رسائل وحقائق خفيّة حول خسارة "الدولة الإسلاميّة" لمدينة تدمر السورية
هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الاسلامية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
سقطت تدمر رسميّا في يد قوّات النظام السوري وحلفائه وسط مباركة دوليّة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحرب الأهلية السورية الّتي احتفلت قبل أسبوعين بمرور 5 سنوات عليها، سقط خلالها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمهجّرين.
مدينة تدمر التاريخية الّتي أحدثت سيطرة تنظيم الدولة عليها في شهر مايو من العام الماضي صدمة كبيرة لدى كلّ الأطراف المتداخلة في الأزمة السورية وذلك لما تمثّله هذه المدينة من رمزيّة تاريخيّة بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي سقطت كاملة ورسميا في يد القوات السورية وحلفائها.
حلم التنظيم لم يتحقّق حيث خسر مناطق عديدة من سوريا وتمكّنت قوّات النظام المدعومة بلحفائها من الإيرانيين والروس وحتى الكوريين الشماليين من استعادة المدينة التاريخيّة وذلك بعد 10 أشهر، إذ تمكّنت هذه القوات المشتركة المدعومة بغطاء جوي روسي من استعادة تدمر يوم الأحد بتاريخ 27 من مارس الماضي بعد معركة واسعة مع تنظيم الدولة.
تحرير مدينة تدمر سبقها قيام قوات النظام وبدعم جوي روسي مركّز منذ ثلاثة أسابيع مضت ببدئ معركة في المناطق الشرقية لمدينة حمص، مستغلّين قرار وقف إطلاق النار في الأراضي السورية والّذي كان سببا مباشرا ورئيسيّا في تحقيق هذا التقدّم المعنوي والنصّر النسبي لقوات الأسد وحلفائه.
قد يهمك أيضا.. النظام السوري ينشر فيديو لمناطق بتدمر كانت تحت سيطرة داعش
باستعادة قوات الأسد السيطرة على مدينة تدمر بان بالكاشف وأصبح من الواضح للعيان أنّ الحرب السورية لا زالت تخفي مفاجئات كبيرة في المستقبل البعيد كما أكّدت للمتابعين أنّ فصائل المعارضة السورية الّتي وقّعت على الهدنة الأممية مع النظام كانت من المشاركين الرئيسيين في هذا النصر المعنوي، وذلك من خلال مسالمتها لقوات الأسد الّتي كانت واثقة أنّها بسحبها لقواتها في الجبهات المفتوحة مع المعارضة وحشدها نحو تدمر لن تتعرّض إلى أيّ غدر من قبل أعداء الأمس وحلفاء اليوم.
في نفس الوقت، أظهرت تدمر نفاق بعض الدول الغربيّة وكشفت عن حجم المؤامرة الّتي يتعرّض لها السوريون منذ 5 سنوات، حيث رحّبت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتّحدة بالإضافة إلى عمدة لندن باستعادة المدينة وتحريرها من تنظيم الدولة.
في الوقت نفسه تسبّب تحرير مدينة تدمر في حرج شديد لتنظيم الدولة الإسلاميّة الّذي أعلن أكثر من مرّة وفي أكثر من رسالة على لسان قادته أنّ فناءهم جميعا أهون عندهم من تفويتهم في أيّ منطقة سيطروا عليها وطبّقوا فيها أحكامهم، لكنّ هذا الوعد الّذي قطعوه على أنفسهم لم يفوا به بعد أن استهدفتهم مئات الغارات الروسية و"التّحالفيّة الدولية" في تكريت وبيجي والرمادي وتدمر.
مدينة تدمر التاريخيّة الّتي يطلق عليها السوريون "عروس البادية السورية" ليست مجرّد مدينة عاديّة، بل إنّ رمزيّتها وقيمتها وبعدها التاريخي بالنسبة للمجتمع الغربي لا تكاد تضاهيه مدينة أخرى في سوريا، وذلك لما تحويه من آثار تاريخيّة تعني الكثير للعالم لهذا كان أوّل الفرحين بتحرير "تدمر" الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون وأوّل المهلّلين عمدة لندن الّذي قال "برافو للأسد".
كذلك.. جنرال أمريكي لـCNN: الأسد يتمدد تحت غطاء استعادة أثار تدمر.. وداعش سيرد بنشر لواء خلافته
بتحرير تدمر عزّز بشار الأسد موقعه على الساحة السورية بالإضافة إلى الساحة الدولية، فآثار تدمر الّتي دمّر معظمها التنظيم وأنقض بعضها الأسد تبدو أهمّ بكثير من مئات الآلاف من القتلى والجرحى الّذين سقطوا طيلة 5 سنوات من الحرب الأهليّة، ولكن يجب أن يكون هناك خط فاصل بين الإحتفال بإنقاذ الآثار القديمة، وبين الإحتفال بالديكتاتور الذي حول معظم بلاده إلى ركام بلا رحمة.
بعض التقارير الإعلاميّة ذكرت أن النظام سوف يستخدم مدينة تدمر كمنصة انطلاق لاستعادة السيطرة على مدينتي دير الزور والرقة من تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من الحقيقة القائلة بأن مدينة الرقة أقرب إلى معاقل النظام في حلب وحماة منها إلى مدينة تدمر، بينما أظهرت بعض التقارير الأخرى فوز النظام في تدمر على أنه أكبر هزيمة عسكرية تلحق بتنظيم الدولة في غضون عامين.
خسارة تدمر هي ضربة كبيرة لتنظيم الدولة، فللمدينة أهمية إستراتيجية عنده، فبعيد عن أنها أولى السبل لاستعادة السيطرة على مدينة حمص من قوات النظام السوري، فهي طريق أيضًا لمد الفتح إلى البادية المتصلة بالحدود مع محافظة الأنبار العراقية التي سقطت عاصمتها "الرمادي" في أيدي القوات العراقيّة منذ أشهر قليلة، كما أن تدمر المدينة السورية الواقعة في محافظة حمص وسط سوريا، تتميز بأنها ممر إستراتيجي مهم لأنها تربط شرق سوريا بغربها، وذلك يقرب تنظيم الدولة من المعارك في دمشق.
صحيح أنّ تنظيم الدولة خسر تدمر لكنّه حطّم عدّة أساطير أثناء سيطرته عليها العام الماضي، فقد سيطر التنظيم على سجن تدمر سيء السمعة لدى الشعب السوري وفجّره، فهذا السجن العسكري له رمزية خاصة في التاريخ السياسي السوري، وسقوطه يعد هزة لنظام آل الأسد، حيث تمت به كبريات المجازر بحق جماعة الإخوان المسلمين السورية في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وهي واحدة من أبرز تلك المجازر التي يتذكرها الشعب السوري والّتي راح ضحيتها قرابة الألف مواطن سوري غالبيتهم محسوبين على تيار الإخوان المسلمين، وذلك بعد إعلان النظام السوري برئاسة حافظ الأسد آنذاك عن محاولة اغتيال فاشلة له، اتهم النظام بها جماعة الإخوان بسوريا لمحاولة تصفيتهم.
صحيح أنّ تنظيم الدولة خسر مدينة تدمر في ضربة كبيرة له ولكنّه من المؤكّد لن يستسلم بسهولة في باقي المناطق الّتي يسيطر عليها وسط حصار خانق عليه وقصف بالليل والنهار على مقاتليه ورعاياه، فهل يفاجئ تنظيم الدولة الإسلاميّة العالم بالسيطرة على مناطق جديدة أم أنّه سيفجع مناصريه بالإندحار ومزيد الخسائر؟