رأي.. تعطيل مؤقت لجنيف وتغييرات جذرية قادمة أهمها أزمة اللجوء طويلة الأمد
هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN
مع اختتام مؤتمر المانحين في لندن وتأجيل محادثات جنيف تبرز نقطتين رئيستين في المعادلة السورية. اولهما تعثر انطلاقة الحل السياسي مما يعزز اطالة أمد أزمة اللاجئين وهو الأمر الذي عبّر عنه مؤتمر لندن. أما النقطة الثانية فتتمحور حول التحول اللافت في شكل الانجازات العسكرية الاستراتيجية في الداخل السوري من الشمال الى الجنوب والذي يعزز بدوره نظرية إعادة صياغة مبادئ الحل السياسي.
ضمن مسارات "جنيف٣"، ظهرت عوامل عديدة أدت الى الوصول الى نقطة التحول اللافت في طبيعة التعاطي مع المعارضة السورية من قبل القوة الدولية. على الصعيد الداخلي في سوريا، جردت الانجازات العسكرية للجيش السوري المدعوم روسياً مجمل الفصائل من قدرتها على التحرك على الأرض الأمر الذي انعكس ضمنياً على الوضع السياسي للمعارضة السورية المفاوضة والتي ظهرت بصورة الفاقد لأي أوراق حقيقية على الارض. المحور الاقليمي الداعم للمعارضة السورية لا يختلف حاله عن حال المعارضة، فأحداث الارهاب وموجات اللاجئين المتدفقة التي تواجهها أوروبا اليوم وضعت تركيا تحت المجهر الأوروبي الأمر الذي أدى الى افقاد السياسة التركية تجاه سوريا لفاعليتها عداك عن تعقيدات المشهد الكردي وانعكاساته المحتملة على الداخل التركي. يضاف الى ذلك ان اسقاط أنقرة للطائرة الروسية في الفترة الماضية وضعها في مواجهة مباشرة مع موسكو التي استطاعت ان تحول هذه المواجهة الى مواجهة بين تركيا وجهود مكافحة الارهاب.
اللاعب الاقليمي الثاني المنخرط في الأزمة السورية "السعودية" وجدت نفسها ايضاً في حالة مواجهة مع القرار الدولي خصوصاً بعد الضربات المتتالية التي تم توجيهها الى مؤتمر الرياض وتركيبته، لتجد السعودية نفسها اليوم اما استحقاق جديد يتطلب تغييراً جذرياً في الاستراتيجية السياسية خصوصاً ان السعودية مازالت منغمسة في الحرب في اليمن ومضطرة للنأي بنفسها عن شبهات دعم التنظيمات المتطرفة. من هنا يمكن قراءة التحرك السعودي الراغب في الالتحاق بالركب الدولي عبر بوابة مكافحة الارهاب، من زاوية السعي السعودي لكسر أي صورة تهدف الى اظهار السعودية على أنها تقف ضد مكافحة الارهاب او أنها باتت خارج سياقات القرار الدولي اي "بلا غطاء" وتبقى في الوقت نفسه على الموقف السعودي تجاه النظام في سوريا على ما هو عليه. لهذا جاءت المبادرة السعودية على شكل اقتراح بارسال قوات سعودية برية لمواجهة داعش في سوريا تحت القيادة الامريكية.
هذه المعطيات مجتمعة دفعت اليوم الأمم المتحدة لتأجيل المحادثات في جنيف لحين اكتمال المشهد واعادة ترتيب أوراق المعارضة المضطرة للتعامل مع الواقع الجديد من باب الرضوخ السياسي.
على الصعيد الاخر، برزت مسألة اللاجئين السوريين مجدداً عبر مؤتمر المانحيين في لندن، اللافت في المؤتمر هو المسار الذي بدأت تأخذه مسألة اللاجئين بالنسبة للمجتمع الدولي. القناعة الأوروبية المتولدة بضرورة انتهاج خطوات تمنع تدفق اللاجئين وتبقيهم في أماكن لجوئهم ومحاولة التخلص من الالتزامات المالية مستقبلاً دفعت باتجاه البدء في طرح فكرة تحويل اللاجئين الى عناصر منتجة وتأهيلها مهنياً في أماكن اللجوء ضمن استراتيجية تحويل المساعدات الى استثمارات. هذا يعني ان اللاجئين سيتم التعامل معهم كقوى عاملة ضمن برامج استثمارية تأخذ بعين الاعتبار ايضاً ضرورة تحسين اوضاع أبناء المناطق المضيفة واشراكهم في برامج التوظيف العملي.
التفكير الأوروبي ناتج عن تولد قناعات بأن مسألة اللجوء هي مسألة طويلة الأمد ويصعب انهاءها بسهولة حتى مع بدء دوران عجلة الحل السياسي في سوريا. لكن يبقى التطبيق العملي لهذه الاستراتيجية أحد أهم العوائق القادمة خصوصاً أن كثيراً من الدول المستضيفة غير قادرة عملياً على انجاز مثل هذه الاستراتيجيات، فهي تعاني اصلاً في سياستها من فشل في عملية التنمية والاندماج ضمن تركيبتها الأصلية. لهذا قد يكون مؤتمر لندن عبارة عن خطوة رمزية وحالة من الوعود غير القابلة للتطبيق، وبالتالي تضع الدول المضيفة أمام واقع وتحديات جديدة تضطرها للبحث عن حلول فردية وأكثر عملية.