عبد الخالق عبد الله يكتب: حال العالم والمنطقة عام 2016

نشر
8 دقائق قراءة
Credit: AFP getty images

هذا المقال بقلم الدكتور عبدالخالق عبدالله استاذ العلوم السياسة من الامارات ورئيس المجلس العربي للعلوم الاجتماعية واستاذ زائر بجامعة لندن LSE. يمكن متابعته على حسابه في تويتر @abdulkhaleq_uae. لا يعبّر المقال بالضرورة عن رأي CNN.

محتوى إعلاني

-- كانت سنة 2016 التي توشك على الانتهاء، سنة صعبة وبائسة، وبانتخاب رئيس أمريكي شعبوي يصعب التكن بمواقفه، ومع تصاعد موجهة اليمين المتطرّف في أوروبا واستمرار العنف وعدم الاستقرار في الشرق الاوسط من المستحيل الشعور بالتفاؤل بقدوم 2017 التي ربما لن تكون بسنة افضل للمنطقة والعالم.

محتوى إعلاني

سيذكر التاريخ سنة 2016 بأن اكثر من 60 مليون امريكي قرروا التصويت لمرشح شعبوي وغاضب وعنصري حتى النخاع ليصبح الرئيس ال45 للدولة العظمى الوحيدة في العالم. فاز دونالد ترامب 70 سنة، بسبب وعوده الانتخابية انه سوف يعيد لامريكا مجدها وسيقوم ببناء حائطا على حدودها الجنوبية مع المكسيك لوقف تدفق المهاجرين بل وعد انه سيقوم بطرد اكثر من 11 مليون شخص اقامتهم غير قانونية في امريكا.

وسيذكر التاريخ سنة 2016 ان 52% من الشعب البريطاني صوت بقلبه وليس بعقله وفي لحظة غضب لصالح انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ليشعر بالأسف لاحقا على تمرده واندفاعه مع احزاب غوغائية تنادي باغلاق ابواب ونوافذ المجتمع البريطاني في وجه المهاجرين وكل من هو غير بريطاني قلدم من القارة الاوروبية وذلك في تراجع غير مسبوق لقيم الانفتاح والتسامح وقبول الآخر التي كانت من اهم سمات تفوق وتميز بريطانيا.

كما سيذكر التاريخ سنة 2016 بالسنة التي شهدت تزايدا مقلقا في عدد جرائم الكراهية والارتفاع نبرة خطاب الغضب المصحوب بردة سياسية وفكرية في القارة الاوروبية نحو اليمين المتعصب والمتطرف الذي لا يختلف كثيرا عن الاحزاب النازية والفاشية التي كانت تتبنى مقولات عنصرية تدعي بتفوق عنصر الجنس الابيض على كافة الاجناس وتنطلق من كراهية الآخر وبث الخوف منه وتأسيس مجتمع للجنس الابيض والاشقر المتجانس.ان من ايرز معالم سنة 2016 صعود احزاب اليمن المتطرف في الغرب التي تسيطر حاليا على برلمانات 9 دول اوروبية في حين ان احزاب الاعتدال والوسط واليسار في تقهقر وتفكك مستمر.

وسيذكر التاريخ سنة 2016 كسنة بداية النهاية لعصر مشرق من التسامح في اوروبا والغرب الذي امتد لعقود. لم تعد اوروبا التي كانت متقدمة على بقية مناطق العالم في تطبيق قيم التسامح قولا وفعلا، متسامحةاليوم كما كانت في السابق، بل أن اوروبا وامريكا 2016 اصبحا اقل تسامحا مما كانتا عليه قبل سنة، وان استمر صعود تيار اليمين الغاضب والمتطرف فإن اوروبا ستكون اقل تسامحا خلال سنة 2017 وخلال السنوات القادمة. نهاية عصر التسامح في اوروبا يعني ان الغرب السياسي والحضاري سيتخلى عن مسؤولياته في الدفاع عن مبادي الليبرالية الوسطية، ولن يحمل نفس الثقل المعنوي عند الحديث عن التسامح، ولن يكون القدوة في الانفتاح الحضاري. فجأة تحولت اوروبا من ارض التسامح والانفتاح الى ارض الانغلاق، ومن قارة القبول بالآخر الى قارة كارهة للاجنبي والوافد، وقلعة ومزدهرة وواثقة من نفسها قلعة مرتبكة ومأزومة وقابلة للتفكك، ومن مجتمع يستقبل اللاجئيين الى مجتمع يخشى الاسلام ويخاف من المسلمين. اوروبا وامركيا والغرب سنة 2016 يعيش ازمة ثقة بالنفس وخشية من الآخر وسط صعود مريب ومقلق للعنصرية والترامبية والشعبوية والانعزالية والشوفينية التي اخذت تهيمن على الخطاب السياسي في الغرب الذي يبتعد عن جذوره الليبرالية والحداثية المتسامحة بوتيرة متسارعة ومؤسفة.

لكن اذا كانت سنة 2016 سنة بائسة بالنسبة لقيم الامل والانفتاح والتسامح في الغرب، فإنها من اسوأ السنوات واصعبها لقوى الاعتدال والاستقرار في الشرق الاوسط. فالتاريخ سيتذكر 2016 كونها السنة التي ارتفع فيها منسوب التخندق الطائفي والمذهبي وارتفع خلالها دعوات وممارسات التطرف والعنف الى مستويات غير مسبوقة في التاريخ الحديث لمنطقةتتسم ايضا بفائض في العنف وعدم الاستقرار المزمن. كانت 2016 سنة النهاية لما تبقى من مظاهر الاعتدال الفكري والاستقرار السياسي في منطقة مهد الحضارات والديانات الكبرى.

كانت منطقة الشرق الاوسط عام 2016 مليئة بالتطرف والمتطرفين، والارهاب والارهابيين، والخنادق والمتخندقين من الاطياف السياسية والتيارات الفكرية التي لم تعد تطيق بعضها، واصبحت في حالة "هوبسيه" من العداء والتخندق والاستنفار والاقتتال مستخدمين اسلحة فتاكة بما فيها الاسلحة المحظورة دوليا لارتكاب جرائم ضد البشرية، وتدمير ما تبقى من الارث الانساني والحضاري، وتفكيك الدولة الوطنية ال دويلات متحاربة.

ويذكر تقرير التنمية الانسانية العربية لسنة 2016 ان المنطقة العربية التي تشكل 5% من اجمالي سكان الكرة الارضية هي مصدر 45% من كل العنف والارهاب، و60% من اجمالي عدد اللاجئين والمشردين في العالم. وبلغ الامر بصحيفة امريكية كصحيفة نيويورك تايمز ان تخصص كل صفحاتها لتتحدث عن منطقة فقدت الامل والافق وخسرت حاضرها ومستقبلها ولم يعد فيها عقل وعاقل.

لقد خرج المارد المذهبي من قمقمه خلال 2016 واخذ يعيث قتلا وفتكا ودمارا في المنطقة، ولم يعد بالامكان السيطرة عليه وإعادته الى قمقمه. انطلق المارد المذهبي بقوة في عموم المنطقة وسيظل مندفعا ومتمردا وخارجا عن السيطرة لسنوات قادمة. هذا المارد المذهبي مسؤول عن تفكك وتفكيك العراق الذي دخل في نفق مظلم بوصاية ايرانية وامريكية. والمارد المذهبي يفتت سوريا بوصاية روسية ايرانية تركية مشتركة ويقضي على البشر والحجر والاخضر واليابس في بلد عربي المنهك كل الانهاك حيث لا يوجد اي أمل في نهاية لانهاكه قريبا. والمارد المذهبي يغذي الصراع السياسي والتنافس الاقليمي بين السعودية وايران الذي دخل مرحلة العداء العقائدي الشديد الذي يتوقع استمراره لفترة طويلة قادمة.

مهما كان حجم دمار المارد المذهبي الذي خرج من قمقه فأنه يظل ماردا محصورا في نطاقه الجغرافي الشرق اوسطي، اما الموجة الشعبوية وسياسة الكراهية والانغلاق في اوروبا، وفوز ترامب في امريكا والاتجاه نحو اليمين العنصري والمتطرف فتأثرها فلن يكون محصورا في الغرب بل يمكن ان ينشر كوباء معولم، وقد ينتقل سريعا الى مناطق اخرى في العالم. فثقافة الكراهية وسياسة الخوف والتخويف من الاخر معدية وعابرة للقارات وستجد من يستجيب لها ويؤججها السكان الجديد في البيض الابيض خلال السنوات الاربعة القادمة.

ما يمكن قوله ان حال العالم والمنطقة كان بائسا ومقلقا خلال 2016. وعلى الرغم من ان الملايين من سكان العالم فرحين بانتهاء هذا العام ببؤسه، الا انه لا توجد مؤشرات دالة تنبئ بالامل والشعور بالتفاؤل تجاه سنة 2017 وبانها ستكون افضل حالا بالنسبة للعالم والمنطقة من سنة 2016.

نشر
محتوى إعلاني