رأي: مصالح روسيا وإيران مع النظام السوري "استراتيجية" وليست "عائلية"
مقال لكارول تشوكسي، أستاذة في الذكاء الاستراتيجي في كلية المعلوماتية والحوسبة في جامعة إنديانا الأمريكية، وهي أيضا الرئيسة التنفيذية لشركة "إيراد" للاستشارات الاستراتيجية، وجمشيد تشوسكي، أستاذ بارز ورئيس قسم الدراسات الأوروبية الآسيوية الوسطى داخل مدرسة الدراسات العالمية والدولية في جامعة إنديانا الأمريكية. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتبين ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- روسيا تعود إلى الشرق الأوسط، وأكد هذه الحقيقة صور الرئيس الروسي المبتسم فلاديمير بوتين وهو يحيي الرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة الروسية موسكو فيما يُعتقد أنها أول زيارة للرئيس السوري في الخارج منذ اجتاحت الحرب الأهلية بلاده في عام 2011.
وفي حين كان الإعلان مفاجأً، ليس الاجتماع بالشيء غير المتوقع، فبعد كل شيء، يرى البعض بوتين في دور المنقذ، إذ حتى حليفة أمريكا السرمدية، إسرائيل، بدأت بتقبل عودة الكرملين، وإنشاء خط ساخن بين جيشي البلدين لتجنب الاشتباكات الجوية.
ولكن الواقع هو أن تحركات موسكو مضللة، وسيكون لها نتائج عكسية حتى لمصالح روسيا الخاصة.
أهمية سورية الجيوستراتيجية لروسيا هي، بطبيعة الحال، ساحل البحر الأبيض المتوسط، فالميناء السوري في طرطوس، والذي تسيطر عليه طائفة العلوي، هو المنشأة البحرية الروسية الوحيدة خارج روسيا وشبه جزيرة القرم.
كما يُذكر إعفاء الأسد من 9.8 مليار دولار من الديون لروسيا في عام 2005 بحسب ما تداولته الصحف، ولكن دعم روسيا لم يقتصر على المال، فقد قبلت موسكو وحشية الأسد كما قبل الاتحاد السوفياتي وحشية والده، وينعكس ذلك في نقض روسيا أربع مرات لتصويت مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة بإدانة حكومة الأسد في أكتوبر/تشرين الأول 2011 وفبراير/شباط 2012 ويوليو/تموز 2012 ومايو/أيار 2014.
وفي الوقت نفسه، كان العراق وروسيا يبنيان علاقات يعود تاريخها إلى العلاقة طويلة الأمد بين الاتحاد السوفياتي والدولة، عندما دعمت البعثيين في العراق، والتي شمل دعمها بيع معدات عسكرية لنظام صدام حسين.
وفي الآونة الأخيرة، تعتقد الأغلبية الشيعية في العراق، على ما يبدو أنها لا تتلقى المساعدات الكافية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتصدي تنظيم "داعش" الإرهابي، وحثت من خلال لجنة في البرلمان العراقي للدفاع والأمن بالاتجاه إلى موسكو طلبا للمساعدة.
ويدعم مسؤولون عراقيون آخرون هذا الطلب، الذي يتبع الإعلان عن المساعدة الروسية بموجب اتفاق التعاون في مجال الاستخبارات والأمن، والذي يضم كلا من سوريا وإيران.
وبالفعل، عبرت صواريخ كروز الروسية، التي أُطلقت من سفن تابعة للبحرية في بحر قزوين، المجال الجوي الإيراني والعراقي تجاه خصوم الأسد، بما في ذلك متمردين مدعومين من الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، يُقال إن موسكو تُشغل مركز الاستخبارات والعمليات العسكرية التي يعمل بها الروس والإيرانيين والسوريين والعراقيين في المنطقة الخضراء في بغداد. وإذا استطاعت الوصول إلى ميناء في المياه العميقة في أم قصر وميناء شط العرب من البصرة، فإن باستطاعة القوات البحرية الروسية أن ترسو في الخليج الفارسي، الذي تُعتبر ممراته الملاحية حيوية لإمدادات الطاقة العالمية.
وبطبيعة الحال، لا يُشكل العلويون والشيعة تهديدا لسلطة موسكو، ولكن يهدد المتطرفون الإسلاميون السنة الروس، كما اتضح من هجماتهم داخل روسيا في السنوات الأخيرة. وردا على ذلك، بدأ كهنة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية باللجوء إلى الحرب المقدسة، أيضا، إذ انتشرت صورة حديثة تُظهر كاهن يُبارك الطائرات المقاتلة قبل طلعاتها الجوية ضد السنة. ونظرا لذلك، يعلم بوتين أن العنف الطائفي يلوح في الأفق، وهو عازم على اجتثاث جذوره.
والمشكلة هي أنه من خلال الانخراط في الصراعات السورية والعراقية مع القوات الخاصة والمستشارين، تُغذي روسيا إغراء الجهادية بدلا من ثبطه. فالعشرات من رجال الدين السعوديين بالفعل يُصدرون دعوات للجهاد، من خلال قتال العلويين والشيعة والروس أيضا، كما فعلوا بنجاح في أفغانستان خلال الثمانينيات من هذا القرن.
كل ذلك يقترح بأن خطة إعادة التوسع في الشرق الأوسط، تقلل من أمان الدولة الروسية، وهو يُشير كذلك إلى الحاجة إلى توقف إدارة أوباما من الوقوف على الهامش والعمل على التأثير على تصرفات روسيا بعيدا عن التسبب في مزيد من عدم الاستقرار من خلال انحياز الروس مع العلويين والشيعة ضد المجموعات الأخرى، وخصوصا السنة. فبعد كل شيء، ستتطلب الحلول العملية التعاون بين الطوائف، وخاصة بين المسلمين.
وخلال مراجعة السياسة الخارجية الأمريكية في جامعة إنديانا في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري: "يختبر الطموح الوطني والتطرف الديني قدرة سيادة القانون.. مما قد يؤدي إلى الإغراء بالخروج عنه ... ولكن علينا أن نكون دائما على استعداد للاستثمار في القيادة الأمريكية ... لأنها تحدث فرقا، وأحيانا كل الفرق".
كيري على حق، نحتاج إلى قيادة الولايات المتحدة لكيلا تدفع واشنطن إلى مواجهة مباشرة مع موسكو.
وفي سبتمبر/أيلول 2013، على سبيل المثال، واجهت موسكو وواشنطن الأدلة المتزايدة على الحرب الكيميائية في سوريا، واجتمعا لصياغة وتنفيذ عملية جمع وتدمير مخزونات أسلحة الدمار الشامل التابعة للأسد. إذ استطاعت الدولتان على تجنب صراع القوى الإقليمية، ليس فقط لصالح الأمن الدولي ولكن حفاظا على سلامتهما، فكلتاهما قوة عظيمة.
وهذا النوع من التعاون يمكن أن يكون بمثابة نموذج لإدارة أوباما في العمل مع حكومة بوتين نحو حل الأزمات الطائفية السورية والعراقية، وربما من خلال إيجاد قضية مشتركة سيجدان حلا للمشكلة الأكبر التي تشكلها الجماعات الجهادية السنية.
فمثل هذا العمل المشترك لن يكون فقط موضع ترحيب من قبل الاتحاد الأوروبي، ولكنه أيضا سيكون مستساغا لإيران التي يخشى زعماءها وصول الصراع الطائفي إلى أراضيهم. كما أن القوى العالمية الأخرى مثل الصين لن تمانع الاشتراك المحتمل أيضا، ولنفس السبب.
ففي سوريا نفسها، أحد الحلول العملية يتمثل في إنشاء مناطق مخصصة حسب الانتماءات الطائفية، فكما يُذكر، مصالح روسيا وإيران في النظام الحالي السوري هي استراتيجية، وليست عائلية.
ويُبقي ذلك على قيد الحياة، احتمال وجود اتفاق متعدد الجنسيات مفيد على نطاق واسع من شأنه أن يُسفر عن رحيل الأسد وأتباعه، في حين يمنح أيضا الحكام العلويين الوطن الساحلي الذي سعوا وراءه منذ فترة طويلة، كما يوفر الحماية للمجتمعات المسيحية والدرزية في جنوب وجنوب غرب سوريا، ويسمح للأكراد بالتمسك بالمناطق الشمالية والشمال شرقية، ويؤمن للأغلبية العربية السنية الجزء الأكبر من الأراضي في وسط وشرق سوريا.
ويتكون الشعب العراق ما يقرب من 75 في المائة من العرب و20 في المائة من الأكراد و5 في المائة من التركمان والآشوريين. أما دينيا، فثلثي الشعب من المسلمين الشيعة والباقي من المسلمين والمسيحيين.
ويُمكن لأكراد العراق الاحتفاظ بالشمال حيث مارسوا سيطرتهم الفعلية في المنطقة منذ حظر الطيران في عام 1991، ويصبح حينها قلب الدولة تحت سيطرة السنة، أما بغداد والجنوب فسيستمر الشيعة المهيمنين بالسكن فيها.
تحقيق مثل هذا الترتيب بأي حال من الأحوال لن يكون بالأمر السهل، ولكن إذا وضعت موسكو وأمريكا خلافاتهما جانبا وركزتا بدلا من ذلك على المصالح المشتركة بينهما، فمن الحقيقي جدا أن يُعززا الاستقرار على المدى الطويل، مما سيسمح للطوائف بالتركيز على إعادة بناء مناطقهم بينما يتم القضاء على المتطرفين.
وهذا أفضل لهما بالتأكيد من الوقوف ضد بعضهما.