هل يتعلم النظام المصري من "الخطأ" الذي أطاح بحكم مبارك؟

نشر
10 دقائق قراءة
تقرير مصطفى كامل السيد
جندي مصري يقف حارسا في مركز اقتراعCredit: STR/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم مصطفى كامل السيد، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

يقول المثل الشعبي الشهير "يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته". لا أجد أفضل من هذا المثل في وصف حال حكامنا وهم يتحسرون علي إنخفاض مستوى المشاركة في إنتخابات مجلس النواب التى جرت مرحلتها الأولي خلال الأسبوعين الماضيين، فبعد أن أقرت الحكومة قانونا إنتخابيا إعترضت عليه الأحزاب الرئيسية في مصر وكثيرون من الخبراء لأنه يلغي إمكانية أى حوار سياسي خلال فترة الحملة الإنتخابية، وبعد أن ضيقوا من المجال العام بحصار كل الأصوات المختلفة مع بعض مواقفهم في قنوات التلفزيون وتركوها لمن لا يجيدون سوى الردح والتلاعب بما اسموه تسريبات تخوض في الحياة الخاصة لمن هم ليسوا على هوى من في السلطة أو على أسوأ الظروف ينافقون السلطة القائمة كما كانوا يفعلون قبلها. فماذا كان يمكن أن ننتظره من إنتخابات لم يطرح فيها برنامج سياسي واحد يمكن أن يثير نقاشا جادا حول مستقبل الوطن، ودون أن يجد المرشحون في غالبيتهم الساحقة ما يتمايزون به عن بعضهم البعض سوى درجة تفانيهم في تأييد رئيس البلاد.

محتوى إعلاني

لو أتيح لي أو لكم يا أعزائي القراء أن تجلسوا قبل الإنتخابات مع من يهمهم أمر هذه المشاركة داخل حكومتنا، ووصفتم لهذا المسئول الجو السائد قبل الإنتخابات على أنه هو ما يميز بلدا آخر، وسألتموه ما هو مستوى المشاركة في إنتخابات هذا البلد، الذى هو في هذه المحادثة الإفتراضية ليس مصر، ماذا تتصورون كيف تكون إجابته؟ ألن يقول أنه سيندهش كثيرا لو جاء مستوى المشاركة الشعبية في هذه الإنتخابات مرتفعا؟ فلماذا غلبت الدهشة والحسرة  على تعليقات المسئولين والإعلاميين وهم يتأملون ما جرى في محافظات الصعيد وغرب الدلتا خلال الأسبوعين الأخيرين؟

***

قيل لمن صاغوا قانون الإنتخابات، ونقلت هذه الآراء للرئيس، عندما كان وزيرا للدفاع وبعد أن أصبح رئيسا للجمهورية، أن إنقاذ النظام السياسي المصرى هو بتعزيز دور الأحزاب في الحياة السياسية، وأن مقاومة الإرهاب تكون بإفساح المجال أمام القوى المدنية من أحزاب ومنظمات أهلية وإعلام حر بحيث تتوافر أمام المواطن رؤي متعددة كلها تبغي خير الوطن وتسلك لذلك طرقا مشروعة متنوعة، ومن ثم يكون أمامه العديد من الاختيارات، وتعلمنا التجربة الإنسانية أنه لم توجد حكومة علي سطح الأرض تحظي بإجماع كامل من مواطنيها يسعد رئيس الدولة أو الحزب ذو الأغلبية في النظم الديمقراطية بأن يحصل على ما يقرب من ثلثي أصوات المواطنين، وتنحسر درجة الرضاء عن الحكومة التى فازت في الإنتخابات عندما تبدأ ممارسة السلطة، فلا تتجاوز مثلا في حالة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ربع الناخبين حسب إستطلاعات الرأى هناك. الإختلاف والتنوع هو سمة كل الكائنات بما في ذلك البشر، والتنوع والإختلاف هو ما يثرى الوجود. ولكن من أوحوا بصياغة مثل هذا القانون يضيقون بالإختلاف، ففي رأيهم إما أن تكون مؤيدا لكل توجهات الحكم بعد الثالث من يوليو 2013 أو أنت إخواني وإرهابي. الشباب الذين حكم عليهم بسنوات في السجن لاعتراضهم على قانون التظاهر ليسوا إخوانا وليسوا ممن يؤيدون كل توجهات ما بعد 3 يوليو، الدكتور البرادعي ومن كان يشاركه بعض آرائه في حكومة الدكتور حازم الببلاوي لا يمكن تصنيفهم ضمن أى من هذين الفريقين، بل إن القارىء لبعض الصحف المصرية هذه الأيام يجد كثيرين ممن ينتمون إلى فريق ثالث أو رابع أو خامس بين هذين الفريقين. فلماذا أشاع إعلامنا هذه الرؤية الفقيرة للإتجاهات السياسية في مصر؟. لقد ردت عليهم هذه الجماهير الغفيرة التى لم تذهب إلى صناديق الإنتخاب، هم ليسوا جميعا من الإخوان، ومنهم بكل تأكيد كثيرون لا يعارضون الرئيس السيسي بالضرورة ولكنهم أيضا غير راضين عن بعض توجهات حكمه سواء بغياب الرخاء الموعود أو للتضييق على الحريات أو لانعدام الشفافية في قرارات الحكم الكبرى.

***

وطبعا خرج علينا فقهاء الحكم بحجج عجيبة تبريرا لهذا القانون الإنتخابي العجيب، أولها أن الإنتخاب الفردى هو النظام الذى عرفته مصر تاريخيا، وهو النظام المعمول به في  نظم ديمقراطية عديدة مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، ولكن ينسي هؤلاء أن النظام الفردى الذى عرفته مصر قبل ثورة 1952 لم يعرف من يسمي بالنائب المستقل. كل من كانوا ينجحون في الإنتخابات فى ظل النظام الملكي كانوا حزبيين. إنقسمت برلمانات العهد الملكي بين وفديين وأحرار دستوريين أو أنصار الملك الآخرين في حزبي الشعب أو الإتحاد، أو غيرها، وكان الاختيار سهلا بين المواطنين، فهم يختارون إما مرشحا وفديا أو مرشحا ينتمي إلى واحد من الأحزاب الأخرى التى إصطنعها الملك. ولم يكن شخص المرشح يهم المواطنين كثيرا. ولذلك شاعت هذه المقولة الساخرة أن المواطنين سينتخبون من يرشحه الوفد حتي لو كان ... ، وأترك لمعلومات القارىء أن يستكمل هذه العبارة. ونفس الأمر ينطبق على النظم الديمقراطية التى تأخذ بنظام شبيه لما كان في مصر في العهد الملكي والمعروف علميا بنظام الأغلبية تمييزا له عن نظام التمثيل النسبي الذى كانت تميل له معظم الأحزاب الرئيسية في مصر. طبعا من حق أى مواطن بريطاني أن يترشح في الإنتخابات، ولكن الناخب البريطاني يتساءل أى حزب يمثله هذا المرشح، هل هو مرشح عن حزب العمال أو المحافظين أو الديمقراطيين الأحرار، ويتساءل الناخب الأمريكي هل هذا المرشح لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ هو ينتمي إلى الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهورى. ومن النادر أن يتواجد في برلمانات النظم الديمقراطية من ليس حزبيا أو من هو مستقل عن الأحزاب  بالمعني السائد في مصر. طبعا يمكن أن يضيق المواطنون بالأحزاب، ولكن في هذه الحالة تظهر أحزاب جديدة أو تتحول بعض منظمات المجتمع المدني أو حركاته الإجتماعية إلى أحزاب سياسية. العمل السياسي بطبيعته عمل جماعي، ومن ثم فلا معني إطلاقا لأن يخوض هذا العمل من يتقدم منفردا إلى ساحة العمل العام. التقدم في العمل العام يعني ببساطة القدرة على العمل مع الآخرين وكسب القوة من خلال هذا العمل الجماعي.

والحجة الثانية هي أن أحزابنا ضعيفة، وكم من حملات شنتها الصحف التى يقودها حملة مباخر نظام الحكم القائم على الأحزاب لأنها ضعيفة، لا تمثل المواطنين، ليس لها وجود لا في القرى ولا الأحياء. طبعا بعض هذه الأقوال صحيحة، ولكن ما العمل إذا كان لا وجود لحياة ديمقراطية بدون أحزاب؟ ألا يجب أن نتساءل عن أسباب ضعف الأحزاب، وكيف ساهمت النظم السابقة في تهميشها بإلغاء الانتخابات الحرة والنزيهة وهي وحدها التى في ظلها تتطور الأحزاب، وهل علاج ضعف الأحزاب يكون بخنقها أم برى التربة التى تزدهر في ظلها؟ كان الخيار الذى إنتهت إليه اللجنة التى صاغت قانون الانتخاب هو المساهمة في خنق الأحزاب من خلال هذا القانون. وهكذا وجد المواطن نفسه في المرحلة الأولي من الإنتخابات، وكما سيجد فى المرحلة الثانية عدة آلاف من المرشحين إما أنه لا يستطيع التمييز بينهم لأنهم يقدمون أنفسهم باعتبارهم "مستقلين" أو حتي عندما يكونون حزبيين، فأحزابهم بلا برامج سوى الموالاة. لا عجب أن ينصرف المواطنون في غالبيتهم الساحقة عن هذه المباراة غير المثيرة.

***

ولكننا لا نخترع عجلة. نحن نرفض العجلة التى تسير عليها كل النظم الديمقراطية شرق العالم وغربه، شماله وجنوبه، ولم نبدع عجلة بديلة، بل إن الأحزاب تعود وتتفوق على المستقلين، لأنه لا غني عنها كأداة للحشد الإنتخابي، ولكنها تعود بلا ما ينبغي أن يميزها من تباين في البرامج ووضوح في طبيعة الأغلبية التي تسود البرلمان. نحن نعود إلى الوراء، ونحلم بتلك التعددية التى عرفتها بعض برلمانات مبارك  بين 1987-1990، أو بين 2005-2010 عندما تراوح وجود المعارضة  في مجلس الشعب بين الخمس والربع. لقد كان نكوص مبارك عن هذه التعددية بانتخابات 2010 التى جاءت له بأغلبية ساحقة، لم يتجاوز فيها عدد المرشحين المعارضين  سبعا بين 454 نائب، هو القشة التى أطاحت بحكمه. فهل نتعلم من الماضى القريب؟

نشر
محتوى إعلاني