رأي.. "كيف ساعدت الأخطاء الأمريكية في العراق على ازدهار داعش؟"
كاتبة المقال: ايما سكاي، مديرة مركز أعضاء جامعة ييل العالمي، ومؤلفة كتاب "The Unraveling: High Hopes and Missed Opportunities in Iraq" خدمت في العراق منذ عام 2003 حتى عام 2004 بمنصب مديرة للتنسيق البلدي في كركوك، وعملت مستشارة سياسية منذ 2007 حتى 2010 لعميد القوات الأمريكية في العراق، ريموند أوديرنو، الآراء الواردة هنا تعكس وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة وجهة نظر لـ CNN.
في خطابه من المكتب البيضاوي مساء الأحد، حدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الاستراتيجية الأمريكية لقتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، قال أوباما إننا بدأنا حربنا ضد المتطرفين الإسلاميين منذ أحداث 11/9، لكن أعداد الإرهابيين تضاعفت بشكل كبير منذ ذلك الوقت، كنتيجة غير مقصودة ترتبت على السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة.
والآن، في الوقت الذي يتركز فيه الجدل حول كيفية التعامل مع التنظيم، بالأخص بعد هجمات باريس والهجوم في سان برناردينو، وبالتزامن مع البحث في تحديد نوعية الجبهات القتالية التي ستلجأ إليها أمريكا وحلفاؤها، فإنه من المجدي أن ننظر في العوامل التي ساهمت في نشوء "داعش."
الحقيقة تقال، وهي بأنه لم يكن علينا أبداً أن نغزو العراق عام 2003، لكن لم يمكن هنالك من مفر من وقوع الأحداث التي عايشها العراق بعد عام 2003، فقد فاتت فرص عديدة لبناء مستقبل أفضل للبلاد بعد الغزو الأمريكي.
انهيار الدولة (الذي تمثل بتفكك بعثية القوات المسلحة واضمحلال المؤسسات الأمنية في الدولة) أدى دون أدنى شك إلى انقياد العراق لحرب طائفية وخلق مساحة من الفوضى ساهمت بظهور تنظيم القاعدة في العراق، لكن وحتى مع هذه الأخطاء الجسيمة منذ بدء الحرب العراقية، فإن الولايات المتحدة واصلت نجاحها بخلق حكم سياسي شامل في العراق منذ عام 2007 حتى 2009.
لذا ومنذ ست سنوات فقط، كان يمكن للقليل منا توقع انبثاق "داعش" من رماد القاعدة في العراق وإحكام التنظيم سيطرته على ثلث الدولة، وهذا بعد خروج العراق من الحرب الأهلية وتمكن العشائر السنية (بدعم عسكري أمريكي) من هزيمة القاعدة في العراق، وكان هنالك تفاؤل بأن الدولة تسير في الاتجاه الصحيح.
ما الخطأ الذي ارتكب؟
نتائج انتخابات عام 2010 كانت مرتفعة، وأظهرت الإحصائيات وجود تفاؤل بالعملية السياسية بأن العراق سيخرج من حالته الطائفية التي أفسدته كلياً.
"القائمة العراقية الوطنية" هو تحالف قاده إياد علاوي (شيعي) رفع فيه شعاراً مضاداً للطائفية و"العراق للعراقيين،" وتلقى دعماً من العراقيين السنة والشيعة والأقليات وحظي على معظم المقاعد خلال الانتخابات.
لكن رئيس الوزراء، نوري المالكي، رفض قبول نتائج الانتخابات، ودعا لإعادة عمليات الاقتراع، ودعا لمحو النظام البعثي كحجة لرفض مرشحي القائمة وألغى الأصوات التي حظوا بها، وعندما فشل بالانتصار بتلك الجولة، قام بترهيب منافسيه ومارس الضغوطات على النظام القضائي، ليساهم بزيادة فرص بقائه بالسلطة.
كان هنالك اختلاف بالإدارة الأمريكية حول ما يتوجب فعله، إذ جادل المسؤولون العسكريون الذين خدموا سنوات طويلة بالعراق إلى جانب الدبلوماسيين والمحللين السياسيين ذوي الخبرة بالشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بحق التحكم بالفئة الفائزة بالانتخابات، بأن تتوجه "القائمة العراقية الوطنية" لتشكيل حكومة ويمكن تقاسم السلطة بين المالكي وعلاوي، أو اختيار طرف ثالث ليتولى منصب رئاسة الوزراء، لكن نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أصر على دعم الولايات المتحدة قرار المالكي بإلغاء نتائج الانتخابات وتولي المالكي لدورة ثانية، من الواضح بأنهم رأوا فيه صديقاً للولايات المتحدة قومياً عراقياً، وشخصاً يمكن أن يسمح بتوفير اتفاقية عسكرية تسمح بإبقاء بعض القوات الأمريكية في العراق بعد 2011.
لكن ورغم الضغوطات الأمريكية رفض أعضاء "القائمة العراقية" استمرار المالكي لدورة ثانية، بالأخص بعد محاولات دامت عامين، جرب فيها السياسيون العراقيون إزالة المالكي من منصبه بعدم منحه الثقة في البرلمان، تخوفاً من تحوله لديكتاتور، لذا فليس الأمر صادماً إن لم يقدموا دعمهم له الآن.
أما إيران، فقد التقطت فرصة لتحاول فرض سيطرتها ومناورة الولايات المتحدة من خلال استخدام تأثيرها للتأكد من استمرار المالكي بدورة ثانية، من خلال دعمها لغريمها التقليدي وباغض أمريكا، تيارها الصدري، واشترطت لعدم وقوع ذلك خروج القوات الأمريكية من العراق بنهاية عام 2011.
وفي المنطقة تكاثر الحديث حول كيفية إخراج إيران للولايات المتحدة من العراق، وكيف قدمت أمريكا العراق إلى إيران "على طبق من فضة."
ضامناً منصبه بدأ المالكي بتوجيه اتهامات بضلوع السياسيين السنة في الإرهاب، وأخرجهم من العملية السياسية، وحنث بوعوده التي قطعها لقادة العشائر السنية التي ساعدت في قيادة القتال ضد القاعدة في العراق، وشن حملات اعتقال جماعي للسنة، وأعطى دعمه للمؤسسات الديمقراطية التي ساهمت باستمرار توليه للسلطة، وقمعت المظاهرات السنية بعنف في البلاد، وهذا كله حصل وسط سكوت البيت الأبيض.
كان من الواضح لأي مراقب للوضع العراقي عن كثب بأن العملية السياسية كانت تتفكك، ولم تكن "تتشقق" وفقاً لوصف مسؤول بالبيت الأبيض، فالمالكي أصبح مستبداً بسلطاته واقترب بشكل أكبر لجانب إيران، هذا إلى جانب تآكل فرص احتواء المجتمع العراقي لتمدد القاعدة في العراق، وسط كل الاغتيالات والاعتقالات لقائدي جماعة الصحوة العراقية السنية، إضافة إلى استمرار التسييس في قوات الجيش العراقي، بإزالة المالكي للقادة الذين اشتبه بولائهم لأمريكا واستبدلهم بأولئك الذين أثبتوا ولاءهم الشخصي له.
ورغم ذلك كله، عندما زار المالكي البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين ثاني عام 2013، رحب به الرئيس أوباما بصدر رحب قائلاً: "نحن نستذكر الأرواح المفقودة، من العراقيين والأمريكيين، التي أتت بعملية ديمقراطية فاعلة في دولة حكمها ديكتاتور متسلط، ونحن نثمن التزام رئيس الوزراء المالكي بتقديره هذه التضحية، من خلال حرصه على تعمير عراق قوي ومزدهر وشامل وديمقراطي."
وخلال أشهر على هذه الزيارة، لأعلن "داعش" سيطرته على ثلث العراق، وانهيار الجيش العراقي.
وفي النهاية، لو لم تصر إدارة أوباما على دعمها للمالكي وتجاهل السياسيات المدمرة، فإن العملية الديمقراطية الشاملة التي مهدت لها الولايات المتحدة بعد تدخلها في البلاد لم تكن لتتفكك، وكان يمكن أن نحول من دون انبثاق تنظيم "داعش."
يجب علينا أن نتعلم من أخطائنا السابقة إن أردنا أن نقضي على الإرهاب، وأن نبدأ بتهيئة ظروف تسمح بهزيمة "داعش".. عسكرياً وأيدولوجياً.
- الأزمة العراقية
- البيت الأبيض
- الجيش العراقي
- الحرب على الإرهاب
- العنف الطائفي
- القاعدة بالعراق
- باراك أوباما
- حرب داعش
- رأي
- نوري المالكي