألف طالب وطالبة.

وما يفوت من إحصاء هذه المبادرات كثير، حيث يتنافس المواطنون السعوديون مع حكومتهم في بذل ما يستطيعون نحو أشقائهم. وأما الحملة الوطنية السعودية لإغاثة الأشقاء السوريين فتعتبر نموذجاً سامياً في تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب المتضررة من وطأة الحروب، وشملت تأمين الاحتياجات اللازمة للنازحين السوريين من وسائل تدفئة وحصص غذائية وخدمات صحية وعمليات إيواء وإسكان للنازحين.

كل ذلك يقدم بنفوس محبة مقبلة بلا منَّة، ولا تبتغي بذلك جزاء ولا شكوراً إلا من رب العالمين، ولذلك لم تجعل المملكة هذه الأعمال مجالاً للتسويق السياسي ولا غيره، فالهدف السامي للمملكة حكومة ومن ورائها شعبها أن ينعم أشقاؤنا السوريون بالأمن والاستقرار، وأن يتخلصوا ممن أعملوا فيهم آلة القتل والتشريد.

ومهما يكن من أمر فالأمل بالله أن يجعل الفرج العاجل على خير وحسن عقبى لإخوتنا في سوريا، فمع اشتداد هذه الفاجعة يترقب المؤمن الفرج بين عشية وضحاها، كما قال رب العزة سبحانه: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا () إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)  [الشرح/5، 6] .

نشر
محتوى إعلاني