محمد داودية يكتب لـCNN: ثورة الياسمين التونسية.. مكانك سِر أم إلى الخلف دُر؟
هذا المقال بقلم محمد داودية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
ما هي صورة الثورة التونسية بعد مرور 5 سنوات على اندلاعها؟ وما هي توقعاتنا لها؟ واية مقارنة نعقدها بينها وبين الثورات العربية في مصر، اليمن، سوريا وليبيا؟
لا شك ان العالم العربي ينظر بكثير من الاهتمام والمتابعة والقلق الى الثورة التونسية التي سيطرت عليها البرجوازية التونسية في انتخابات 2014 النزيهة، لأسباب عديدة أبرزها فشل تحالف حركة النهضة الإسلامية - مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية اليساري (الغنوشي- المرزوقي) في الشق الاقتصادي الخطير، اذ انهارت نسبة النمو الى 1.2% سنة 2014.
هل انكفأت الثورة التونسية وانتكست بفوز الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس، رئيسا للجمهورية (اعتبارا من2015.1.1)؟ هل هي علامة عودة الفلول الى السلطة، والاضطرار الى الاستعانة بهم لانعاش اقتصاد البلاد المنهار -- محمد داودية؟
من المبكر الإجابة عن الاتجاهات التي تمضي اليها الثورة التونسية والمسارات الجديدة التي ستشقها، خاصة وان حركة النهضة التونسية، مقبلة بقيادة المجدد الشجاع الشيخ راشد الغنوشي على إصلاحات بنيوية نوعية سيتم اعتمادها في مؤتمر الحركة العاشر الذي سيعقد في أواخر اذار المقبل ومن أهمها " تَوْنَسَةُ " حركة النهضة واعتماد مرجعية وطنية دستورية سياسية لها، مقابل فك ارتباط "النهضة" بمرجعية حركة الاخوان المسلمين الدولية ، والفصل بين النشاط السياسي والعمل الدعوي، الذي اصبح هو الآخر "برنامجا" مطروحا بقوة على "جماعات" الاخوان المسلمين في الاردن.
قد يهمك أيضاً.. يحاكم في قضايا فساد واستغلال نفوذ.. صهر بن علي يخرج من السجن مؤقتًا بعد انتهاء مدة توقيفه
ان المبشر في مسار الثورة التونسية هو التوافق التام على الديمقراطية والاحتكام فقط الى صناديق الانتخابات وهو ما تم في الانتخابات الأخيرة أواخر عام 2014 حيث فاز الباجي قائد السبسي بـ 55.68% مقابل 44.32% من الأصوات حصل عليها المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية الأسبق.
بالطبع ما يزال التشكيك على أشده في ثورات الربيع العربي الاجتماعية السياسية، التي اندلعت ضد الاستبداد والطغيان والفساد، واطاحت الأنظمة السياسية المستبدة في تونس ومصر وليبيا واليمن -- محمد داودية، ولا يغير من محتوى وأسباب ثورات/انتفاضات/تحركات الجماهير العربية، ان الثورة المضادة نجحت في الإمساك بقرني الثور وعملت على هدم مؤسسات الدولة وانقضّت على القوى الاجتماعية العربية الجديدة واعادت عقارب الساعة الى الوراء وشوهت مقاصد ثورات الشعب العربي وحاولت ان تلصق نظرية المؤامرة بتلك الثورات وان تحيل عطاءها على "الامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية".
شقّت ثورةُ الياسمين التونسية طريقَ اشواك الشعب العربي واشواقه، الى الحرية والكرامة الإنسانية، واطاحت نظاما كان من اقسى الأنظمة البوليسية في العالم، اضطهد بلا رحمة، المعارضة السياسية والمطلبية التونسية واشترى النخب السياسية والثقافية والاعلام الداخلي والخارجي، ومارس اقسى درجات النهب والفحش الاقتصادي والسفه المالي.
والذي حال دون انتكاسة الثورة التونسية كليا، هو الجيش التونسي ومستوى المعرفة والثقافة والتعليم التي وضع أسسها الحبيب بورقيبة ودرجة مرونة الأحزاب السياسية وخاصة حركة النهضة الإسلامية بقيادة الزعيم الشيخ راشد الغنوشي، ورشد حركات اليسار الاجتماعي بزعامة المنصف المرزوقي وحمة الهمامي والاتحاد العام التونسي للشغل الذي اسسه وقاده بجسارة فرحات حشاد، الحبيب عاشور، احمد بن صالح وحسين العباسي الأمين العام الحالي والاعلاميون والكتاب التقدميون والنساء التقدميات التونسيات وغيرهم من الأحزاب والحركات السياسية التونسية الراشدة.
وفي المقابل استحضرتُ نموذجين عربيين راشدين هما الأردن و المغرب حيث تمكن الملك عبد الله الثاني ابن الحسين والملك محمد السادس من العبور الآمن بالأردن والمغرب من طوق نار الربيع العربي دون ان تسيل قطرة دم واحدة ودون ان تتعرض بنية الدولة ومؤسساتها الى الدمار الفظيع كما يتم الان في سوريا وليبيا واليمن وجزئيا في مصر.