توني بلير لـCNN: ضرب داعش يبدأ بعلاج كره اليهود وتكفّير المسلمين
مقال لتوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا بين عامي 1997 و2007. الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي كاتبها.
لندن، بريطانيا (CNN) -- من أجل إلحاق الهزيمة بالتطرف الإسلامي علينا الوصول إلى توافق مع رؤية واضحة حول أسباب هذا الخطر العالمي.
تنظيمات مثل داعش والقاعدة ليست إلا الوليد الجديد لسلالة قديمة من الأفكار الشمولية الخطيرة التي ترفض وتعادي كل المفاهيم العالمية والقيم الفردية لصالح فرض وجهة نظر أحادية وعنيفة. هذه التنظيمات تغذيها أيديولوجيات سياسية عابرة للحدود وإيمان عميق بالجهاد العنيف من أجل استعادة رؤيتها المفترضة لما كان عليه الإسلام في القرن السابع للميلاد.
خطر هذه التنظيمات ينبع من مسلمات دينية من وجهة نظرهم تمنح أتباعهم الإحساس بأنهم "أفضل المؤمنين" وتبرر العنف ضد "الآخرين". ولذلك لسنا متفاجئين بواقع أن أغلب ضحايا تلك الجماعات هم من المسلمين أنفسهم. طموحهم النهائي هو الإبادة الكاملة للشعوب والحكومات والمؤسسات التي لا تتفق معهم في الرأي.
ولكن ميدان المعركة لا يقتصر على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالحرب الأكبر تهدف إلى الفوز بعقول وقلوب الناس. هي معركة مستمرة بين الأفكار. الإجراءات الأمنية بالغة الأهمية، ولكن الأمن مهما كان مشددا لا يمكنه احتجاز الفكرة.
قادة تلك التنظيمات هم في الأغلب على قدر كبير من التعليم ولديهم القدرة على تجنيد المقاتلين بسرعة كبيرة سواء عبر الانترنت ووسائل التواصل أو بطرق أخرى. إذا تمكنا من فهم أيديولوجيتهم وتفكيكها وعرقلتها فسنكون قد ضربنا الأسس الرئيسية التي تقوم عليها تلك الحركات على المستوى العالمي.
وقد أظهر استطلاع جديد للرأي صادر عن مركز الاستراتيجيات والدراسات الدولية أن غالبية الناس حول العالم تؤيد استخدام هذه الطريقة لمعالجة المشكلة. هناك إدراك عام بأن خطر العنف المتطرف ناجم بشكل رئيسي عن التطرف الديني، وتظهر بعد ذلك أسباب أخرى تحتل مراتب أدنى مثل التفرقة العرقية والفقر والتدخلات العسكرية للحكومات الأجنبية وانتهاكات حقوق الإنسان، والمفارقة أن الملتزمين دينا وكذلك غير الملتزمين، اتفقوا على أن المشكلة تكمن في الأيديولوجيا الدينية.
نحن أمام فرصة كبيرة ومهمة للحكومات ولمنظمات المجتمع المدني ولجهات أخرى من أجل استخدام هذا الدعم من أجل تطوير خطة رد موحدة وعالمية. نحن بحاجة إلى تحالف دولي جديد داخل الإسلام وخارجه لقيادة هذه الحركة ضد التطرف. الدافع لدى المسلمين يكمن في رغبتهم باسترداد دينهم المسالم من بين يدي المتشددين الذين يستغلونه. المسلمون المعتدلون هم على خط الجبهة المباشر مع المتطرفين وهم في صدارة ضحاياهم.
هذه ليست حالة حرب مع الإسلام. الاعتقاد بأن الحرب هي مع الإسلام هو إقرار بصحة المصطلحات التي تستخدمها تنظيمات مثل داعش والقاعدة وحركات اليمين المتطرف في أوروبا. علينا أن نفضح كذبة أن "الغرب" هو في حالة "حرب على الإسلام"، وعلينا أن نتذكر أن الغرب في نهاية المطاف هو موطن الملايين من المسلمين.
رغم أن الغالبية الساحقة من الناس في الدول ذات الغالبية الإسلامية تعتقد أن داعش والتنظيمات المشابهة لا تعكس حقيقة الإيمان الإسلامي، إلا أن علينا مواجهة بعض الحقائق المزعجة. هناك ممارسات أخرى موجودة في شرائح أوسع من المجتمعات الإسلامية تشكل مشكلة حقيقة.
مثلا، هناك الكثير من الإحصائيات التي لا تزال تعكس وجود حالة معادية لليهود في بعض الدول ذات الغالبية الإسلامية. كما أن بحثا آخر جرى عام 2012 عبر مؤسسة "بيو للأبحاث" شمل خمس دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أظهر أن 40 في المائة من السكان لا يعتبرون الشيعة من المسلمين.
إذا كان الناس يعيشون في مجتمعات تكره اليهود أو تكفّر الملايين من المسلمين فسيجدون أنفسهم مع الوقت في تربة صالح لنمو بذور التطرف. وبحال لم نتمكن بنجاح من مواجهة التشدد الديني داخل المجتمعات الإسلامية فإن المتطرفين سيستغلون هذه الحالة من أجل الحصول على موطئ قدم.
محاولات البعض في باكستان من أجل تعزيز قوانين "التجديف" بحيث تحد من حرية التعبير لدى غير المسلمين هي مخالفة للتوجهات العامة للكثيرين في العالم الإسلامي. غالبية الناس في تركيا ومصر وإندونيسيا والهند يؤمنون بضرورة فصل الدين عن الدولة، وهذا الرأي ينسجم مع موقف البشر بشكل عام، إذ تبلغ نسبة مؤيدي الفصل حول العالم 67 في المائة.
في إحصاء عالمي شمل دولا إسلامية، أبدى 73 في المائة من الشريحة التي شملها الاستطلاع ثقتهم بإمكانية حل مشكلة العنف المتطرف. علينا أن نصل إلى مرحلة نقبل فيها بأن المواقف المنحازة ضد اليهود والأقليات والمرأة وكل من لا يقبل بالعقائد المتشددة هي بحد ذاتها جوهر المشكلة وعلينا معالجتها.
هناك حاجة ماسة لتدخل زعماء من الشرق والغرب من أجل فهم هذه المشكلة والتصرف على أساسها. ويجب أن يكون التحرك الدولي حيالها على كل المستويات. مركز الأبحاث التابع لي "مركز الأديان والجيوسياسة" درس خلال الفترة السابقة التطرف عبر شبكات الانترنت ووجد أن 91 في المائة من الردود المناهضة للتطرف عبر الانترنت تأتي من مسلمين. هذا يتلاقى مع نتائج دراسات أخرى أظهرت أن 90 في المائة من سكان العالم يؤمنون بأن أصوات المسلمين هي الأقدر على مقاومة التطرف.
داعش كان يمتلك معقلا في بلدة دابق السوري، وبدعم من التحالف الدولي تمكن سوريون مسلمون من تحرير تلك البلدة وإنهاء رؤية "نهاية التاريخ والملحمة الكبرى" التي كان داعش يستخدمها لجذب آلاف الشبان (على خلفية توقع معركة فاصلة في تلك البلدة) هذه الحرب هي حرب الجميع وعلينا التفكير فيها على هذا الأساس.
الأمر بحاجة إلى قرار من القيادة السياسة. كما أنه بحاجة إلى خطوة للخروج من العزلة والعودة لاكتشاف المبادئ التاريخية للهويات العالمية. الكثير من الناس حول العالم يتفقون على أن خطر التطرف ليس نابعا من السياسات الغربية الخارجية إذ أن نسبة الذين يعتقدون ذلك لا تزيد عن 12 في المائة.
القيادات السياسية اليسارية الهوية عليها أن تفهم أنه بصرف النظر عن طبيعة انتقاداتها للسياسات الخارجية فهي ليست السبب في المشكلة الراهنة، وبالتالي علينا أن نكون جاهزين لندعم بفعالية أولئك الذين يحاربون التطرف في الشرق الأوسط وخارجه وعلينا تقديم ذلك الدعم من خلال تحالف صريح معهم.
القيادات السياسية اليمينية من جانبها عليها أن تفهم أننا لسنا في حرب ضد الإسلام بل ضد تحريف الإسلام وعلينا إلحاق الهزيمة بالأيديولوجيا التي يقوم ذلك التحريف عليها. الجهاديون لديهم مرونة كبيرة، وإذا عجزوا عن العثور على أسباب معاصرة تبرر لهم ارتكاب العنف فسيعودون إلى التاريخ، وأكبر مثال على ذلك هو إعلان داعش العداء لأسبانيا والتهديد باستهدافها بسبب إسقاط الخلافة الإسلامية في الأندلس عام 1492.
عندما نسمح للمتشددين بتحديد طبيعة النقاش فسنكون قد سمحنا لهم بالفوز بمعركة الأفكار. غالبية الناس حول العالم اليوم يومنون بأن هذه المعركة هي المواجهة الحاسمة عالميا وهم يريدون منا أن نستفيد من هذه اللحظة. يجب فهم هذا الأمر والتصرف على أساسه. العالم يدعو قادته للتحرك بشكل شامل واستراتيجي وعاجل. حان الآن وقت التصرف.