محمد أنيس سالم يكتب: سوريا.. اقتراب لحظة الحقيقة
هذا المقال بقلم محمد أنيس سالم، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
مرة أخرى، يصل الصراع على سوريا لنقطة تحول تتكثف عندها عوامل عدة وتتفرع عنها مسالك جديدة. هناك – داخل قاعة فى إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق – يتحلق أهل الحل والعقد: روسيا وإيران وحكومة دمشق من جانب وتركيا وطيف من المعارضة من جانب آخر. الولايات المتحدة – فى لحظة من الفوضى الداخلية – ارتضت هذه المعادلة باعتبارها موضع تشاور مستمر مع موسكو التى عادت فوجهت دعوة لإدارة "ترامب" بالمشاركة. خارج القاعة تقف الدول العربية تتفرج، خارج دوائر التأثير وبلا دور محدد. من وجهة نظر المجتمعين فى تلك القاعة فى "أستانة" فإنه يمكن اختصار حروب سوريا المتعددة (الحكم – المعارضة/ الحكم – الأكراد/ الأكراد – داعش/ تركيا – الأكراد/ إسرائيل – حزب الله/ روسيا – المعارضة.... الخ)، فى الأطراف الممثلة.
ماذا أوصلنا إلى هنا؟ لاشك أن انتصار النظام والقوى المساندة له فى حلب، وبدرجة أكبر من انتصار هذه القوى فى "القصير" (مايو 2013)، شكَّل العامل الأهم فى هذا التحول. وبالمقابل فإن جميع الأطراف تحتاج لمعاودة حساباتها فى ضوء المعطيات الجديدة.
تداعيات ما بعد حلب:
• الحكم فى دمشق أمام لحظة فارقة. هل يمضى فى استراتيجية عسكرية تستهدف نصراً كاملاً؟ وإن كانت إيران وحزب الله لديهما قبول بهذه الاستراتيجية فإن السؤال يبقى حول الموقف الروسى الذى سيكون راغباً فى التعاون من "ترامب". فهل تستطيع دمشق أن تقدم معادلة لحل سياسى تعبر عن التوازنات الجديدة أم أن حقائق النزاع قد همشت دور الحكم لصالح رأى موسكو وطهران؟
• المعارضة تحتاج لمراجعة قاسية من ناحية إعادة الاصطفاف والتوافق على برنامج عمل واقعى بدلاً من سوء التقدير الذى لازمها فى عملياتها العسكرية، وتشرذم جماعاتها بين الداخل والخارج، وبين حملة السلاح والمقيمين فى أوروبا والخليج، وبين التوجهات الإسلامية المختلفة. إن مطالب المعارضة بالتدخل الدولى وتصريحاتها حول قوتها القتالية وإصرارها على مطالب غير واقعية كلها تتطلب التعديل.
• تركيا أصبحت طرفاً أصيلاً ومعترفا به دولياً، فى المعادلة السورية، لا فقط باعتبارها دولة جارة ومتدخلة عسكرياً وتحتل أراضى سورية ولكن أيضاً بوصفها ممثلة الأطراف الإسلامية السنية والطرف الذى يقدم ضمانات بالتزام قوات المعارضة بتفاصيل وقف إطلاق النار. ثم تركيا يتحقق لها ما ألحت عليه منذ 2011 من إنشاء "منطقة آمنة" داخل الأراضى السورية وإبعاد الأكراد عن غرب الفرات وعدم مشاركتهم بصفتهم فى اجتماع "أستانة".
• إيران ترى دورها الإقليمى يكتسب قبولاً وشرعية رغم أنف قوى إقليمية تحاول تحجيم الامتدادات الشيعية للدولة الفارسية. طهران، ومعها تحالف "حزب الله" ومجموعات شيعية من العراق وأفغانستان وباكستان، تحقق لها تأمين نظام الأسد وخط الإمدادات فى اتجاه البقاع وأصبحت لاعباً تحجز له المقاعد فى غرف التفاوض فى غياب أهل الدار.
• الدول التى ساندت المعارضة تحتاج لمراجعة أهدافها وأساليب عملها ومعايير اختيار حلفائها. ولعل الاتفاق على جدول زمنى جديد لتطبيق الحل السياسى يمثل إطاراً مناسباً لذلك مع العلم بأن التوافق الدولى الآن يقبل وجود الرئيس الأسد خلال الفترة الانتقالية والخلاف يدور حول تحديد سلطاته ومدى مشاركة المعارضة فى الحكم والوضع القانونى للدولة (دستور 1950، أو الدستور الحالى لعام 2012، أو إعلان دستورى جديد).
• روسيا تحقق لها إعادة تأهيل صورتها كقوة كبرى قامت بمغامرة محسوبة واستخدمت أدواتها العسكرية والدبلوماسية بمهارة وتأكد دورها الشرق أوسطى فى مواجهة سياسات الغرب التى تصرفت من قبل بشكل انفرادي فى العراق وليبيا وغيرها وأيضاً فى مواجهة موجة التطرف التى تهدد الداخل الروسى فى الصميم. رويداً رويداً يتبلور توازن أمريكى – روسى جديد سوف يختبره "ترامب" الذى يعتقد فى إمكانية التفاهم مع "بوتين".
• الولايات المتحدة – فى عهد "ترامب" – تريد التركيز على محاربة الجماعات الإرهابية التى ترفع شعارات إسلامية وأولها "داعش" و"جبهة النصرة" (بمسماها الجديد "جبهة فتح الشام"). والأرجح أن تكون "الرقة"، عاصمة الخلافة لداعش، هى موضع العمل العسكرى القادم فى 2017 وإن كان السؤال قائم حول أعضاء التآلف الذى سيقوم بهذا الهجوم.
سيناريوهات 2017:
سيناريوهات سوريا فى العام القادم تتبلور فى احتمالات محددة:
• عملية تفاوضية معقدة ووقف إطلاق نار متقطع وخلافات بين أطراف المعارضة تعطل مشاركتهم فى العملية السياسية.
• سعى أمريكى – روسى لإيجاد تفاهمات فيما بينهما حول فرز جماعات المعارضة وتنسيق العمليات العسكرية وتفاصيل المرحلة الانتقالية.
• تركيز للعمل العسكرى الدولى على "داعش" مع استعادة الرقة وتدمر، وربما إنهاء الظاهرة الداعشية.
• استمرار التوتر فى علاقة التحالف الروسى – الدمشقى – الإيرانى دون أن يصل الأمر لانفراطه.
• عملياً ستظل سوريا مقسمة بين خمس مناطق أحدها تسيطر عليه دمشق ("سوريا المفيدة") وأخرى يتمسك بها الأكراد وثالثة تحت سيطرة قوى المعارضة ورابعة تحت سيطرة "داعش" وخامسة تحتلها تركيا.
• تواضع الدور العربى فى العملية التفاوضية أو المشاركة فى آليات الحل أو فى دفع عملية إعادة الإعمار مع استمرار – وربما تصاعد – الخلافات العربية مما يعنى المزيد من تقزيم الإسهام العربى فى تحديد مستقبل سوريا.
المحصلة: حذرنى أحد الأصدقاء من مخاطر التنبؤات حيث قيل أن قيصر روسيا "نيكولاس الثانى" كتب منذ مائة عام "أن عام 1916 كان عاماً ملعوناً وبالتأكيد فإن 1917 سيكون أفضل". (المعروف أن الثورة البلشفية قامت فى ذلك العام وأعدمت القيصر وعائلته). ومع ذلك فلا بأس من التأمل فى لحظة التوازن الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا، وبين تركيا وإيران، وبين الحكم والمعارضة من حيث أنها تفتح المجال لخطوة نحو التسوية. إلا أن عوامل الصراع لا تزال كامنة وكفيلة بأن تجر الجميع إلى ساحات المعارك مرة أخرى. ويبقى السؤال حول مدلولات غياب الدور العربى وتداعيات ذلك علي قضايا أخرى فى الإقليم. أنها لحظة الحقيقة تقترب.