قالب جديد لواقع متغيّر.. إنشاء هياكل ذات مغزى لماضي ومستقبل اليهود المغاربة

نشر
10 دقائق قراءة
تقرير يوسف بن مئير
Credit: ABDELHAK SENNA/AFP/GettyImages

هذا المقال بقلم يوسف بن مئير، والآراء الواردة أدناه لا تعكس بالضرروة وجهة رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

وضع في مطلع عام 2015  السيد جاكي كادوش، بصفته رئيس الجالية اليهوديّة في مراكش – الصويرة، أفكاره لمسودّة مخطط وطني للجالية اليهوديّة في المغرب التي قوامها 4.000 فرد. وهذا جرى خلال نقاش واسع النطاق في مرّاكش مع د. يوسف بن مئير (رئيس مؤسسة الأطلس الكبير – وهي منظمة غير حكوميّة أمريكيّة –مغربيّة وصديق للسيد كادوش منذ عقدين من الزمن.)

محتوى إعلاني

الجالية اليهوديّة في المغرب جديرة بالذكر وبنشر أخبارها.

إنّها متواجدة في المنطقة، في المدن والأماكن الريفيّة، لألفي عام بدون انقطاع – ولو أنها مرّت بفترات حالكة وأخرى هادئة – وتقطن الأغلبية العظمى الآن ما وراء شواطىء المملكة.

تمثّل هذه الجالية تجمّع مميّز وهامّ ضمن المجتمع اليهودي العالمي الذي يشكّل فيه اليهود من أصل مغربي نصف مليون إلى مليون نسمة. ويتمتّع هذا الشتات بعلاقة قلبيّة – تُعامل رسميّا ً بالمثل – مع البلد المُضيف السابق. وبالفعل، فقد ذُكر مرارا ً وبشكل علني بأن الأمة قد ترحّب بعودة جماعيّة لجاليتها اليهوديّة.

وكما هو الحال بالنسبة للسكان اليهود المقيمين الذين يشكّلون شريحة صغيرة من المجتمع المغربي، يبقى هناك تراث مادي وغير مادي مهمّ يشكّل جزءا ً من التراث الوطني المتعدّد الثقافات الذي يلتزم المغرب بصيانته واستعادته، وذلك بشكل ٍ مثالي ضمن إطار التنمية البشريّة.  أضف إلى ذلك، فإن مساهمة الثقافة اليهوديّة، المشاد بها في دستور الدولة لعام 2011، تشكّل موضوع نقاش بدأ يأخذ مجراه ما بين بعض أفراد الجيل الشابّ من المسلمين المغاربة الفضوليين بما يتعلّق بجانب من تراث بلادهم قلّما يصلون إليه مباشرة.

وتمّ التعبير عن الإعجاب – وحتّى الإندهاش - في استمرار بقاء المجتمع وشرعيته، جنبا إلى جنب مع المسيحية، في هذه الدولة المسلمة على وجه الحصر تقريبا ً. وفي الوقت نفسه، تم الإعراب عن الأسباب الاقتصادية والثقافية لتفكيكه من الداخل لأكثر من عقد وفي مقال للنيويورك تايمز في الآونة الأخيرة يتساءل بصورة مؤثرة من سيبقى من جهات راعية لهذا التاريخ المشترك المهم والنسيج الحضري.

تشكّل السنوات القادمة فترة حرجة للجالية فيما يتعلّق بديمغرافيتها وتمويلها ورعاية تراثها، وكذلك فيما يتعلّق بالسياق الأوسع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالطبع الشؤون الدوليّة أيضا ً.

نحو هندسة جديدة.

لمواجهة هذا التحدي الذي يحمل أيضا ً بذور الإمكانات، يقترح السيد كادوش (الذي كان أبوه المرحوم، السيد هنري كادوش المحترم، أحد قادة اليهود المغاربة في مراكش وعلى المستوى الوطني) طريقة أو أسلوبا ً ذات شقين. فمن ناحية جوهريّة قد يشمل هذا النظام المركزي الكامل للجالية اليهوديّة ولربّما – بشكل ٍ مضادّ للحدس، بناء جديد.

من ناحية لوجستية، قد تمّ التوصل لنقطة لم يعد فيها نظام لا مركزي صالحا ً، وهو  الذي خدم في الماضي السكان اليهود بشكل جيد عندما كانوا كثيري العدد وموزعين في جميع أنحاء المغرب.

وفي الدار البيضاء، حيث المركز الفعال لحياة اليهود والإدارة منذ الثلاثينات، تمّ تصور لجنة مركزية ورئاسة فرديّة، مع ممثلين إقليميين في مدن مغربية أخرى ذات تجمعات صغيرة ولكنها نشطة (التي يوجد منها حاليا ستة: أغادير، فاس، مراكش ومكناس والرباط وطنجة). سيتم تشكيل لجنة أخرى للإشراف على رعاية 267 مقبرة رسميّة وأكثر من 600 موقع مقدس ريفي (وهذه الأخيرة يمكن العثور عليها بشكل ٍ خاصّ في المناطق الأمازيغية التقليدي. سيتم إنشاء متحفين للتراث اليهودي في شمال وجنوب البلاد. يوجد متحف واحد حاليا في الدار البيضاء - الوحيد من نوعه في العالم العربي. موقع المتحف الثاني قد يكون مراكش، حيث ينظر تقليديا إليها بأنها عاصمة الجنوب والتي تعود ملّتها إلى القرن السادس عشر وتشكل أكبر حي سكني لغير المسلمين في العالم العربي. وأخيرا، سيتم فتح أرشيف مركزي في الدار البيضاء لحفظ  مجموعات من الوثائق ذات القيمة الثقافية التي لا تقدر بثمن، المنتشرة حاليا في جميع أنحاء المغرب.

الأساس المنطقي المالي للاقتراح يعتمد على الأعداد المتناقصة للجالية اليهودية، التي تعتبر من الناحية التقليدية الجهة التي تقدّم الأموال للمساعي المجتمعية. ويقدر السيد كادوش Kadoch (مع الأخذ بعين الإعتبار إلى أنه شخصيا يدفع رواتب لمقدمي الرعاية لبعض المقابر الريفية) أنه في غضون أربع سنوات على الأكثر ستكون الخزائن فارغة. أضف إلى ذلك، فإن جاليته في مراكش سوف تتوقف عن العمل في عشر إلى خمس عشرة سنة وفي الدار البيضاء نفسها في ضعف هذا الوقت.

ولتوفير الأموال، يقترح السيد كادوش إجراء دراسة لما تبقى من الملكية الجماعية اليهودية، مع تفويض الدار البيضاء لبيع ما ليست هناك حاجة له وذلك للحفاظ على المواقع الجديرة بالذكر وترميمها وكذلك لتوفير احتياجات المجتمع الحالية (على سبيل المثال الرعاية لكبار السن وتعليم الشباب.)

عند نقطة تتوقّف فيها الجالية اليهودية المنظمة في المغرب عن الوجود، ينبغي أن يضمن مزيج من الثقة المحلية والشراكة المركزية استمرار حماية التراث الثقافي. ويسلط السيد كادوش Kadoch الضوء على الحاجة إلى وضع خطط أولية في العامين القادمين للعثور على شركاء، مغاربة ودوليين، بما في ذلك المؤسسات التي تعمل نيابة عن الجاليات اليهودية المغربية في جميع أنحاء العالم.

.إن خسرنا تاريخنا....خسرنا روحنا.

جنبا إلى جنب مع هذه الحاجة الملحة يكمن الشعور بالمسؤولية - تمشيا مع توجيهات جلالة الملك محمد السادس - لإعلان القيمة الثقافية الفريدة من التجربة اليهودية في المغرب إلى مجتمعها الديني وإلى العالم بأسره، فضلا عن الشعور بالحزن للكنوز المفقودة الى غير رجعة.

بشكل ٍ عام، إذا توقفت أرض المغرب المجتمعية لاحتواء أي شيء يهودي متميز، سيعود هذا تلقائيا إلى الدولة المغربية وتختفي أيضا ً القيمة التراثية الخاصّة.

لقد كان هذا بالفعل مصير ما يصل إلى 40 في المائة من المواد الأرشيفية القديمة، إما نتيجة لضرر لا يمكن إصلاحه في الموقع أو من خلال ما يسرّب إلى خارج البلاد من قبل التجار عديمي الضمير.

في مواقع الدفن الريفية النائية، على الرغم من استمرار الإحترام المحلي، تحتاج شواهد القبور إلى ترميم والقائمون على رعايتها إلى توظيف، وذلك لمنع السكان المحليين من الاستيلاء على الأرض والعيش فيها، ضامنين فعليّا ً اختفاء القبور. وفي هذا الصدد تعمل الحكومة المغربية بنشاط بالفعل، حيث أكملت معظم المخطط لبناء جدران واقية حول المقابر اليهودية الرسمية.

وفي حين أنّ الأراضي الصالحة للزراعة والمنتجة متوفرة جنبا إلى جنب مع المواقع المقدسة اليهودية، يمكن استخدام هذه الأراضي لإنتاج الأشجار والنباتات الطبية لصالح المجتمعات الزراعية الإسلامية المحلية، كما هو الحال بالنسبة لمشروع "دار الحياة" (House of Life ) بقيادة مؤسسة الأطلس الكبير. بهذه الطريقة تستمرّ العلاقة المجتمعية والمقبرة نفسها تستفيد من إجراء آخر للحماية.

الحاجة للتفكير قدما ً

وعلى الرغم من حالة الإستعجال، يلاحظ السيد كادوش Kadoch عدم وجود الزخم في العملية نظرا لمظاهر الاستمرارية؛ فالجالية اليهودية نشطة، ممثلة في وسائل الإعلام، وخاصة في مناسبات الأعياد، تضخمت من قبل العديد من الزوار، في كثير من الأحيان مع إرتباطات عائلية بالمغرب، وغالبا ً الترحيب على أساس المدى الطويل لأسر وافدة من الخارج، جنبا إلى جنب مع أطفالهم.

في الجوهر، ما يمكن أن يكون في عملية إنشاء داخل المملكة هو مجتمع يهودي من مستويين يتألف من شريحة واحدة متقدمة في سنّ الشيخوخة، تقليدية التفكير وأكثر احتمالا ً لحضور المناسبات المجتمعية، وأخرى، أصغر، وأقل انتماءا ً من الأولى، ولكن تدرك بالتأكيد تراثها. لربما هو الحال أنه إلى جانب إنشاء هياكل معمارية، يجب أن تبدأ محادثة جديدة تنطوي على مشاركة أكبر عدد ممكن من السكان اليهود في المغرب لكي يزدهر هذا البرعم الجديد إلى أقصى درجة ممكنة.

وأخيراً، وهذا متأرجح – ممكن واقعيّا ً أن يزيد سكان المغرب اليهود في العقود القادمة بتشجيع ٍ من الحكومة بسبب التحام أي عدد من العوامل الوطنية والدولية (وخاصة عدم الإرتياح داخل يهود أوروبا وكذلك لمنح جوازات سفر لأحفاد اليهود الذين طردوا من شبه الجزيرة الإيبيرية منذ خمسمائة سنة.)

وفي السعي إلى مركزة الهياكل القائمة وبناء أخرى من جديد، فإن السيد كادوش Kadoch يستعدّ في الواقع  لعدد من الاحتمالات، لصالح المجتمع اليهودي ولجميع المهتمين في إمكانية الحوار والتعايش.

نشر
محتوى إعلاني