سوريون عن الحب في زمن الحرب: الاحتفال بـ"الفالنتاين" مجرّد نكتة سمجة
دمشق، سوريا (CNN) -- بحلول عيد الحب، لازال اللون الأحمر يسرق أنظار السوريين من الألوان الأخرى، ليس بوصفه لوناً لهدايا العيد التقليدية ودببته الحمراء، بل كمؤشرٍ أيضاً على ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة، والذي تجاوز خلال الأيّام الأخيرة حاجز الأربعمئة ليرة، ما يعني استمرار تدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية، بينما لا تشهد مستويات الدخل أيّة تطوراتٍ موازية.
هكذا يبدو: "الاحتفال بعيد الحب مجرّد نكتةٍ سمجة، لا يلتفت إليها المواطن العادي الغارق بأعباء الحرب اليومية، وكلفها الاقتصادية الباهظة، التي باتت مرهقةً أكثر من أي وقتٍ مضى."... هذا ما قاله سائق تاكسي شاب في دمشق لموقع CNN بالعربية، وهو يخاتل زحام شوارع المدينة.
تغزو الشوارع إعلاناتٌ طرقية ضخمة، لحفلات عيد الحب التي ينظمها عدّة مطاعم وفنادق بالعاصمة، ومنها حفل سلطان الطرب جورج وسوّف ليلة الجمعة الماضية، والتي تراوحت قيمة تذاكره بين ما يعادل الـ 100 و300 دولار، ونفذت الحجوزات خلال وقتٍ قصير، إلى جانب حفلاتٍ أخرى يحييها ما يمكن وصفهم بـ "نجوم الحرب"، فقبلها لم يكن يسمع بهم أحد، لكنّ أغانيهم اليوم تحجز لها مساحةً كبيرة من بث معظم الإذاعات المحليّة.
يَعْبرُ نظرنا أيضاً، واجهات محلّات الهدايا والورود التي يكسوها اللون الأحمر برتابة، وأمام هذه المشاهد علقّ سائق التاكسي الشاب ضاحكاً: "مين هالدب اللي بدّو يجيب لحبيبيته دب؟، أي ما عم نلحق لمصاريف الأكل لحتّى نشتري هيك هدايا سخيفة، وأصلاً البنات هنن اللي لازم يدللونا، ليش قديش صفي شباب بالبلد؟."، تساؤلٌ طريف يحمل في جوانبه شيئاً من الحقيقة، حيث أدّت الحرب إلى تراجع نسبة عدد الذكور في سوريا قياساً بعدد الإناث (لاتوجد إحصاءات رسميّة)، كما أنّ معظم الشباب السوري يتوزعون على جبهات القتال، أو غادروا البلاد كلاجئين أملاً بفرص حياةٍ أفضل، وأكثر أماناً.
كلام السائق، يتقاطع ما قاله (عامر.س) لـ CNN بالعربية، عن عروض زواجٍ بات يتلقّاها الرجل الأربعيني بكثافة، بينما يتمسّك هو ببقائه عازباً، ويبرر ذلك بعدم رغبته بـ"الإنجاب، أو تحمّل القلق على عائلةٍ كنت أتمنى تأسيسها بحب ذات يوم، أما اليوم فالأعباء والمخاوف أكبر من طاقتي، رغم أنّ عائلتي وأصدقائي يخالفونني الرأي، ويحاصرونني بعروض الزواج، وأكثرها جرأة تلقيته مؤخراً من إحدى بنات الجيران، وصديقات الطفولة، التي لم تجد حرجاً بطلب يدي مازحةً، لكنّ دخول أمي على الخط وتأييدها لطلبها، كشف لي عن جديّة الموضوع."
وكيف تعاملت أنت مع هذا الموقف؟: "شعرت بحرجٍ كبير، وحرصت على أن يبقى الأمر في إطار المزاح، وتركت المنزل بحجّة موعدٍ ضروري."
يؤمن (عامر.س) بإخضاع الحب للعقل، وهذا حال دون وصول قصّة حبّه الأولى إلى خاتمةٍ سعيدة، حيث روى لنا أنّه أحب قبل سنوات "مهندسة طموحة جداً، وناجحة"، لكنّ حبهما لم يتكلل بالزواج لإحساسه أن الأسرة ستكون ثانيةً، أو ثالثةً على سلّم أولوياتها، مقارنةً بالنجاح المهني، لكنّ القصّة لم تنته عند هذا الحد، فحبيبته السابقة قبلت سريعاً عرض زواجٍ أتاها في بداية الحرب، هذا العرض بدا مغرياً لها، فالعريس مقيم بالولايات المتحدة، ما ضمن انتقالها للإقامة هناك، وتحقيق طموحها العملي، ثم انفصلت عنه لاحقاً، وعادت لمراسلة حبّها القديم، عارضةً عليه الارتباط مجدداً، لكنّه رفض، فآخر ما يفكّر به بحسب قوله: "مغادرة البلاد، كما لا يمكنني أن أكون طرفاً في هذا البازار، هي ظنّت أنني لن أرفض إغراء السفر لأميركا، بينما هاجسي الأكبر خلال هذه المرحلة البقاء إلى جانب عائلتي، والخروج من دوامّة هذه الحرب بأقل الخسائر، ولا وقت لدّي وسط ذلك كلّه للحب ومخاوفه، والتنازلات، والأعباء التي يفرضها علّي."
ورغم القصص المتداولة عن شيوع تعدد الزوجات خلال الفترة الأخيرة، والتي قدّرت وسائل إعلام محليّة ارتفاع نسبته لـ 40% في سوريا، استناداً لسجلات المحاكم الشرعية بدمشق؛ إلا أنّ الخيبات كانت مصير قصص حبٍّ كثيرة أيضاً أبطالها؛ شباب، وشابّات سوريّات، تعثّر زواجهم بسبب القلق من المستقبل المجهول.
فـ (لانا.ك) لم تهنأ بالاستقرار مع شريك حياتها، الذي تم استدعاؤه للخدمة الاحتياطية بالجيش السوري بعد ثلاثة أشهر على زواجٍ طال انتظاره بالنسبة للحبيبين، وأثّر ذلك بحسب ما روته لـ CNN بالعربية على قرار صديقتها (نور.ط) بإتمام الارتباط بخطيبها الذي لازال يناور لتفادي الخدمة الإلزاميّة بالجيش، وبدلاً من إكمال التحضيرات لعرسٍ كان قريباً، تغيّرت خطّة الخطيبين للجوء إلى أوربا مطلع الربيع المقبل، عبر "قوارب الموت" بانتظار هدوء البحر، لكن مصاعب جديدة هزّت قناعتهما بجدوى هذه الخطوة، بعد قرار تركيا فرض التأشيرة على السوريين لدخول أراضيها، وما تتداوله الأخبار عن سعي "الناتو" لمنع تهريب اللاجئين إلى اليونان عبر بحر "أيجه"، ما يعلّق موعد زواجهما مجدداً.
أعباء الحرب الاقتصادية، ومخاوفها، وما تقود إليه من مصائر مجهولة؛ تتضافر إذاّ لاغتيال قصص حب السوريين، وأغنياؤهم فقط هم مَن يمتلكون ترف القدرة على تبادل الهدايا باستعراضٍ منفصلٍ عن الواقع، بينما يبدو "سانت فالنتاين" تائهاً في دمشق مدينة القديسين.