بعد عام من الهدنة.. هل بدأت الحرب المنتظرة بين تنظيم القاعدة اليمنيّ وقوّات التحالف العربيّ؟
هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الاسلامية، والآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
.بيان إلى أهلنا في ساحل حضرموت حول الحملة العسكرية الغاشمة الأخيرة"، كان هذا عنوان البيان الرسمي الّذي أعلن فيه تنظيم القاعدة اليمني انسحابه من مدينتي المكلا وحضر موت في اليمن، بعد أسبوع من سيطرة قوات التحالف العربي على المدينة.
انسحاب كان منتظرا، بل كان حتميّا، فما سيطرة تنظيم القاعدة على حضر موت وعلى المكلا إلّا تسليم واستلام، يتمّ بمقتضاه الإطمئنان على المدينة ومنشآتها من عدم السقوط في يد الحوثيين العنيدين والمسلّحين بآخر الأسلحة النوعيّة، ومن بعدها التفرّغ لاسترجاع المدينة من أيدي الجهاديين متى سنحت الفرصة لذلك.
من المنصف الإعتراف بأنّ "عاصفة الحزم" ساهمت بشكل كبير في خدمة مصالح تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلاميّة، والتصريح بهذه الحقيقة لا يعني بتاتا اعتقادنا بنظريّة المؤامرة الّتي ما فتئ يردّدها البعض، إنّما هذا الإعتراف استند في مبناه على قاعدة عامّة تعرف بتقاطع الخطوط والتقاء المصالح في منتصف الطريق.
عندما بدأت عاصفة الحزم قبل أكثر من عام، حذّرت كبرى مراكز الدراسات في العالم من تنامي قوّة القاعدة، وصرخ جمع غفير من السياسيين والإعلاميين والخبراء والصحفيين بالقول "إنّ عاصفة الحزم ستكون وبالا على الحوثيين وبردا وسلاما على الجهاديّين."
استشراف الساسة والخبراء وغيرهم في حقيقة الأمر لم يكن يحتاج إلى كثير من الذكاء بقدر ما كان يحتاج إلى قليل من الواقعيّة، فسيطرة القاعدة وتنظيم الدولة على بعض المناطق من اليمن أثناء الحرب كان أمرا منتظرا فرضته طبيعة الحرب الّتي أعيت اليمنيين وأنهكتهم منذ سنين، كما فرضتها حنكة التنظيمات الجهاديّة في العالم وخاصة اليمنيّة منها الّتي ظلّت عقودا من الزمن تقاتل على الأرض وتسيطر على مدن وقرى تطبيقا لمبدأ الكرّ والفرّ.
تنظيم القاعدة اليمني الّذي يعتبر أقوى فروع تنظيم القاعدة الأمّ بإجماع الخبراء والمراقبين، من المؤكّد أنّه لم يكن ينتظر إقامة دولته المنشودة على أنقاض المدن اليمنيّة الّتي سيطر عليها، بعد أن انسحبت منها قوات الجيش اليمني واستعصى على الحوثيين دخولها، بل كان يعلم علم اليقين أنّه سيحكم شهورا معدودة وبعد ذلك يكون الفراق وتعود الحرب إلى طبيعتها، حرب عصابات وكرّ وفرّ لن يسلم منه أحد، لا الحوثيين ولا قوات التحالف العربي ولا الجيش اليمني.
ما من شكّ أنّ انسحاب تنظيم القاعدة من حضر موت ومن مينائها الإستراتيجي، يشكّل هزيمة كبيرة له أمام أنصاره الّذين أكّدوا في أكثر من مناسبة أنّ القاعدة لن تسلّم في أيّ شبر تسيطر عليه في كلّ مكان يصل إليه نفوذها، لهذا كانت صياغة بيان انسحاب أنصار الشريعة "الفرع اليمني للقاعدة" من ولاية حضر موت منتقاة بدقّة، فقد جاء في البيان المذكور "لم ننسحب إلا تفويتا للفرصة على العدو في نقل المعركة إلى بيوتكم وأسواقكم وطرقكم ومساجدكم وأن قوات التحالف تعمدت "القصف المكثف من الجو والبحر على المنشآت المدنية مثل الكهرباء والسوق التمويني الذي أنشأه المجاهدون حديثا وإحدى محطات البترول العامة... التي قتل جراء قصفها العشرات من عامة المسلمين."
بيان قاعدة اليمن أعاد إلى الأذهان الخلاف الجوهري بينها وبين تنظيم الدولة الإسلاميّة حول "الحاضنة الشعبيّة"، فبينما يرفض تنظيم الدولة التنازل عن المناطق الّتي يسيطر عليها من أجل الحفاظ على المدنيين وعلى البنية التحتيّة، تؤكّد القاعدة أنّها تنازلت عن حضر موت حفاظا على سلامة المدنيّين وأرزاقهم وممتلكاتهم بعد أن دمّر القصف ما قالت إنّها منشآت مدنيّة.
وفي هذا السياق، يؤكّد الصحافي المتابع والمختصّ في شؤون "القاعدة" في اليمن عبد الرزاق الجمل، أن انسحاب التنظيم من المكلا "كان متوقعا"، لأنه يراعي الحاضنة الشعبية في الكثير من قراراته العسكرية، ويرى التنظيم هناك أن تحوّل مناطق سيطرته إلى ساحة حرب يعني خسارته لما يرى أنه قد كسبه عبر إدارته لشؤون الناس خلال عام.
تنظيم القاعدة لن يترك القتال رغم أنّه انسحب من حضر موت هذا ما أكّده البيان، بل سيقاتل على طريقته الخاصّة الّتي ترتكز على الإستنزاف وحرب العصابات، حيث ختمت القاعدة بيانها بالتأكيد على أنّها لن تتخلّى عن نصرة أهالي حضر موت والمكلا، وأنّها ستخوض المعركة بأسلوبها وبطريقتها لا بأسلوب "العدوّ" و"طريقته القذرة" حسب تعبير البيان.
قبل أيّام نشرت وكالات الأنباء العالميّة استنادا إلى الرواية الرسميّة، أخبارا مفادها مقتل 800 مقاتل من تنظيم القاعدة جرّاء الحملة العسكريّة لقوّات التحالف العربي على حضر موت والمكلا، لكن بعض شهود العيان أكّدوا أنّ الرقم مبالغ فيه وأنّ كلّ ما في الأمر، 3 أيّام من القصف الجوّي والبري والبحري المتواصل، كانت كفيلة بتحقيق المقصود وإعادة المدينتين المذكورتين إلى سلطة الدولة والقوات الشرعيّة، فمقتل 800 في يومين إن كان الخبر صحيحا وهو ما نستبعده يعني أنّ تنظيم القاعدة اليمني ضرب في مقتل ومن الصعب عليه العودة إلى سالف نشاطه وقوّته.
من الملفت للإنتباه ومن الصدف الكبيرة، أنّ تنظيم القاعدة كان قد سيطر على حضر موت والمكلا في شهر أبريل 2015، وبعد عام وفي شهر أبريل 2016 استعادت قوات التحالف العربي المدن المذكورة، لكن في تمام هذه السنة الّتي سيطر فيها التنظيم على المدينتين كانت الأعين في الداخل والخارج منصبّة نحوه، تراقب الداخل وتحقّق مع الخارج لمعرفة ما يحدث داخل عالم القاعدة.
قبل 3 أسابيع، نشرت وكالة رويترز للأنباء، تحقيقا حول تأثيرات حرب اليمن على تنظيم القاعدة، خلصت فيه في نهايته إلى أنّ القاعدة تخرج من حرب اليمن أقوى وأغنى، وجاء في هذا التحقيق أنّ تنظيم القاعدة في اليمن بات يحكم الآن دويلة على مرأى ومسمع الجميع وبمخزونات مالية تقدر بنحو 100 مليون دولار جاءت من نهب ودائع بنكية وعائدات إدارة ثالث أكبر موانئ البلاد، مضيفة أنّه وإذا كانت الرقة هي المدينة السورية التي اتخذتها الدولة الإسلامية عاصمة لها فالقاعدة تتخذ من المكلا الساحلية في جنوب شرق اليمن والتي يقطنها نصف مليون نسمة عاصمة لها.
انسحاب القاعدة ودخول القوات الحكومية بمعيّة قوات التحالف العربي إلى مدن ساحل حضرموت، لا ينهي خطر التنظيم الجهادي، فالتنظيم تمكن من الحصول طيلة عام على أموال طائلة مستفيدا من إيرادات ميناء المكلا وميناء ضبة والمرافق الحكومية في مدن ساحل حضرموت، فضلا عن اغتنامه لترسانة الوحدات العسكرية والأمنية في المناطق التي سيطر عليها، وهو ما يعني أنّ الحرب الحقيقيّة لم تبدأ بعد وأنّ المستقبل سيشهد حدوث عديد المفاجئات، وما علينا كمتابعين إلّا الترقّب والإنتظار.