رأي: هل تنفجر أوكرانيا من القرم؟

نشر
8 دقائق قراءة
Credit: VOLODYMYR SHUVAYEV/AFP/Getty Im

فريدا غيتيس، كاتبة عامود الشؤونالدولية بصحيفة "ميامي هيرالد" و"وورلد بوليتيك ريفيو" وعملت كمنتجة ومراسلة صحفية بشبكة ،  ومؤلفة كتاب" نهاية الثورة: عالم متغير في عصر التلفزيون المباشر"، هي كاتبة هذه المقالة التي لا تعبر سوى عن أرآئها.

محتوى إعلاني

 

محتوى إعلاني

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)  -- الجمعة الماضي، زحف مسلحون في زي عسكري نحو مطار رئيسي في  "سيمفيروبول" عاصمة إقليم القرم، أكثر مناطق النزاعات بأوكرانيا، فالمسلحون رفضوا كشف هوياتهن، إلا أن وزير الداخلية الأوكراني المنزعج أعلن الخطوة بأنها "غزو مسلح" من جهة روسيا.

وجاء الغزو بعد 24 ساعة من سيطرة مسلحين ملثمين على مقر البرلمان ورفع العلم الروسي فوق مبنى البرلمان الإقليمي في شارة تحد واضحة بأن معركة أوكرانيا أبعد ما تكون منتهية.

ففي كييف، نجح الناشطون الموالون لأوروبا في وضع نهاية لحكومة الرئيس السابق، فيكتور يانوكوفيتش، المدعومة من قبل روسيا، ويحرزون تقدما أيضا في اختيار حكومة برئاسة رئيس وزراء مؤهل، إلا أن الوضع مختلف في القرم، الواقعة على البحر الأسود، حيث تزداد وتيرة التوتر

الوضع خطر والمخاطر جسيمة، فالقرم نقطة اشتعال، فإن انفرطت أوكرانيا فالبداية من هناك، بشبهة الجزيرة الصغيرة التي لعب على الدوام دورا يتجاوز حجمها على التاريخ، فإذا قررت روسيا التدخل العسكري، فمبرراتها وأهدافها ستكون القرم.

ولهذه الأسباب، على الحكومة الأوكرانية الجديدة الانتباه بحذاقة حيال كيفية التعامل مع مخاوف الشعب القرمي ووضع تلك المنطقة من البلاد، وفي الوقت عنيه، على أمريكا وأوروبا لعب دور بناء، بضمان تفهم روسيا بأن اللوضع يجب – ويمكن حله دون أي تدخل عسكري، وأن وحدة أوكرانيا لن تنفرط.

فأوكرانيا بأكملها يجمعها تاريخ مع روسيا، فهي دولة يتحدث الملايين من مواطنيها اللغة الروسية، ولكن في إقليم القرم، موطن العديد من النزاعات المحلية، وتحديدا توزيعها فيما يتعلق بروسيا – هناك تضخيم، فأغلبية السكان من أصول روسية وبالقية من عرقيات أوكرانية وتتار، والعديد من ذوي الأصول الروسية بتحالف قوي مع موسكو، فيما ترى فئة أخرى أن على الإقليم الاستقلال عن كل من كييف وموسكو، ويدعم فريق آخر الانضواء تحت الجمهورية الروسية.

ففي منطقة تنقلت فيها الحدود مع الاضطرابات السياسية والعسكرية لعقود، تغيرت القيادات عدة مرات، ففي حقبة الاتحاد السوفيتي كانت جزاء من الجمهورية الروسية، وفي خطوة مفاجئة، وغير مفهومة تماما، منح القائد السوفيتي  نيكيتا خروتشوف، القرم لأوكرانيا عام 1954، وقتها لم يكن لإعادة ترسيم الحدود مغزى كما هو الحال الآن، فالقرم مازالت ضمن مناطق  أراضي جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإشتراكي،  ومازالت تُحكم من موسكو.

والقرم كانت مسرحا لأكبر الأحداث التاريخية، ففي عام 1945 تمت واحدة من أهم اجتماعات التحالف هنا، عندما انضم فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل للقاء جوزيف ستالين بمؤتمر يالتا في منتجع بالبحر الأسود، حيث جرى التخطيط للمرحلة الأخيرة من الحرب وبدء رسم خريطة أوروبا ما بعد الحرب.

كما أن شبه الجزيرة كان مسرحا للحرب القرمية في القرن الـ19، عندما تقاتلت القوى العظمى فيما بينها للسيطرة على العالم القديم والبحر الأسود الاستراتيجي.

وللقرم روابط قوية تاريخية وسياسية وجغرافية مع روسيا، والأهم من ذلك كله، قيمتها الاستراتيجية العالية، مدينة "سيفاستوبول" المتاخمة للقرن الجنوبي لشبه الجزيرة، تعتبر تاريخيا ميناء عسكريا رئيسي لروسيا، واليوم هي مقر أسطول البحر الأسود الروسي.

تخيل شحنات روسية، لنقل على سبيل المثال، أسلحة تريد أن تبعثها إلى حليفها في سوريا، فأفضل الخطوط لذلك هي القرم، بالإبحار بإتجاه استانبول التركية ثم عبور مضيق الدردنيل وإل البحر المتوسط، في الواقع، البحرية الروسية بحاجة إلى سيفاستوبول لأنها منفذ إلى المتوسط والمحيط الهندي أثناء فصل الشتاء.

وسيفاستوبول كانت مادة مفاوضات ساخنة  في إعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، وعام 1990، اتفقت أوكرانيا وروسيا على منح المنطقة مكانة خاصة وعقد تأجير طويل المدى للمنشأة البحرية حتى عام 2047، في ترتيبات مشابهة لاستئجار الولايات المتحدة لخليج غوانتانامو بكوبا.

وبانهيار الحكومة الأوكرانية الموالية لها، رأت روسيا في التطورات كتهديد لأهدافها الكبيرة بالحفاظ على مواقع نفوذها حتى في المناطق الخارجية القريبة، والتي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي، أنها تسعى لحماية خطوط أنابيب الغاز الطبيعي بأنحاء أوكرانيا، كما أن لها مخاوف محددة بالحفاظ على منشآتها في "سيفاستوبول" كما أنها أيضا تسعى لحماية الأوكرانيين من أصول روسية من التعرض للتمييز.

الخطر هنا أن روسيا ستستخدم الأوكرانيين الناطقين بالروسية كذريعة لتحقيق أهدافها الأخرى، وسبق وأن فعلت ذلك بغزوها لجمهورية جورجيا في 2008، وقامت بالاعتراف رسميا بالمناطق المنفصلة كدول مستقلة.

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أكد أن موسكو ستدافع وبـ"تصلب" عن الأوكرانيين الروس، وفي ذات الوقت أمر الرئيس، فلاديمير بوتين، بإجراء تدريبات عسكرية على الحدود الأوكرانية واستنفار 150 ألف جندي، ونقلت وكالة "انترفاكس" الرسمية عن وزارة الدفاع بأن هناك دوريات جوية يجري القيام بها على الحدود.

يعتقد بتواجد قرابة 26 ألف جندي روسي في "سيفاستوبول"، وحذرت الحكومة الأوكرانية الجديدة موسكو بأنه مغادرة تلك القوات لقواعدها سينظر إليها باعتبارها عدوان عسكري."

الدراما التي لا زالت فصولها تتكشف، من الاستيلاء على مقار حكومية واستنفار القوات العسكرية، والتصريحات المتصلبة، أثارت مخاوف دول الجوار، ووزير الخارجية البولندي، رادوسلو سيكورسكي، وصف الوضع بأنها "لعبة خطرة للغاية"، محذرا بأنها على غرار الكيفية التي بدأت بها النزاعات الإقليمية، مضيفاً: "من الصعوبة تخيل بأن لبوتين أي مصلحة ببدء حرب حول أوكرانيا، لكن أيضا على الحكومة الجديدة في كييف، تبني خطوات تحول من تقديم ذريعة لموسكو."

فمن أجل مستقبل أوكرانيا، ينبغي أن تتضمن الحكومة الأوكرانية الجديدة العرقية الروسية ومنحهم حقوق متساوية، كما أن على أوكرانيا تقديم ضمانات  لروسيا بأن عقد تأجير "سيفاستوبول" سيظل كما هو لن يتأثر بتغير الحكومة في كييف، وهذه خطوات ينبغي دعمها بالكامل من الغرب.

على واشنطن والاتحاد الأوروبي التهدئة خلال محاولة إيضاح بأن تفتيت أوكرانيا أمر غير مقبول،  وسبق وأن اتفقت أمريكا وروسيا على ذلك في 1994 مقابل تخلي أوكرانيا عن أسلحتها النووية.

الأزمة في أوكرانيا والخلافات حولها معقدة، لكنها قابلة للحل، وإذا ما كانت هناك مساحة لدبلوماسية حكيمة وحاسمة وقوية، فالآن وقتها، فالمحتجون في القرم، ولك من يدعمهم في موسكو، عليهم فهم رسالة بأن القرم ستظل جزاء من أوكرانيا.

نشر
محتوى إعلاني