هل تقف إسرائيل وراء اغتيال مهندس طائرات "حماس" فوق التراب التونسي؟
تونس (CNN)-- أثارت عملية قتل المهندس محمد الزواري ارتباكا في تونس بعد إعلان كتائب القسام لحركة حماس أنه أحد قادتها واتهامها لجهاز المخابرات الإسرائيلي بالوقوف وراء ذلك، وحمّلت الحكومة التونسية عناصر أجنبية مسؤولية الجريمة التي مازال الرأي العام التونسي يرفقها بعدة تساؤلات ترتبط أغلبها بحقيقة الوضع الأمني في البلاد.
وزير الداخلية، الهادي مجدوب قال خلال ندوة صحفية انعقدت مساء اليوم الاثنين 19 ديسمبر 2016، إن التخطيط لعملية قتل الزواري كان منذ منتصف شهر جوان الماضي وتم ضمن إطار محكم خارج التراب التونسي وعلى مراحل استخدمت فيه خليتين، مؤكدا إمكانية ضلوع جهاز مخابراتي أجنبي في العملية.
وأوضح الوزير أنه لم يسجل منذ تاريخ عودة الزواري إلى تونس أي انتماء سياسي واقتصر نشاطه على صناعة الطائرات حيث كان على علاقة مع بعض الشركات الأجنبية العاملة في هذا المجال، مضيفا أن الدولة لم تكن تعلم انتماءه لحركة حماس حيث لم يتم تسجيل أي تحركات مشبوهة له.
وقُتل المهندس محمد الزواري يوم الخميس الماضي، داخل سيارته أمام منزله في مدينة صفاقس، ثاني أكبر المدن التونسية رميا بالرصاص، وتم التأكيد على أن هذه الجريمة هي عملية إرهابية .
مراد التركي الناطق الرسمي باسم محكمة صفاقس أكد أنه بعد عدة أبحاث وتحقيقات تم التأكد من أن جريمة القتل عملية إرهابية تورط فيها تونسيين وأجانب، مضيفا أنه تم إلى حد الآن إيقاف 8 مشتبهين جنسيتهم تونسية في حين مازال اثنين آخرين واحد منهم يحمل الجنسية البلجيكية وذو أصول مغاربية والآخر يحمل الجنسية السويسرية في حالة فرار، موضحا أنه تم إرسال صورة البلجيكي للأنتربول من أجل القبض عليه .
وتابع في تصريح خاص بـCNN بالعربية أن قاضي التحقيق قرر التخلي عن القضية لفائدة القطب القضائي لمكافحة الإرهاب المختص في النظر في ملفات الإرهاب من أجل مواصلة الأبحاث وتوجيه الاتهامات.
ويبلغ الزواري من العمر 49 سنة، ولم يكن شخصية معروفة في تونس، حيث لم تكن له أي نشاطات سياسية أو ظهور إعلامي إلى حين موعد اغتياله وإعلان حركة حماس أنه أحد قادتها الذين أشرفوا على مشروعها للطائرات دون طيار "الأبابيل"، التي نفذت عمليات أمنية ضد الطيران الإسرائيلي خلال الهجوم الذي شنّه على قطاع غزة عام 2014.
ووفقا للتحقيقات فإن الزواري كان عاد قبل أيام من زيارة له إلى تركيا، وفي تونس لديه عدة نشاطات فهو مدرس جامعي في المدرسة الوطنية بالمهندسين بصفاقس كما أنه بصدد إعداد رسالة الدكتوراه التي ستكون في شكل مشروع حول تصنيع غواصة بنظام التحكم عن بعد، بالإضافة إلى ذلك فهو يترأس أحد نوادي الطيران التي تختص بتدريب الشبان على تقنيات صنع الطائرات والتحكم فيها.
وخلال نظام بن علي، تعرض الزواري للملاحقة الأمنية بسبب نشاطه الإسلامي وهو ما دفعه إلى مغادرة تونس في أوائل التسعينات إلى ليبيا ثم السودان، قبل أن يستقر في سوريا أين استكمل دراسته الهندسية وانخرط في لعمل بإحدى الشركات، وفي عام 2006 انضم إلى كتائب القسام التي تقول إنه التحق بصفوفها منذ 10 سنوات.
وبعد الإطاحة بنظام بن علي في 2011 واندلاع الثورة السورية، عاد الزواري ليستقر في تونس وبالتحديد في منزل والده بمدينة صفاقس، لكنه ظل مرتبطا بعمله في الخارج حيث يسافر بين الحين والآخر إلى تركيا.
ويبدو أن الزواري كان يعمل بسرية تامة مع كتائب القسام، فعائلته تفاجأت عند سماعها بخبر بانتمائه إلى حماس ونفت علمها بطبيعة التعاون بينهما، حيث تؤكد زوجته، ماجدة صالح خليفة وهي سورية الجنسية أنه لم يتحدث يوما عن علاقاته مع الفلسطينيين وأنها لم تشك في تصرفاته أبدا، مضيفة أن كل وقته كان مخصصا لعمله داخل الجامعة أو داخل نادي الطيران في تعليم الشباب وتدريبهم.
وأضافت في حديث مع CNN بالعربية أنه لم يكن منخرطا في أي جماعات دينية أو ما شابه داخل تونس، مشيرة إلى أنه بين الحين والآخر كان يسافر إلى تركيا إلى الشركة التي يعمل معها وأنه سافر مرتين إلى لبنان بغرض العلاج لكنه لم يستقر فيها.
وعبّرت ماجدة عن صدمتها من استهداف زوجها ومن كيفية تنفيذ العملية ودخول الأجانب إلى التراب التونسي و"تدنيسه" دون رقابة، مطالبة السلطات التونسية باسترجاع حق زوجها، لكنها في نفس الوقت عبرت عن "فخرها بمشاركة زوجها مع المقاومة الفلسطينية ضد العدوان الإسرائيلي".
ولم تؤكد إسرائيل إلى حد اليوم صحة الاتهامات التي وجهتها لها كتائب القسام، لكن وسائل إعلامها اعتبرت أن الزواري تربطه علاقات وطيدة بحركة حماس حيث أنه عضو في الجناح العسكري للحركة وكثيرا ما يتردد على معسكراتها في سوريا ولبنان وكان يساعدها بهدف بناء قدراتها في مجال إنتاج الطائرات دون طيار وفق تعبيرها.
وتواجه الحكومة التونسية ضغوطا شعبية كبيرة من قبل التونسيين ومنظمات المجتمع المدني من أجل الكشف عن ملابسات هذه الجريمة والردّ على الاتهامات الفلسطينية بتورط جهاز المخابرات الاسرائيلي في ارتكاب جريمة على التراب التونسي، كما تتعرض إلى انتقادت كبيرة تطال جهازها الأمني خاصة بعد تأكيدها أن عناصر أجنبية تقف وراء العملية.
وفي بيانها، طمأنت الحكومة التونسية المواطنين وأكدت أن الدولة التونسية ملتزمة بحماية كل مواطنيها و أنها سوف تتبع الجناة الضالعين في عملية الاغتيال هذه داخل أرض الوطن و خارجه بكل الوسائل القانونية و طبقا للمواثيق الدولية، مضيفة أنها ستتولى الكشف على كل مجريات الواقعة في الإبان حفاظا على سرية التحقيق.
ويذكر أن تونس تعرضت إلى عمليتي اغتيال بعد الثورة استهدفت السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي أمام مقر سكنيهما من قبل متشددين، لكن الخبير الأمني علية العلاني أكد أنه لا ينبغي التسرع في هذه الجريمة وتصنيفها على أنها عمل مخابراتي أجنبي إلى حين صدور التأكيدات الرسمية.
وأضاف العلاني في تصريح لـCNN بالعربية أن الموضوع مازال غامضا و تصريحات الدولة والموقف الرسمي لا يفيد بوقوف مخابرات أجنبية وراء العملية لأن البحث ما يزال جاريا، مشيرا أن اسرائيل لم تعترف إلى حد الآن بضلوعها في العملية لأنها في العادة لا تعترف بالعمليات التي تقوم بها خارج حدودها بسبب خشيتها من تتبعات قانونية.
وبخصوص ما إذا كانت تونس ضعيفة أمنيا بالشكل الذي يسهل اختراقها من قبل مخابرات أجنبية، أكد العلاني أن مثل هذه العمليات لا ترتبط بضعف أو قوة الجهاز الأمني، مبيّنا أن مثل هذه العمليات حدثت سابقا بعديد البلدان حتى بفرنسا التي وقع فيها اغتيال فلسطينيين في وقت كانت مخابراتها من أقوى المخابرات في العالم، موضحا أن كل الدول معرضة لمثل هذه الجرائم وليس الأمر مرتبطا بتونس.
من جهته اعتبر خالد عبيد المختص في التاريخ السياسي، أن المعطيات المتوفرة إلى حد الآن تشير إلى أن الجريمة لا يقف وراءها أفراد عاديين وإنما جهاز معين والشكوك تتجه أكثر إلى جهاز مخابراتي أجنبي.
وأرجع في تصريح لـCNN بالعربية شكوكه إلى أن تونس أصبحت مفتوحة أمنيا بحيث يمكن لأي أجنبي الدخول إليها، مضيفا أنها وفي هذه الحالة فهي مطالبة بالعمل أكثر على تقوية جهازها المخابراتي خاصة المتعلق بالجوسسة من أجل الحفاظ على استقرارها.