محمد داودية يكتب: المسلحون لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع
هذا المقال بقلم محمد داودية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.
تزداد ضعفا، قوى التقدم والديمقراطية والتعددية السياسية والحداثة والدولة المدنية، ويزداد الظلاميون وقوى التخلف والجمود والماضي والدولة البوليسية الإرهابية قوة وحضورا، فهم لهم نظرية وفلسفة وميكانزمات وقيادة يتوكأون عليها وينطلقون منها، في حين أن قوى التقدم والمستقبل والحداثة والتجديد والعلم والدولة المدنية، مبعثرة لا طليعة لها ولا قيادة ولا حلقات فنية تلظمها وتنظمها وتوحدها على هدف واحد يعلنون أنهم لا يختلفون عليه هو التقدم !!.
كانت الخطيئة هي في مزج الهدف والشعار: الشعب يريد إسقاط النظام، دون تحديد الهدف وهل هو: اسقاط رئيس النظام وزمرته الفاسدة، ام اسقاط النظام كله؟
معلوم أن زوال الرؤساء لن يحل المشاكل، بل قد يعقدها، في بلدان تتعدد فيها الإثنيات والطوائف، والتغيير كما هو معلوم، عملية طويلة ومعقدة وليست تحت السيطرة الوطنية في كل الحالات. وأخيرا قالها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب:
العالم كان سيكون أفضل بوجود صدام حسين والقذافي.
ومعلوم ان الجماهير -في كل الثورات- التي اسقطت الرؤساء والأنظمة لم تجد بناء نظام جديد بدون طليعة وحزب ينطويان على رؤية ونظام وعقيدة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية.
في ثنائية الثورة والدولة فإن السلطة/الحكم لا تنحل، بل تنهار، وهنا الكارثة.
ففي غياب معارضة موحدة ومستقرة ذات تقاليد وتراث وخبرات، تصبح الحاجة هي: عملية سياسية تضمن انتقالا للسلطة يجنب بلداننا الحروب الأهلية أو التدخل الخارجي.
والعراق نموذج للنتائج الكارثية لخيار التدخل الخارجي، وتصطف ليبيا في هذا السياق. ان تدمير الجيوش والمقدرات الوطنية وزرع بذور الاحتراب الداخلي وبروز التكفيريين والطائفيين الماضويين، كقوى ميدانية مقررة، ووفرة السلاح يعني بالتأكيد، الاحتكام الى الدبابة والقوة والمغالبة والاقصاء ونبذ التعددية السياسية والديمقراطية، فالمسلحون لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع ابدا.
وان اصرار الأنظمة السياسية المتغطرسة الحمقاء على الحل الأمني، قد أحال مؤسساتها الى ميليشيات وطغاة متوحشين. والنقيض لتلك الغطرسة القاتلة هو الحالة الرسمية الأردنية التي لجأت الى الحوار والاستجابة لتطلعات الشعب وضرورات المرحلة.
ومن الخطير ان تربط مصائر الأوطان بنزاهة رجل أو حزب ودليلنا هو الحالة الناصرية التي خلّفت من انقلب عليها، والحالة التونسية التي عبر عنها بأمانة، الشيخ راشد الغنوشي والتي اوشكت ان تنتهي كليا بين يدي الفلول.
ان محطات الربيع العربي هي محطات متنقلة، وحال إقليمنا كحال الأواني المستطرقة، يفيض بعضها على بعضها، وان قوى الهيمنة الدولية والإقليمية، قد خلقت وكلاء محليين يخوضون علنا، حروبها عنها، متعظة من تجربة العراق: لا قتلى ولا نفقات، بل صفقات التسليح الهائلة الكلفة، وصفقات إعادة اعمار ما دمره التسليح، التي سترهن بلداننا لعقود قادمة.
يتناوب الاستبداد والفساد في الحفر ونقب اساسات الكيانات، لا الأنظمة السياسية فقط. واذا كانت أهداف شعوبنا هي انجاز متطلبات الحرية والكرامة الإنسانية والخروج من طوق التخلف والجهل والظلم والخرافة والماضي والجمود، فان ذلك يستوجب الإطاحة بمنظومتي الاستبداد والفساد، اللتين هما وجه وقفا قطعة النقد المعدنية.
وكي نعرف حجم العطب، الذي أصاب مدنية الدولة، لصالح الإسلام السياسي والتدين المظهري القشروي، والتاويلات المغالية المتشددة، يجدر ان نتذكر صورة الوردة، التي حلّت على بوسترات الدعاية الانتخابية في مصر، محل المرشحة العزباء، وصورة الزوج التي حلت محل صورة المرشحة المتزوجة !!
ومن المفيد التذكير ان أولئك السلفيين، الذين لبسوا لبوس التقى، وغض البصر، قد خذلوا الاخوان المسلمين، حلفاءهم في الانتخابات المصرية، كشفوا عن انتهازية سياسية كاملة وانحازوا كليا ضدهم، لصالح الرئيس الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي أطاح الاخوان، ولم يقدموا حتى نصيحة ولا محاولة للذود اللفظي عن حلفائهم وشركائهم في الشعارات الاسلاموية البراقة.