هل نجح ذئاب "الدولة الإسلامية" في نقل المعركة من العراق وسوريا إلى قلب الدول الغربية؟
هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الاسلامية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
فجأة ودون سابق إنذار، ضربت هجمات متتالية كلا من القارة الأمريكية والأوروبية والآسيوية على التوالي، موقعة مئات القتلى والجرحى وتبناها مثلما هي العادة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن الأمر هذه المرة لم يكن عاديا.
فخلال شهرين متتاليين، نجح التنظيم الجهادي في اختراق أكثر المدن الغربية تحصينا وتأمينا، فبعد أن استهدفت "الذئاب المنفردة" كما يحلو للبعض أن يطلق عليها، مطار بروكسيل، وملهى للمثليين في فلوريدا، ومطعما دبلوماسيا في العاصمة البنغالية دكا، امتطى تونسي مقيم في مدينة نيس الفرنسية، شاحنة كان قد اكتراها قبل أيام، ثمّ بدأ في دهس كل من يعترضه متسببا بذلك في مجزرة كبيرة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعد المتفجرات والأسلحة الرشاشة والشاحنات، قرّر مراهق أفغاني يبلغ من العمر 17 عاما بعد أن تسلّح بفأس وسكين، مهاجمة قطار للركاب بإقليم بافاريا، فجرح من ركابه 4 قبل أن ترديه الشرطة الألمانية قتيلا.
بلجيكيا، الولايات المتحدة الأمريكية، بنغلاديش، فرنسا، ألمانيا، ثم مرّة أخرى فرناسا، حيث أعاد "ذئبان منفردان" الكرة، وهاجما كنيسة وقتلا راهبها وجرحا أحد الرهائن كان متواجدا لحظة الحادثة.
كل هذه الهجمات التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية، وأكّد أنّها "انتقامية"، جاءت استجابة لنداءات استهداف دول التحالف المشاركة في مقاتلة التنظيم في كل مكان وخاصة في العراق وسوريا، لم يكن توقيتها بريء، فإمّا أن يكون التاريخ رمزيّا مثلما حدث في فرنسا مرتين، حيث كان هجوم نيس متزامنا مع احتفال الفرنسيين بالعيد الوطني، في حين تزامن الإعتداء على كنيسة سانت إتيان دو روفريه في شمال غرب فرنسا مع افتتاح الأيام العالمية للشباب في كراكوفيا في بولندا، وهو تجمع ضخم للكاثوليك يشارك فيه البابا فرنسيس.
في الحقيقة، لم تكن هذه الهجمات مفاجئة بالنسبة لنا، كما أنّها لم تفاجئ أجهزة الإستخبارات الغربية التي أكّدت في أكثر من مرّة أنّ هناك تهديدات إرهابية قد تستهدف مصالحها داخل بلدانها وخارجها، حتّى أصبحت التحذيرات من هذه التهديدات أو الهجمات المحتملة محور حديث وسائل الإعلام المختلفة.
في شهر مايو الماضي، وبينما كان جميع المتابعين لمسار تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الجهادية يتابعون مسار المعارك في كلّ من العراق وسوريا، ظهر إعلان مقتضب لمؤسسة الفرقان التابعة للتنظيم على شبكات التواصل الإجتماعي يعلن عن إصدار كلمة صوتية جديدة لأبي محمد العدناني، سيعلن فيها عن مفاجئات جديدة أو "بشريات" كما يسميها أنصار التنظيم، وفي بضع ساعات، حطّم عشرات آلاف المغرّدين أسطورة هزيمة تنظيم الدولة إعلاميّا، فكانت المفاجئة الأولى أن وصل هاشتاغ "الفرقان" إلى المراتب الأولى عالميا على "تويتر"، ثمّ جاءت المفاجئة الثانية والتي بلا شكّ كانت غير سارّة لأجهزة استخبارات الدول الغربية والعربيّة في نفس الوقت، حيث دعا "أبو محمد العدناني"، أنصار وجنود تنظيمه في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إلى الشروع في استهداف المدنيين، حيث قال العدناني حرفيا "واعلموا أن استهدافكم لما يسمى بالمدنيين أحب إلينا وأنجع، كونه أنكى بهم وأوجع لهم وأردع".
وبعد أقل من شهر من كلمة العدناني الأخطر على الإطلاق كما يصف مراقبون، قرّر شاب أمريكي من أصول أفغانية الهجوم على ملهى يرتاده مثليون في مدينة أورلاندو الأمريكية، فقتل وجرح العشرات ثم اتصل بالشرطة الأمريكية معلنا انتماءه لتنظيم الدولة الإسلامية ومبايعته لزعيمها أبي بكر البغدادي.
لقد كان هجوم أورلاندو الدموي الذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، إعلانا ببدء تطبيق الخطّة "ب" التي رسمها تنظيم الدولة وعزم على تطبيقها إذا ما تمّ خنقه في مناطق سيطرته، فهجوم "أورلاندو" جاء بالتزامن مع الحملة العسكرية الكبيرة التي قادتها القوات العراقية مدعومة بطائرات التحالف الدولي لاستعادة مدينة الفلوجة العراقيّة. فبينما كان العالم منشغلا بمتابعة الأحداث في الفلوجة، فاجئ عمر متين الجميع وقرّر تغيير وجهة اهتمام وسائل الإعلام ولو لأيام قليلة نحو الولايات المتحدة، فاقتحم بكل هدوء ملهى للمثليين وفتح النار على المئات من المتواجدين بداخله، فقتل 50 وجرح عشرات آخرين، ثم سقط قتيلا برصاص الشرطة الأمريكية.
قتل عمر متين، ودفنت معه أسرار عديدة لا نهاية لها، يبقى أبرزها هل المواطن الأمريكي ذو الأصول الأفغانية قام بهذه العمليّة غير المسبوقة داخل واحدة من أكثر الأماكن التي يجب أن تكون محصّنة في أمريكا، بمحض إرادته أم بتكليف رسمي من "الدولة الإسلاميّة" بعد أن أعلن بيعته لزعيمها؟
أيّام قليلة كانت كفيلة ليتناسى العالم هجوم أورلاندو، لكن فجأة ودون سابق إنذار، قامت "ذئاب منفردة" أخرى لكن هذه المرّة كانت جنسياتها بنغالية، باحتجاز رهائن في مطعم في العاصمة دكا، ليعلن جيش بنغلادش لاحقا عن سقوط 20 قتيلاً أجنبياً معظمهم من الإيطاليين واليابانيين أكثرهم قتل بآلات حادة، وكالعادة كان تبنى تنظيم الدولة لاحقا الهجوم.
بعد هجومي أورلاندو ودكا، ظنّ كثيرون أنّ الهجمات على الدول الأعضاء في التحالف الدولي ستنتهي، لكن "الذئاب المنفردة" كان لها رأي آخر، فبعد أن اتخذت الشرطة والإستخبارات الفرنسية كافة الإجراءات الضرورية لتأمين احتفاليات العيد الوطني في مدينة نيس السياحية، فاجئ التونسي محمد لحويج بوهلال العالم بأسره من خلال اختراعه لسلاح فتاك جديد، قتل بواسطته 84 مدنيا كانوا يحتفلون بيوم الباستيل في متنزه الإنجليز، فلم يكن يخطر ببال الشرطة الفرنسية ولا أجهزة استخباراتها ولا ببال آلاف المحتفلين بيوم الباستيل، أنّهم سيكونون هدفا لشاحنة مجنونة ستقتل منهم وتجرح العشرات بعد مسيرها لمسافة كيلومتيرين بدون أن يتمكّن أحد من إيقافها.
ضجّت فرنسا بعد الحادثة، وقام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في لحظات "غضب" بالتعدّي على نحو ملياري مسلم بدون أن يشعر ربّما، حيث صرّح ساعات بعد الحادثة أن فرنسا كلها تحت تهديد "الإرهاب الإسلامي" بدون أن يوضّح ماذا يعني بالإرهاب الإسلامي، كما اتخذ هولاند جملة من القرارات التي ستزيد من إنهاك الميزانية الفرنسية ماديا ومن حرية الفرنسيين معنويا.
ربّما كانت تصريحات هولاند التي استفزّ بها المسلمين واستثمرها دعاة "الجهاد"، في صالح "الذئاب المنفردة" ومن وراءهم، حيث قام "ذئبان" جديدان بإعادة بث الرعب في فرنسا من خلال ذبحهما لقسّ في إحدى الكنائس، متحدّين بذلك كل التهديدات التي أطلقها المسؤولون الفرنسيون ضدّ من تسوّل له نفسه العبث بأمن فرنسا.
بعد كلّ هذه المعطيات، يمكننا القول إنّ تنظيم الدولة الإسلامية الذي هدّد في أكثر من مرّة باستهداف دول التحالف في عقر دارها وبالعبث بأمنها القومي، قد نجح في ذلك ونقل المعركة نسبيّا إلى قلب دول التحالف، عابثا بذلك بأمنها القومي وبسلمها الأهلي، فبعد أن كانت محطات القطارات والمطارات التي يميّزها الأمن والأمان في الدول الغربية، لا تهدأ ليل نهار، أصبح طرد مشبوه أو شخص معتوه قادرين على بعث الهلع والخوف في أوساط المسافرين، بل إنّ آلاف المحتفلين والسائحين في كل أنحاء العالم أصبحوا اليوم حذرين في تحرّكاتهم وتنقلاتهم أكثر من ذي قبل بسبب هاجس "الذئاب المنفردة".