رأي.. "أمريكا وروسيا.. هل نشهد حرباً على الأراضي السورية أم تمهيداً لتعاون مستقبلي؟"
هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
الاتفاق على مكافحة الارهاب والاختلاف على كيفية مواجهته يعني منطقياً غياب اي استراتيجية لمواجهة الارهاب والتأكيد على عدم فعالية وقدرة العمليات الحالية على اجتثاثه، اي بمعني آخر العودة الى النقطة "صفر" والدخول في فوضى البحث عن بدائل للتعامل مع الارهاب المستشري، سواء بالعودة لمشاريع تدريب المعارضة المعتدلة او تفعيل الجماعات الموجودة على الارض في سوريا.
مع تعاظم الحديث عن تحول لافت في الوجود الروسي على الارض السورية تكون قد برزت تحديات حقيقية جديدة أمام مسار الأزمة السورية. بعد لقاء الدوحة الذي ظهر فيه وزيري الخارجية الروسي لافروف والامريكي كيري معاً وكأنهم متفقين على الإطار العام لحل مجمل ملفات المنطقة خصوصاً آلية وشكل مرحلة الانتقال السياسي في سوريا وأولوية مكافحة الارهاب، أصرت الولايات المتحدة على تبنى نغمة عدم اشراك الجيش السوري او التنسيق معه في مواجهة الارهاب في الداخل السوري، مما عطل البدء بعملية التسوية السياسية.
من جهة أخرى، تشير كافة المعطيات الامنية الى تحول نوعي روسي في التعاطي مع الازمة على الارض في سوريا، سواء عن طريق التواجد البشري او النوعي التكنولوجي مما يعني أن عمليات مكافحة الارهاب القادمة في سوريا قد تشهد تحولاً لافتاً. كثير من القراءات تعزز فرضية تعاظم احتمالية الصدام بين الولايات المتحدة وروسيا على الارض السورية، لكن القراءة المنطقية لمسار الامور الحالية تشير ان فرض الواقع الجديد قد يعزز فكرة التعاون العسكري الاجباري مستقبلاً، فاذا كانت الولايات المتحدة تعتبر ان التنسيق مع الجيش السوري يشكل معضلة كبيرة فإنها فعلياً قد تتجاوز هذه العقدة إذا ما اضطرت للتنسيق مع روسيا مستقبلاً مما يعني في النهاية تنسيقاً غير مباشر مع سوريا.
الاستراتيجية الروسية الحالية ُتبنى على فكرة الركض الى الامام واغلاق كافة منافذ المناورة الامريكية المستقبلية في احتماليات التلويح بالحرب او التدخل العسكري المباشر او فكرة المناطق العازلة لكن في المقابل تُبقي على نافذة الحل السياسي مفتوحة وبالتالي تصر ان تكون مراحل هذا الانتقال مدروسة بعناية ويتم تنفيذها بحذر شديد حتى لا تتكرر السيناريوهات المأساوية التي يستحيل التعامل معها لاحقاً.
الاستثمار الروسي الحالي يأتي في خضم حالة من التحولات في المواقف لدى كثير من الدول. فاستمرار الازمة وتوسعها بدأ يقود الكثيرين الى خلاصة مفادها استحالة التعامل مع الاخطار الارهابية الحالية وشكل انتشارها والنتائج المترتبة عليها بنفس الطريقة التي تم التعامل بها في السنوات الاخيرة مما يستدعي تغييراً حقيقياً في اسلوب التعاطي مع الوقائع على الارض.
اطالة أمد الازمة في سوريا وعدم الوصول الى نقطة انطلاق الحل السياسي يضع كثير من علامات الاستفهام على طبيعة السياسات التي تتخذها الدول المعطلة للحل التي قد تمثل أيضاً اليوم في فكرة معاقبة اوروبا عبر الدفع بموجات كبيرة من اللاجئين كرد فعل على افشال او عدم دعم مشاريع المنطقة العازلة او التدخل العسكري المباشر في سوريا، او الانسياق مع سياسات الضغط باتجاه انهيار الدولة السورية او حتى الاستثمار الكبير بالجماعات المسلحة التي لا يمكن التمييز بينها اليوم. كل هذه المعطيات تشير ان الطرح المنطقي للحل لا بد ان يبدأ عبر تفاهمات حقيقية لحجم الاخطار المترتبة على استمرار التعامل مع الازمة بهذه الطريقة، فالقراءة المنطقية تشير ان التعنت ورفض الحلول المقترحة منذ "جنيف 1" جعل كثير من الدول الرافضة لتلك الطروحات تتقبلها مرغمةً اليوم، لهذا يبقى السؤال الابرز: "هل تضيع الولايات المتحدة فرصة أخرى وتقبل مستقبلاً بكل ما ترفضه اليوم؟"