شمس الدين النقاز يكتب: هل تنجح المعارضة الإيرانية في زعزعة أركان "ملالي طهران" أم أنّها ستكون مجرّد زوبعة في فنجان؟
هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الاسلامية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
جولة جديدة من الصراع الإيراني السعودي المشتعل خلال السنوات الأخيرة، لكن هذه المرّة بأساليب ورهانات جديدة لم يسبق أن راهن على نجاحها الطرفان، حيث صعد نجم المعارضة الإيرانية فجأة ودون سابق إنذار بعد أن أصبحت محور حديث مختلف وسائل الإعلام.
سياسيون من العرب والعجم شدّوا الرحال نحو العاصمة الفرنسية باريس يوم 9 من شهر يوليو/تموز الجاري للمشاركة في المؤتمر السنوي لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، والّذي أجمع فيه المشاركون على ضرورة إسقاط نظام "الملالي" بعد أن أغرق المنطقة في مستنقع من العنف غير المسبوق بسبب "سياساته الطائفيّة والدمويّة."
بمشاركة عدوة النظام الايراني الأولى مريم قجر عضدانلو الشهيرة بـ”مريم رجوي” والّتي تقود منظمة “مجاهدي خلق” التي أسست لإسقاط نظام الشاه وأصبحت إحدى مكونات المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي اختارها في 1993 رئيسة مقبلة لإيران في فترة انتقال السلطة إلى الشعب، جنبا إلى جنب مع رئيس جهاز الإستخبارات السعودية الأسبق، الأمير تركي الفيصل، وبرفقة وفود أميركية وأوروبية وعربية من بينها وفد برلماني مصري مكوّن من 7 نواب، بدأت عملّية صب المزيد من الزيت على نار الخلاف الإقليمي المشتعل بين طهران والرياض منذ سنوات.
بعد انتهاء المؤتمر الّذي لم يسبق له مثيل في تاريخ المعارضة الإيرانيّة بفضل حجم التغطية الإعلاميّة التي رافقته والتمويل السخيّ الّذي ساهم في نجاحه الكبير، تناسى المسؤولون الإيرانيون كلّ المشاركات والتدخّلات ولم يعلنوا غضبهم المبالغ فيه إلّا من مشاركة رئيس جهاز الإستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل وذلك بعد أن ألقى كلمة ناريّة خلال مشاركته غير المتوقعة، أعرب فيها عن دعم المملكة العربية السعودية لما وصفه بالإنتفاضة ضد نظام الحكم في إيران حيث قال "الإنتفاضة اشتعلت، ونحن في العالم الإسلامي نقف معكم قلبا وقالبا، نناصركم وندعو الباري أن يسدد خطاكم" مضيفا أن "نظام الخميني لم يجلب سوى الدمار والطائفية وسفك الدماء ليس في إيران فحسب، وإنما في جميع دول الشرق الأوسط وأنّ إيران تنتهك الدول بحجة دعم الضعفاء في العراق ولبنان وسوريا واليمن ودعم الجماعات الطائفية المسلحة، وأن دعمها يهدف إلى إشاعة الفوضى" حسب وصفه.
لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ بالنسبة للمسؤول السعودي الّذي لا يتكلّم من فراغ وإنّما يمثّل وجهة نظر بلاده الرسمية في كلّ كلمة يلقيها في المناسبات الدوليّة، حيث زاد من حدّة اللهجة الموجّهة ضدّ ساسة إيران، وقال الفيصل إنّه "من الأجدر بخامنئي وروحاني الإنتباه لمشاكلهما في الداخل" مبيّنا أن المعارضة الإيرانية ستحقق مبتغاها في رحيل نظام ولاية الفقيه" ثمّ وفي إطار ردّه على هتاف الحضور في المؤتمر "الشعب يريد إسقاط النظام"، أعلنها مدوّية قائلا "وأنا أريد إسقاط النظام".
لن نقف كثيرا مع كلمة مريم رجوي زعيمة المعارضة الإيرانيّة في الخارج لأنّها لا تعدو أن تكون كلمة عابرة بالنسبة للنظام الإيراني الّذي يحكم البلاد بالحديد والنّار، وإنّما المهمّ بالنسبة لنا الوقوف مع كلّ جملة وربّما كلمة صرّح بها الأمير تركي الفيصل خلال هذا الإجتماع الّذي لا يعني السعوديّة بصفة مباشرة من قريب ولا من بعيد في الظاهر ولكنّه في حقيقة الأمر، كان الورقة التي طال انتظارها لكبح جماح المارد الإيراني الّذي يريد السيطرة على الخليج وضمّه إلى إمبراطوريّته الفارسيّة التاريخية المزعومة.
ففي أوّل ردّ فعل من الجانب الإيراني على تصريحات الفيصل، أدان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بشكل خاص حضور من قال إنّه "شخص مؤسس القاعدة وطالبان ولعب دورا مخزيا جدا في تاريخ النظام السعودي في المنطقة" في إشارة إلى حضور تركي الفيصل، ثمّ أعقب ذلك بالقول إنّ الفيصل ينتظره مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كما قامت الخارجية الإيرانية بعد ذلك باستدعاء السفير الفرنسي في طهران، وسلمته مذكرة احتجاج على خلفية السماح بعقد مؤتمر للمعارضة الإيرانية في العاصمة الفرنسية، باريس قبل أيام.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن مدير عام دائرة غرب أوروبا في الخارجية الإيرانية أبو القاسم دلفي قوله "إن عقد مثل هذا الملتقى من قبل من تلطخت ايديهم بدماء الشعب الايراني وبإدارة عراب ومؤسس الجماعات الإرهابية نظير طالبان والقاعدة وداعش وشريك الصهاينة وإطلاق التصريحات السخيفة من قبلهم ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أرض فرنسا أمر غير مقبول".
قبل أيّام من انعقاد المؤتمر الّذي رُوّج له إعلاميّا بصفة غير مسبوقة، كنت أنتظر أن يمرّ الموضوع مرور الكرام كغيره من السنوات الماضية إذ لا جديد في الموضوع، لكن وبعد أن شارك الأمير تركي الفيصل وألقى كلمته النارية التي أعرب فيها عن إرادته إسقاط النظام، تغيّرت المفاهيم واتّضح للمتابعين أنّ استخدام ورقة المعارضة الإيرانيّة ستكون هي الخطوة القادمة بالنسبة للمملكة العربيّة السعوديّة "العدوّ اللدود" لـ"ملالي طهران."
فبعد أن فشلت عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها الّتي انطلقت من أجلها وهي تحرير اليمن من قبضة الحوثيين والسيطرة على العاصمة صنعاء وإعادة الحكومة الشرعيّة إليها، وبعد أن ظلّ الصراع بالوكالة بين المملكة وإيران في لبنان والبحرين على أشدّه من دون حلول، بالإضافة إلى استمرار الهيمنة الإيرانيّة على كلّ من العراق وسوريا دون أن ننسى تهديد العمق السعودي من خلال الدعم غير المباشر لشيعة المحافظات السعوديّة، أصبح لزاما على المسؤولين السعوديين البحث عن بديل جديد لتأديب المارد الإيراني الّذي لن يرضى "بأقلّ من مكّة والمدينة تحت قبضته"، فكانت المعارضة الإيرانيّة الّتي بدأت تحظى باعتراف ودعم دولي كبير هي الحلّ الأمثل والمناسب وربّما الرهان القادم للضغط على القيادة الإيرانية داخليا وخارجيّا.
في نهاية المطاف، يمكننا القول إنّ الحرب السعوديّة الإيرانية المشتعلة منذ سنوات والّتي وصلت إلى حدّ الإشتباكات المباشرة في اليمن لن تنتهي بسرعة رغم إعلان طهران في أكثر من مرّة أنّها مستعدّة للتفاوض، فتصريحات المسؤولين الإيرانيين لا تشير إلى ذلك بتاتا كما أنّ التحدّي السعودي والتصعيد في أكثر من مرّة يؤكّد أنّ السلام بين البلدين لن يتحقّق قريبا على الأقلّ، لكن وفي ذات السياق فإنّ رهان المملكة على المعارضة الإيرانيّة كورقة ضغط قويّة قادرة على زعزعة استقرار النظام السياسي ونسف أركان "ملالي طهران" سيبقى محدودا ولن يؤتي أكله خاصّة وأنّ إيران قطعت شوطا كبيرا في إقناع النظام الدولي بأنّها شريك جدّي وفاعل في محاربة الإرهاب والمحافظة على مصالحه في المنطقة وما مساهمتها في إسقاط كابل وبغداد وتقسيم الأدوار في كلّ من العراق وسوريا واليمن إلّا دليل على ما نقول، فهل يكذّبنا المستقبل وينجح الرهان السعودي على المعارضة الإيرانيّة في زعزعة أركان "ملالي طهران" أم أنّها ستكون زوبعة في فنجان؟؟