اغتيال حتّر يتفاعل بالأردن وسط مخاوف من "التجييش الطائفي"
عمان، الأردن (CNN)-- لم تهدأ وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي في الأردن منذ ساعات صباح الأحد، التي شهدت اغتيال الكاتب والصحفي الأردني المثير للجدل ناهض حتر، أمام محاكم قصر العدل، بخمس رصاصات أطلقها متشدد إسلامي من على مسافة قريبة، لحظة وصوله للبوابة الخارجية للمحكمة لحضور أولى جلسات محاكمته، بسبب إعادته نشر رسم كاريكاتوري في 12 أغسطس/آب المنصرم، وصف بأنه "إساءة للذات الإلهية".
حادثة الاغتيال الأولى من نوعها في البلاد لكاتب وصحفي وعلى مرأى ومسمع من عامة الناس، جاءت بعد أسابيع من طلب حتّر تأمين حماية أمنية له بحسب ما أفاد شقيقه ماجد حتّر للموقع، وذلك بعد الإفراج عنه بكفالة عدلية قبل أسابيع. فيما حمّلت عائلته وهي إحدى العائلات المسيحية التاريخية في البلاد، رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي شخصيا مسؤولية تبعات القضية، حين حرّك الأخير شكوى ضده لإعادة نشره رسما على صفحت عبر فيسبوك يصّور الذات الإلهية.
وأعلنت عائلة حتر توجهها للاعتصام أمام رئاسة الوزراء الاثنين، للمطالبة بإقالة رئيس الوزراء الذي أعاد العاهل الأردني الأحد تكليفه بتشكيل حكومة جديدة.
حتّر الذي صوّره مواطنون كانوا في محيط قصر العدل في العاصمة عند مقتله وهو مضرج بدمائه على وقع صرخات أحد أبنائه الذين كانوا برفقته على الأرض، سارعت شابة محجبة إلى إسعافه في محاولة لإنقاذه دون جدوى، إلا أن معلومات العائلة كشفت عن مفارقته للحياة بعد وقت وجيز.
ونقلت عائلة حتر عن مرافقيه تعرضه للقتل على يد متشدد سلفي يدعى رياض اسماعيل من مواليد 1967 بحسب ما كشفت المعلومات المسربة لاحقا، وعلى مسافة متر لحظة وصوله، فيما أحال مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى القاتل إلى محكمة أمن الدولة بتهمتي القتل العمد والقيام بعمل إرهابي.
وأدانت الحكومة الأردنية بشدة حادثة الاغتيال في بيان رسمي صدر عن مجلس الوزراء قبل استقالة الحكومة وصلت الموقع نسخة منه، قالت فيه إن الجريمة "نكراء وغريبة على المجتمع الأردني وقيمه الأصيلة.
ووسط حالة استقطاب حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، يعتقد مراقبون أن حادثة اغتيال حتّر تشكل منعرجا خطيرا في المجتمع الأردني ينذر بتفاقم "التجييش" القائم على أساس طائفي أو أيديولوجي، في تطوّر غير مسبوق في البلاد.
وتزامنت حادثة قتل حتر، مع تغيير وزارة التربية والتعليم المناهج التعليمية دون إعلان مسبق، اعتبرها تربويون محاولة لعلمنة المناهج خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم الإسلامية كالجهاد والعبادات.
وقال الباحث في شؤون الحركات الاسلامية الدكتور محمد أبورمان، إن الحادثة لم تأت من فراغ، وتشكل "منعرجا خطيرا في المشهد الأردني" سبقته مقدمات وإرهاصات ومناخات لم تشهدها البلاد في تاريخها.
ورأى أبو رمان في حديثه لموقع CNN بالعربية، إن انقساما حادا في المجتمع الأردني بدأ مع التطورات الإقليمية في المنطقة خاصة الأزمة السورية، وقال :" هناك تجاذبات بين تيار ليبرالي وتيارات أخرى خطابها مضاد للتيار الاسلامي، وهناك التيار المحافظ، وتولدت هذه الحالة من الاشتباك التي أعتقد أن أسبابها إقليمية بالأصل، ما حدث في سوريا وبصورة أكبر صعود تنظيم داعش أوجد حالة من القلق لدى المسيحيين الأردنيين والنخب العلمانية انعكس على الخطاب والافكار، إلى جانب مطالبات بوضع حد لنمو تيار مؤيد لداعش داخل البلاد.
وأمام تلك التطورات يعتقد الخبير أبو رمان أن الدولة الأردنية لم تتدخل لوقف هذه الحالة المتدحرجة"، وأضاف: " لدينا قضية ناهض نفسها وقضية الداعية الإسلامي أمجد قورشة، وتغيير المناهج الذي أثار جدلا كبيرا، وبرزت هذه القضية في الحملات الانتخابية ..المناخ غير مسبوق والانقسام يحصل للمرة الأولى على قاعدة طائفية أيدولوجية".
ودعا أبو رمان إلى ضرورة وقوف الدولة بأجهزتها الرسمية وقفة جادة في اتخاذ خطوات تشريعية وسياسية وثقافية، توقف الانتقال المحتمل إلى مرحلة أكثر خطورة، على حد تعبيره.
وشهدت المملكة حالة استقطاب أيدولوجية كبيرة منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، وبرزت تيارات مؤيدة لتنظيم داعش في سوريا والعراق، وانخرط ما لايقل عن ألفي أردني في صفوف التنظيم، فيما برز بالمقابل تيار علماني مضاد يدعو إلى التحوّل إلى المدنية والقضاء على التطرف.
وطبقت وزارة الأوقاف الأردنية في وقت سابق برنامج الخطبة الجامعة، إضافة إلى إيقاف عشرات الخطباء في المساجد عن الخطابة في المنابر لتأييد بعضهم تنظيمات إرهابية خلال العامين الماضيين.
وفي السياق ذاته، يرى الباحث الدكتور فارس بريزات أن المجتمع الأردني يعاني من " حالة من "التطرف الديني" لا يستهان بها مقابل فشل "المعالجات" الرسمية لاحتواء أزمة التطرف، معتقدا أن هناك حالة "إنكار" لذلك في المجتمع.
وكشف بريزات "عن دراسة أجراها في وقت سابق رصدت توجهات شباب أردنيين في الفئة العمرية 15 – 26 عاما، قال 5 في المائة منهم، إن تنظيمات كداعش والنصرة والقاعدة تعبّر عنهم".
ولفت بريزات إلى أن القاتل يعمل في وزارة التربية والتعليم كمهندس، في الوقت الذي كانت الوزارة قد اجرت فيه تعديلا على المناهج، وهو ما يواجه اليوم رفضا لدى قطاعات متدينة.
وقال:" هناك حالة من الاستقطاب الشديد في المجتمع بين مؤيد ومعارض لتغيير المناهج وبدأت تظهر حالة الاستقطاب بتعبير واضحة، هناك عدم فهم بالمقابل للعلمانية "، فيما أشار الى أن هناك اتهامات للعلمانيين أيضا بسعيهم لأخذ البلد إلى الهاوية من متشددين إسلاميين.
ويرى بريزات أن المناهج الدراسية بحاجة إلى تعديل جذري لجهة ترسيخ التفكير النقدي وتعزيز مهارات الحياة، بدلا من الإبقاء على "الجرعة الكبيرة من الغيبيات" في المنهاج، بحسب تعبيره.
وأكد بريزات أن هناك مشكلة مجتمعية لابد من التعامل معها بجدية، وبما يرتب المسؤولية على المؤسسات الرسمية والمرجعيات الدينية ومكونات المجتمع برمته.
ويتفق بريزات مع أبو رمان، في اعتبار أن التسامح الديني في الأردن قد تأثر سلبا قياسا على ما يجري في محيطه، مع تصاعد "العنف والشحن الطائفي".
وكانت الأحزاب السياسية وجماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة، قد سارعت إلى إدانة قتل حتّر، وأصدرت دائرة الافتاء العام بيانا استنكرت فيه مقتل حتر وأكدت "أن الإسلام بريء من هذه الجريمة البشعة".
ونقلت مواقع إخبارية أن قاتل حتّر هو إمام سابق، عمل في أحد الجوامع غير التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، قبل توقيفه في 2008 بسبب خطابه المتشدد، حيث يعمل مهندسا في أحد دوائر وزارة التربية والتعليم التقنية.