رأي.. "الازمة السورية بين اختلافات "جنيف 2" و توافقات "فيينا 2"
هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظر الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
ثلاثة عوامل أساسية كانت وراء افشال السعي لايجاد حل للازمة السورية في اجتماع "جنيف 2"، عدم اعطاء مسألة مكافحة الارهاب الاولوية على الحل السياسي، و رفض جلوس ايران على طاولة الحل و كذلك اشتراط الرحيل الفوري للرئيس الاسد قبل البدء بالعملية السياسية. اليوم على اعتاب "فيينا 2" تتحول عوامل افشال "جنيف 2" الى أسس تتفق عليها الدول الكبرى قبيل لقاء "فيينا".
مسار الامور في الفترة الاخيرة في سوريا يشير إلى أن سياسة موسكو التي بنيت على استراتيجية "ملء الفراغ العسكري في مواجهة الارهاب" بدأت تُظهر انعكاساتها على المسار السياسي للأزمة السورية. الحراك الروسي الساعي لتوظيف التحرك العسكري سياسياً استطاع ان يتجاوز كثير من العقبات التقليدية، و أهمها خلق مناخ أكثر ايجابية تجاه الحل في سوريا و تخفيف كثير من المواقف المتصلبة لبعض الدول مثل اعتبار خروج الاسد شرطاً اساسياً للبدء بالمرحلة الانتقالية. اللافت أيضاً أن النشاط الدبلوماسي الروسي لم يعد يستهدف الادارة الامريكية التي باتت تبدو متناغمة تماماً مع الطرح الروسي بل يستهدف دولتين رئيسيتين "تركيا والسعودية" اللتان تظهران تشدداً واضحاً في ما يتعلق بالجزئية المتعلقة بمستقبل الرئيس الاسد.
كثير من المراقبين باتوا قادرين على رصد حجم التفاهم الامريكي الروسي على الخطوط العريضة للتسوية، كذلك من الممكن الاستنتاج ان الاقرار الامريكي بدور موسكو في سوريا يعني ان مساحة المناورة و تعطيل التسوية لدى الاطراف الاخرى باتت تضيق بصورة واضحة. حتى المناورة الفرنسية الاخيرة بالدعوة لمؤتمر موازي للقاء فيينا بدت في جوهرها انها محاولة للالتحاق بركب التحرك السياسي لا أكثر، حيث اختزلت دعوة المؤتمر الفرنسي بدعوة عشاء تهدف في حقيقتها الى التحاق فرنسا بلقاء فيينا القادم.
من ناحية أخرى، لا يمكن اسقاط ان ورقة التدخل العسكري الروسي في سوريا ستدفع بكثير من الدول للسعي لبدء سياسة تنسيق حقيقية مع موسكو، خصوصاً الدول المتضررة بصورة مباشرة من انتشار الارهابيين و انتشار رقعة الارهاب القادم من سوريا. لهذا فمن الطبيعي ان يدفع التبدل في الاولويات و ضرورة التنسيق الامني في هذه المرحلة كثيراً من الدول لتغيير مواقفها السابقة.
بالعودة الى اجتماع "فيينا"، قد لا تشكل مخرجات هذا الاجتماع اي صيغة للحل السريع في سوريا الا انه بلا شك يعد مرحلة مهمة لصياغة تفاهمات جديدة أكثر واقعية لشكل الحل في سوريا. فبعد اضاعة ما يقارب السنتين منذ "جنيف ٢" تعود معظم القوى لتتفق على الاطار العام للحل السياسي في سوريا حتى لو اختلفت في بعض التفاصيل. لكن الاهم ان الدول الكبرى باتت أقرب للاتفاق منها للاختلاف على شكل الحل و آليته، لهذا فعلى الدول التي مازالت تعمل على تعطيل صيغ الحل ان تدرك ان الانعكاسات الطبيعية لتعطيل الحل السياسي يعني منطقياً ان تداعيات الازمة السياسية و الامنية باتت قابلة للتوسع بطريقة يصعب السيطرة عليها مستقبلاً.